متلازمة الشيء ونقيضه.. مشكلة سيميوني التي تطارده أمام ليفربول

تقرير – محمد يوسف

كرة القدم في أندية النخبة هي لعبة أكثر هجومية الآن، أكثر من أي وقت مضى، ربما منذ بدء التنظيم المنهجي في منتصف ستينيات القرن الماضي.

مثلًا، منذ بداية إدراج الدور ربع النهائي بعد دور المجموعات في دوري الأبطال، في موسم 1994-95، وحتى موسم 2007-08، لم يُسجل أكثر من ثلاثة أهداف في المباراة الواحدة في المتوسط في مراحل خروج المغلوب سوى في موسمين فحسب. ولكن منذ ذلك الحين، لم يكن هناك سوى موسم واحد فقط لم يتخطى هذا المتوسط حاجز الثلاثة أهداف، وفي المواسم الثلاثة الماضية كان أعلى من 3.5 هدف في المباراة.

وبينما خفت نجم جوزيه مورينيو، لم يكن هناك سوى استثناءً واحداً حقيقياً لهذا الاتجاه الهجومي وهو أتلتيكو مدريد، والذي وصل مرتين إلى نهائي دوري أبطال أوروبا في العقد الأخير.

النادي الذي يلعب شكل من أشكال كرة القدم التي أصبحت تُعرف باسم “شوليسمو”، نسبة إلى لقب مديرهم الفني دييجو “شولو” سيميوني، وهي كلمة صاغها الصحافي ماريو توريخون في عام 2012، وتشير إلى الأسلوب المُناقض لهم، وهو الـ “تيكي تاكا” الخاصة ببرشلونة بيب جوارديولا.

جوارديولا يكره مصطلح “تيكي تاكا”، والذي صاغه خافيير كليمنتي في الثمانينيات للسخرية من التمريرات القصيرة للاعبي برشلونة آنذاك. انخفض استخدام المصطلح كثيراً الآن، بعد أن عرف الجميع كيف يتطلب أسلوب جوارديولا القائم على الاستحواذ جهداً بدنياً هائلاً، بالإضافة لكونه أسلوباً براجماتياً وعملياً لأبعد الحدود.

ولكن قبل ثماني سنوات، التمييز بين الأسلوبين بدا مُطلقاً: من ناحية لديك الـ “تيكي تاكا” الفنية، وعلى الجانب الآخر هناك القتال من الـ “شوليسمو”.

دييجو “شولو” سيميوني

سيميوني، الذي تولى تدريب أتلتيكو في عام 2011، شدّد دائماً على ضرورة أن يضع الفرد نفسه في خدمة المجموعة، وقد لقي هذا المفهوم صدىً واسعاً في السنوات المضطربة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008.

كما يلاحظ رايكو جونزاليس في مجلة The Blizzard: “الأعداء السياسيين، ومذيعي التلفزيون، والممثلين، وغيرهم من الشخصيات البارزة أعلنوا تدريجياً أنهم “شوليستاس”. وفي ظل أزمة اقتصادية وسياسية، عبّر أسلوب “شوليسمو” عن روح جديدة في عصرنا الحالي”.

تم استخدام المصطلح على نطاق واسع في ذلك الوقت، حتى أن أحد القواميس الإسبانية رشحت مصطلح “شوليسمو” ككلمة العام في 2013. ومع ذلك، مهما بدت تلك القيم ذات صلة واضحة في إسبانيا في أوائل العقد الماضي، إلا أن الـ “شوليسمو” كانت تملك جذوراً في الأرجنتين في أربعينيات القرن الماضي.

وقد أطلق على دييجو سيميوني لقب “شولو” أحد مدربيه في فترة الشباب وهو فيكتور سبينيتو، والذي ذكّره بالمدافع السابق لنادي بوكا جونيورز كارميلو “شولو” سيميوني. كان سبينيتو في أواخر السبعينيات من عمره آنذاك، ولكنه كمدير فني، لنادي فيليز سارسفيلد الأرجنتيني سابقاً، كان رائداً فيما أصبح يُعرف باسم الـ “أنتي فوتبول” anti-fútbol.

في الماضي، كان ذلك يعني ببساطة أسلوب اللعب المبني على العمل الشاق والتنظيم، على عكس أسلوب اللعب الذي كان يسيطر على هذا العصر وهو أسلوب “لا نويسترا”. ولكن بعد هزيمة مُذلة 6-1 ضد تشيكوسلوفاكيا في كأس العالم 1958، بدأت ثورة جديدة في كرة القدم الأرجنتينية.

