لايبزيج ناجلزمان.. الحصان الأسود بدوري الأبطال

تحليل- أحمد مختار

“اسكت واجلس مكانك، هل تظن أنك اخترعت كرة القدم؟”، تعرض روجر شميدت للطرد والإيقاف مباراتين، بعد تفوهه بهذه الكلمات ضد مدرب الخصم، وذلك خلال مباراة باير ليفركوزن وهوفينهايم خلال سنوات سابقة في البوندسليجا.

لم تمر هذه القصة مرور الكرام في ألمانيا، ليس فقط لأن شميدت تجاوز حدوده خارج الخط، ولكن لأن الطرف الآخر للشجار كان أصغر مدرب في الدوري، إنه يوليان ناجلزمان، الفتى الصغير الذي يقود ثورة رياضية شاملة في الملاعب الألمانية خلال الفترة الأخيرة، بداية من خلال تجربته المثمرة مع هوفينهايم ثم ظهوره للجميع مع لايبزيج، ومنافسته على لقب الدوري هذا الموسم.

يوليان ناجلزمان

“مثله مثل معظم المدربين الشبان في ألمانيا، تأثر يوليان بالمدرب رالف رانغنيك، ولعبة الضغط التي اشتهر بها في أكثر من فريق آخرهم لايبزيج”. لكن يوليان يرد في حوار سابق مؤكدا أنه يفضل دائما الجمع بين الضغط والاستحواذ، لأن فرقه يجب أن تؤدي بشكل جيد مع الكرة ودونها.

في سن الثامنة والعشرين فقط، حصل يوليان على فرصته التاريخية لقيادة فريق هوفينهايم، وذلك بعد استقالة المدرب السابق هاب ستيفانز نتيجة مشاكل بالقلب، ليراهن مالك النادي على الفتى الصغير الذي يعمل ضمن الطاقم التقني، ويقود هوفينهايم سريعا إلى الهروب تماما من شبح الهبوط في وقت سابق.

اعتزل ناجلزمان الكرة سريعا بعد تعرضه لإصابة خطيرة أثناء لعبه في صفوف أوغسبورغ، النادي الذي كان يدربه توماس توخيل، ليستعين به المدير الفني بعد اعتزاله في مراقبة الخصوم ضمن عمل “السكاوت” الخاص بأوغسبورغ، لينطلق بعدها المدرب الصغير إلى ميونخ 1860 ثم هوفينهايم، من فئات الشباب إلى الفريق الأول خلال سنوات قليلة، بسبب الطفرة الكبيرة التي حققها مع فريق 19 سنة نتيجة قيادته له للفوز بلقب الدوري.

“أنا مثل الخباز، أضع عديد الأشياء داخل الفرن ثم أنتظر النتيجة، وداخل الملعب أستمر في البحث والمحاولة، حتى أحصل على ما أريد في نهاية المباراة”، يوليان ناجلزمان متحدثا عن فلسفته في اللعبة.

يؤكد الشاب في مقابلته التي أفردها الموقع التكتيكي “تقرير الكرة”، بأن التدريب أفضل كثيرا من لعب الكرة، لأنك تكون مجبرا على تحسين أداء 22 لاعبا دفعة واحدة، وتفكر بالساعات في محاولة هزيمة خصمك خططيا وتكتيكيا قبل بداية المباراة وبعدها، ويشير إلى أن طريقة لعب فياريال تروقه بشدة، لأنهم مجموعة تضغط كوحدة واحدة في نصف ملعب الخصم، كذلك يصنف نفسه كأحد المحبين لأرسنال وبرشلونة، بسبب الكرة الجميلة في كافة تفاصيل المباراة.

يمزج ناجلزمان في طريقة لعبه بين الكرة الهجومية والضغط، ليسير على خطى سابقيه باتباع استراتيجية “الكونتر برسينغ” أو الضغط العكسي، بمحاولة حصار المنافس في نصف ملعبه، وغلق زوايا التمرير أمام لاعبيه، من أجل قطع الكرة وتنفيذ هجمة سريعة تنتهي بهدف، وفي حال التعذر في فعل ذلك، فإنه يحصل على اللعبة ويهاجم بهدوء دون خوف إذا تطلب الأمر، وبالتالي فإنه مرن إلى حد كبير دون تعصب لمسار واحد.

تيمو فيرنر هداف لايبيزيج

اعترف الرجل أنه رفض تدريب ريال مدريد بعد رحيل زيدان، لأنه بحسب وجهة نظره لا يزال يريد التعلم، وتدريب ناد بحجم الريال سيضعه تحت الضغوطات سريعا، مما يجبره على الاهتمام بالنتائج قبل العملية في أوقات عديدة.

يؤكد ناجلزمان أنه يختلف مع مورينيو في فلسفته على صعيد التدريب، لكنه يحترمه بشدة، خاصة أنه صعد إلى مجاله من أسفل إلى أعلى، مع حصوله على حوالي 25 بطولة خلال مسيرته.

يوليان يتابع الدوري الإنجليزي جيدا، معجب بعقلية ليفربول هذا الموسم، تنوع طريقة لعبه مع كلوب قياسا بالسابق، فالفريق لم يعد يعتمد فقط على الضغط العكسي أو المرتدات من أجل تسجيل أهدافه كما كان يحدث بالسابق.

وعن التجربة التي تعتبر مثلا أعلى له، يقول مدرب لايبزيج: ” التجربة المثالية بالنسبة لي بيب جوارديولا في برشلونة. لم يكن الأمر متعلقا بعدد البطولات ولكن في أسلوب لعبهم، جرأتهم، شخصيتهم، وسيطرتهم الكبيرة على مجريات اللعب من البداية إلى النهاية، لقد كان فريقا يمثل نموذجا للجميع، الخصم قبل الصديق”.

قدم لايبزيج مباراة مثالية أمام توتنهام في لندن، صحيح أن فريق مورينيو غاب عنه الثنائي هاري كين وهيونج سون، إلا أن النادي الألماني أيضاً شارك منقوصاً من خدمات دفاعه بالكامل، وبالأخص ويلين أوربان، إبراهيما كوناتي، ونجم الوسط كيفين كامبل، لذلك اتجه ناجلزمان إلى رسم 3-5-2 بدلاً من 4-4-2 التي يستخدمها كثيراً هذا الموسم، بتواجد كولسترمان، أمباديو، هالستينبيرج في الدفاع، من أجل فتح الملعب عرضياً بثنائي من الأظهرة الحرة، أنخلينيو يساراً وموكيلي يميناً.

عرف ناجلزمان كيف يستغل عيوب رسم مورينيو بذكاء، فالبرتغالي راهن على خطة 4-2-3-1، لكن مع موجود مساحات واضحة بين الأظهرة والأجنحة، سواء بيرجوين ودافيز يساراً أو فرنانديز وأورييه يمينأً، لذلك لم يكن الأمر غريباً عندما يظهر أورييه بشكل ضعيف أمام ثنائية أنخلينيو وفيرنر على اليسار، كذلك تسبب بن دافيز في ضربة الجزاء التي جاء منها هدف الفوز الوحيد.

كل شيء في لايبزيج يبدأ من خط الوسط، يسيطر ويمرر ويستحوذ ويركض اللاعبين في هذا المكان، من أجل خلق الفراغات أمام لاعبي الأطراف في المساحات الشاغرة، لذلك يعتمد يوليان بشكل كبير على قوة مارسيل سابيتسر في منطقة الارتكاز رفقة كونراد لايمر، وفي الأمام ثلاثية فيرنر، نكونو، وباتريك تشيك.

يعتمد ناجلزمان في معظم المباريات على رسم 4-2-2-2 بصناعة الثنائيات في كل خط، وملأ الفراغات قدر المستطاع في وبين الخطوط، ويستغل المدرب مرونة لاعبيه في التحول من رسم إلى آخر دون مشاكل، فتيمو فيرنير يستطيع اللعب على الجناح أو في العمق كمهاجم صريح، كذلك يتحرك تشيك كرأس حربة وهمي في الأمام، من أجل فتح الفراغات أمام صانع اللعب المهاري كريستوف نكونو، كل ذلك مع امتلاك أطراف قوية بالكرة مثل أنخلينيو وكوليسترمان وموكيلي، ليتنوع لعب لايزبيج بين الأطراف والعمق دون أية مشاكل.

يمكن القول إن لايبزيج استحق تماماً الفوز على توتنهام خارج أرضه، لكنه لم يصعد بعد إلى ربع نهائي البطولة، حيث يجب أن يستمر بهذا الأداء القوي والفعالية الهجومية حتى يضمن الصعود، خاصة أن مشكلة هذا الفريق تكمن في قلة خبرات لاعبيه بالإضافة إلى عدم احتكاك مدربه بمدارس أوروبية مختلفة، نظراً لصغر سنه وحداثة مشواره التدريبي الذي يبدأ من عام 2016 فقط مع الكبار، لكن مع كل ذلك، علينا انتظار الحصان الأسود في هذه النسخة من بوابة ناجلزمان وفريقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى