تقرير – أحمد مختار
التخصص في كرة القدم قسم لاعبي الوسط إلى قسمين، ممررين وبدنيين، مهندسين وعمال، مميزين في التمركز وآخرين أقوياء في العرقلة والافتكاك، لذلك من يسير عكس هذا الإتجاه ويحاول الجمع بين الإتجاهين، فإنه يعتبر عملة نادرة في الكرة الحديثة، والجزائري إسماعيل بن ناصر واحد من هؤلاء الذين يمكن أن نوصفهم بالشمولية التكتيكية، خاصة أنه يملك قوة واضحة في الشق الدفاعي، مع رؤية مميزة فيما يخص السيطرة والتحكم ونقل الهجمات إلى الثلث الثاني والثالث من الملعب.
بن ناصر، لاعب الارتكاز المودرن كما يجب أن يكون.
بدأ إسماعيل مع ميلان بشكل ضعيف، الحقيقة أنه ليس المذنب الوحيد في هذا الشق، لأن الغالبية تحكم على مستوى الجدد بدون سياق. بمعنى أنها لا تضع أبدا عناصر مثل التأقلم، تغيير المدربين، طريقة اللعب، الضغوطات الجماهيرية والإعلامية، في نظرها عند الحكم، لذلك ضاع الكثير من المواهب المميزة في فلك المقارنات والحكم السريع غير المكتمل.
عندما حصل ميلان على قدر من الاستقرار، ثقة في المدير الفني، انتصارات متتالية، وجلب نجم كبير جدا على الصعيدين الفني والإعلامي مثل إبراهيموفيتش، أصبح الوضع أفضل كثيرا على المستويات كافة، وظهر ذلك بوضوح في تحسن مستوى إسماعيل بن ناصر خلال الدور الثاني قياسا بالبدايات.
في كل الأحوال، بن ناصر لديه سابق معرفة، خاصة بعد تألقه اللافت في بطولة أفريقيا 2019. من وجهة نظري كان أفضل لاعب في الكأس، مع التقدير للجميع داخل منتخب الجزائر وخارجه.
الجزائر مع جمال بلماضي لهم تجارب موفقة على الصعيد الخططي، 4-2-3-1 على الورق لكن 4-1-4-1 داخل الملعب، بأسلوب لعب قائم على المبادرة والهجوم، مع تطبيق إستراتيجية نقل اللعب من جانب لآخر فيما يعرف تكتيكياً بالـ Switching play.
إسماعيل بن ناصرهو نجم البطولة الأول، لأنه بمثابة همزة الوصل بين دفاع الجزائر وبقية الخطوط، أقرب إلى “الديليفري مان” الذي ينقل الهجمات من الثلث الأول إلى الثلثين الثاني والثالث بذكاء وخفة وسرعة ومرونة.
الاحتفاظ بالكرة، الحيازة تحت الضغط، المراوغة ونقل التمريرة من جانب لآخر، مع إسماعيل بن ناصر الذي أبدع في الاستلام والتسليم في وبين الخطوط، وسحب دفاع كينيا تجاهه من أجل فتح المساحات أمام الثنائي بنسبعيني وبلايلي على اليسار هجومياً.
لاعب جيد في التمرير، الاستحواذ، المراوغة، وفوق ذلك المساندة الدفاعية، لذلك هو أقرب لدور الـ Free Number 8 في رسم 4-4-3 أو 4-1-4-1، اي لاعب الوسط الريشة الذي يهاجم في أنصاف المسافات، ويقوم بدور صناعة اللعب في العمق بالتبادل مع زميله الجناح على الخط.
بن ناصر جاء للقيام بدور لاعب الريشة الـ Shuttler في رسم 4-3-1-2 للمدرب السابق جيامباولو، وبعد رحيله سريعاً بسبب سوء النتائج وضعف الأداء، أخذ لاعبو ميلان بعض الوقت للتكيف وتحمل الانتقادات ومن ثم معرفة كل لاعب بدوره الجديد.
مع ستيفانو بيولي ورسمه الميكس بين 4-2-3-1 و 4-4-2 وحتى 4-4-1-1 فإن اللاعب الجزائري حصل على دوره المميز فيه، لاعب الوسط الكل في الكل، صحيح أنه يدافع أكثر، يقف في نصف ملعبه معظم الوقت، لكنه يساهم أيضاً في الهجوم بالتمريرات الطولية، والاندفاع من الخلف إلى الأمام.
آمن بيولي بعدم التخصص والشمولية التكتيكية. تحّدث أريجو ساكي في حوار قديم مع الصحفي باولو بالديني، ليؤكد أن الجمود التكتيكي هو السائد في السنوات الأخيرة وأكبر دليل على ذلك، زيادة المناقشات حول ما إذا كان هذا اللاعب جناح أم لاعب وسط صريح أم إرتكاز دفاعي، ليؤكد أن هذه الأسئلة هي أس البلاء للكرة الحديثة.
التخصص قاتل لكرة القدم، يؤكد بائع الأحذية الذي صار مدرباً شهيراً، هذا الكلام حول فكرة تقيد كل لاعب بمركز معين داخل الملعب، ويستعيد الأيام الخوالي في فترة المجد مع ميلان الذهبي، حينما وضع الثنائي فرانك ريكارد وكارلو أنشيلوتي في منطقة الإرتكاز، في طريقة لعب 4-4-2 الميلانية.
فرانك وكارلو في ميلان الذهبي = بن ناصر وكيسيه في ميلان الحالي، مع الفارق بالتأكيد لصالح فريق ساكي قولا وفعلا وإنتاجا، لكن لماذا تبدو هذه المقارنة مقبولة ومنطقية؟
لأن فعلا وسط ميلان الحالي به قدر من الجرأة والتكامل، كيسيه ارتفع مستواه بوضوح، أصبح يسدد ويسجل ويقاتل على كل كرة، بينما إسماعيل يدافع ويقطع ويعرقل وفي نفس الوقت يتقدم ويمرر ويصنع الفرص لزملائه.
الجزء الآخر من قيمة هذا اللاعب في أنه يتخذ قراره سريعا، بمعنى أنه يعرف ماذا سيفعل بالكرة قبل أن يستلمها، لذلك فإنه يتفوق على منافسيه بثانية أو إثنتين عند الاستلام والدوران ثم التمرير أو الانطلاق نحو الهجوم، مما يجعله قريبا من زملائه، ليس في المكان فقط بل في التفكير أيضا، لأن أي لاعب لا يخاف عندما يمرر الكرة له، وهنا مربط الفرس في العلاقة بين الطرفين.
بالتأكيد كل لاعب لديه عيوبه ومشاكله، خاصة عندما يكون صغير بالسن، ولم يلعب طويلا في الأندية الجماهيرية الكبيرة، لذلك فإن إسماعيل بن ناصر أحيانا يحصل على بطاقات ليس لها قيمة بسبب اندفاعه الذي يصل إلى حد التهور، بالإضافة إلى فقدان الكرات في بعض المواقف التي لا تتحمل ذلك، خاصة عندما يكون قريبا من مرماه.
لكن تبدو هذه العيوب سهلة الحل، لأن اللاعب مع زيادة خبرته سيكون أهدأ في تدخلاته وتصرفاته، أما بالنسبة لفقدان الكرات فهذا جزء من تكوين الشخصية الجريئة للاعب الوسط، الذي يفضل لعب التمريرات الخطيرة Risky passes الكاسرة للخطوط، حتى وإن تسبب ذلك في ارتداد الهجمات على مرماه عند قطعها، لأن باختصار من دون المخاطرة لن يكون هناك مرونة في ضرب تكتلات المنافس.
بن ناصر أمام سامبدوريا على سبيل المثال:
7 استخلاص كرات
3 افتكاكات
3 مراوغات
91 % دقة تمرير.
بن ناصر في المطلق هذا الموسم في الكالتشيو مع ميلان: حتى 24 يوليو
الأكثر استخلاصا للكرات من فريقه: 344
الأكثر تمريرا تجاه الثلث الأخير: 152
الأكثر مراوغات: 62
الأكثر عرقلة صحيحة: 56