المدرب الأرجنتيني كارلوس بيلاردو

بعد عقد من الزمن، عندما فاز أوزفالدو زوبلديا مع أستوديانتس بثلاثة كؤوس كوبا ليبرتادورس على التوالي، كان مصطلح “أنتي فوتبول” يعني الفوز بأي وسيلة ضرورية. وكان كارلوس بيلاردو أحد لاعبي خط الوسط الأساسين في هذا الفريق. والذي اعترف بأخذ دبابيس إلى أرض الملعب ليستخدمها على المنافسين.

فاز بيلاردو بكأس العالم كمدير فني لمنتخب الأرجنتين عام 1986، ثم درب سيميوني في إشبيلية، حيث كان له أكبر تأثير عليه، ويشير سيميوني إلى بيلاردو أنه والده في كرة القدم. بطبيعة الحال، يقف بيلاردو على الجانب الآخر من المدرب الأرجنتيني الآخر الفائز بكأس العالم عام 1978 وهو سيزار لويس مينوتي، والذي كان مدرباً لفريق برشلونة الذي سخر منه كليمنتي بمصطلح “تيكي تاكا”.

المدرب الأرجنتيني سيزار مينوتي

أسلوب سيميوني ليس متطرفاً كما كان أسلوب أوزفالدو زوبلديا، ولكنه يتشارك معه في بعض العناصر الأساسية، مثل التركيز على الجهد البدني والانضباط، والذي يبدو أنه متأصلاً لدى سيميوني، حتى أنه أشاد بلاعب ريال مدريد فيديريكو فالفيردي لطرده بعد ارتكابه مخالفة ضد أتلتيكو في نهائي كأس السوبر الإسبانية.

أصبح أستوديانتس في عام 1967 أول فريق خارج الخمسة الكبار (ريفر بلايت، بوكا جونيورز، راسينج، إندبينديانتي، وسان لورينزو) يفوز باللقب الأرجنتيني منذ بداية الاحترافية في عام 1931، لقد كانوا غرباءً. لذا من السهل أن نرى لماذا ينظر أتلتيكو إلى أنفسهم كـمستضعفين “أندر دوجز”، مقاتلي مدريد يليق بهم أسلوب “شوليسمو”.

ولكن أتليتكو هو نوع غريب من الـ “أندر دوجز”؛ فهو يحتل المركز الـ 13 في قائمة أغلى الأندية في العالم في الإيرادات. حتى أن أحد المستثمرين الأمريكيين كان ينتقد أتلتيكو لعدم اعتماده على نموذج أكثر توسعية ويعتمد على شراء النجوم، النموذج الذي قد يسمح لهم بأن ينمو إلى أبعد من ذلك، وهو انتقاد يتجاهل طبيعة النادي.

ولكن هذا يثير التساؤل الشائع في كرة القدم الحديثة عن لمن ينتمي النادي: هل إلى المعجبين أم حاملي الأسهم؟

أسلوب الانتقالات الأخيرة، من بيع اللاعبين الكبار مثل جابي ودييجو جودين وخوانفران، واستبدالهم بلاعبين أكثر تألقاً وشباباً مثل جواو فيليكس وتوماس ليمار، يشير إلى محاولة نقل النادي بعيداً عن حالة الجمود التي أصابته. وحتى قبل مجموعة الإصابات التي لحقت بخطهم الأمامي، كان الانتقال إلى النمط الجديد صعباً.

دييجو سيميوني

وهكذا عند مواجهة فريق ليفربول، الذي يحدد أسلوبه بالضغط العالي شكل العصر الحديث في كرة القدم، يجد سيميوني أن منهجه الشخصي محل شك لأول مرة.

ربما كان انتقاد المستثمر الأمريكي صحيحاً، وتحتاج الأندية الآن أن تلعب بطريقة محددة من أجل جذب مزيداً من المشجعين، في البحث عن مزيد من النمو الاقتصادي.

ولكن الفكرة الكئيبة هي أنه يجب التضحية بهوية النادي على حساب الجانب الاقتصادي، وأن الاقتصاد يجب أن يدفع الأندية نحو أسلوب لعب واحد متشابه، يفرضه السوق بقدر ما تفرضه هواجس كرة القدم.

 

تقرير مترجم لـ جوناثان ويلسون في الجارديان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى