الأهلي والدحيل .. لدغة الشحات القاتلة..!

تحليل: محمد العولقي

كان الفارق بين الأهلي المصري بطل أفريقيا و ملكها الأوحد و الدحيل القطري، خيطا رفيعا تمثل في قدرة البارع حسين الشحات على تقرير مصير المباراة مع منتصف الشوط الأول، في ظل حوار ساخن على ملعب المدينة التعليمية بالدوحة، لحساب الدور الثاني من مونديال الأندية ..

حسنا .. سأنتزع من المعادلة عناصرها الأساسية التي وضعتنا بالفعل أمام لقاء مضطرب و متقلب و بوجهين مغايرين ..

لم يصدق أحد أن الأهلي الذي بسط سيطرة تامة على الشوط الأول ، سيظهر بوحه آخر في الشوط الثاني ، شوط تحمل عبئه خط دفاع الأهلي، و تحديدا قلبي الدفاع أيمن أشرف و بدر بانون ..

ولم يصدق أحد أن الدحيل الذي ظهر في الشوط الأول مذعورا و خائفا و مرعوبا من السمعة المدوية لملك أفريقيا ، سيغير جلده و تتبدل قناعاته في الشوط الثاني ، فسيطر وخلق الفرص، وكاد يعيد المباراة إلى نقطة البداية، لولا دفاع الأهلي المستميت، و براعة حارس المرمى محمد الشناوي ..

لم يصدق أحد أن مدرب الأهلي بيتسو موسيماني الذي عرف كيف يسير الشوط الأول، بفضل مرونة لاعبيه التكتيكية، ومهارات حسين الشحات و مناوشات والتر بواليا، وحيوية محمد مجدي (أفشة)، سينسف كل هذه المحاسن دفعة واحدة، عندما قرر دون ضابط تكتيكي الانكماش في وسط ملعبه، في وقت تدهورت فيه الحالة الذهنية و البدنية للاعبيه ..

لم يصدق أحد أن مدرب الدحيل الفرانكفوني صبري لاموشي سينتفض في الشوط الثاني، و يتخلص من (خضة) الأهلي بتغييرات تكتيكية مدروسة نقلت الفريق من حالة (الدوخة) التي كان عليها في الشوط الأول إلى حالة (الاستفاقة) حد الغليان في الشوط الثاني ..

نجح موسيماني في شوط اللاعبين، و كاد يدفع الثمن غاليا في شوط المدربين ، فيما كان صبري لاموشي مخيبا في شوط اللاعبين، بسبب خطأ في طريقة اللعب، و الاحترام الزائد عن الحد للمنافس، لكنه في شوط المدربين صحح تلك الأخطاء بتغييرات مؤثرة منحت فريقه شخصية مقارعة بطل أفريقيا، بل و التفوق عليه من الناحيتين التكتيكية و البدنية ..

موسيماني خسر الشوط الثاني لعبا ، وكسب الشوط الأول نتيجة و لعبا ، وصبري لاموشي ضيع كل شيء في الشوط الأول، ولم يسعفه الشوط الثاني لإحداث هزة أرضية في المباراة ، في تقديري النهائي سقط موسيماني تكتيكيا في شوط المدربين، و سقط لاموشي نفسيا في شوط اللاعبين ، ولم ينجح سوى حسين الشحات الذي طار بصقر الأهلي إلى سماء بايرن ميونيخ الألماني بفضل لدغة قاتلة لم يفق منها المنافس ..


* شوط التفوق الأهلاوي ..

هل هي لغة الكؤوس ، خصوصية الكؤوس..؟ وحتى لو سلمنا بهذه البديهة لا يمكن خلق الأعذار لمدرب الأهلي بيتسو موسيماني في شوط المدربين ..

بدأ الأهلي في الشوط الأول منتعشا للغاية ، خطوط يربطها وثاق تكتيكي ، انسجام و تناغم ، ، و مرونة في تنقلات اللاعبين ، و براعة في تطبيق أسلوب السهل الممتنع ، القريحة كانت في أوجها ، ورغم أن الدحيل القطري اختار الكثافة العددية في منتصف ملعبه، إلا أن الضغط على حامل الكرة، أو حتى على البناء الفني كان معدوما تماما ..

مارس لاعبو الأهلي عملية التدرج بالكرة بسلاسة شديدة ، ساعد في ذلك الحالة الذهنية للاعبيه، في مقابل فريق (مخضوض) و خائف من تطبيق العراك الأرضي و الصراع الهوائي ..

نجح لاعبو الأهلي في تفكيك كل المطبات الأرضية للدحيل ، و كان حسين الشحات هو من يمنح شاكلة الأهلي الحافز في الغزو من الرواق الأيمن ومن العمق ، تحركات المهاجم والتر بواليا في مجملها كانت مثمرة و بناءة، فقد أتاحت الفرصة أمام الشحات و طاهر محمد طاهر على التوغل أكثر في عمق دفاعات الدحيل ..

ورغم التحفظ على مشاركة عمرو السولية أساسيا على حساب المالي آلو ديانج لحسابات تكتيكية من وجهة نظر موسيماني، إلا أن السولية شكل جدارا محوريا مع حمدي فتحي، و نجح هذا الثنائي في كسب الكثير من المواجهات أمام وسط الدحيل ..

كانت خطة موسيماني تتأسس على مبدأين:
الأول : تدوير الكرة بسرعة من العمق و الرواقين و تبادل الأدوار في الجبهة الهجومية ، وهذا الأسلوب الخاطف حرر لاعبي الوسط كثيرا و منحهم القدرة على التكيف و تنويع اللعب بحرية ..

والثاني: الضغط على لاعبي الدحيل من منطقة جزائهم ، بداية من والتر بواليا و حتى المحور المتأخر عمرو السولية ، هذا الضغط أثمر عن هدف الانتصار الثمين جدا و الحكاية تبدأ هكذا:

كرة مررت في العمق ناحية المدافع الثالث المتقدم بسام الراوي، يزاحمه في عراك جسدي والتر بواليا، ثم يستخلصها بذكاء ، تؤول الكرة إلى حسين الشحات الذي تقدم منحرفا قليلا ، ثم دار قليلا و أطلق تسديدة مركزة على يمين حارس مرمى الدحيل ..

نأتي الآن إلى ضغط لاعبي الأهلي من منطقة دفاعهم ، هذا الضغط أيضا كان محكما و مثمرا، لأنه فتح مساحات كبيرة خلف ظهر دفاع الدحيل ، ومن أحداها انفرد والتر بواليا بالمرمى منطلقا من الخلف قاطعا ث

لاثين مترا، قبل أن يسكن الكرة بخفة في المرمى ، لكن هذا الهدف التكتيكي الذي يجسد الكونترا تاك في أبهى صورها ألغي من طرف (الفار) بداعي التسلل .


* لاموشي هايص و موسيماني لايص ..

في الشوط الأول كان مدرب الدحيل صبري لاموشي خائفا و مكبلا تكتيكيا ، بدأ المباراة بطريقة تكتيكية سيئة لا تدل على احترامه المبالغ للخصم فقط، لكنها تدل على خوفه منه ، لهذا اختار اللعب بثلاثة مدافعين ووسط خماسي و أحيانا سداسي، فظهرت الفوضى التكتيكية بوضوح في حين تراجعت الحالة النفسية للاعبي الدحيل حتى الضآلة ، لكن الخطأ الذي وقع فيه لاعبو الأهلي أنهم اكتفوا بهدف الشحات، ولم يؤمنوه بهدف آخر يشل تفكير لاموشي نهائيا ، لقد بدأ وكأن الغاء الفار لهدف والتر بواليا مثل قبلة الحياة التي كان ينتظرها لاموشي في الاستراحة ..

أقدم صبري لاموشي على تغيير النهج تماما، و العودة مجددا إلى الأسلوب التقليدي ، و الأهم أنه تحرر أخيرا من سطوة الأهلي ، فأجرى تغييرات مؤثرة منحت الفريق النفس الهجومي الذي افتقده طوال الشوط الأول ..

أخرج لاموشي المهاجم الكيني مايكل أولونجا و أضاف إلى الهجوم عنصرا فنيا شرسا هو محمد مونتاري ، ثم نزع من وسط الدفاع العمقي بسام الراوي و أنزل بدلا عنه المهاجم الهداف المعز علي ، و أخيرا دفع بإسماعيل محمد بدلا عن أحمد ياسر ، هذه التغييرات رسمت شاكلة أقرب إلى 4/3/3 ، و النتيجة أن الدحيل تحرر تماما من قيود شاكلة دفاعية قاتمة تملكها الخوف من تاريخ الأهلي في مونديال الأندية ..


تحولت الجهة اليسرى التي يسكنها ظهير الأهلي العائد من الإصابة محمد هاني إلى جحيم حقيقي في ظل التآزر الذي بدأ واضحا بين إيدواردو بيريرا (دودو) و أدميلسون اللذين تفوقا على هاني وكسبا كل الحوارات الثنائية ، في حين كان مونتاري يناوش و يبث القلق في دفاع الأهلي ، وقد أمكنه تهديد مرمى الشناوي في ثلاث مناسبات، منها من ابتعد عن المرمى، ومنها من تكفل به الشناوي العملاق بالإضافة إلى تدخلات بانون و أيمن أشرف الناجحة أمام المعز و مونتاري بالفعل قدم صبري لاموشي شوطا تكتيكيا كبيرا ، استطاع فيه أن يحاصر مفكرة موسيماني جيدا، و يخلق الكثير من المشاكل الهجومية، لكنها ماتت أمام صمود دفاع الأهلي و الحارس الشناوي ثم ديانج في الحالة الدفاعية ..

الواقع أيضا أن موسيماني ساعد لاموشي كثيرا في تسيده للشوط الثاني، ليس لأنه فشل في قراءة المعطيات الجديدة بحلول مضادة فقط، ولكن لأن تغييراته كانت أقرب إلى (جبر الخواطر)، فلم تحمل مفاجأة على مستوى التكتيك ، ولم تعط الإضافة الفنية أو النفسية المطلوبة ، كانت مجرد تغييرات روتينية ليس فيها دهاء أو فكرة تعيد الامور إلى نصابها ..

موسيماني وفي تغيير غريب و غير مفهوم انتزع المقاتل والتر بواليا السريع، و أدخل بدلا منه مهاجم رأس حربة بطيء نسبيا ولا يتناسب مع معطيات شوط سلاحه السرعة في العمق، فكان نزول مروان محسن نزولا مفاجئا وغير مفهوم خصوصا و مروان بعيد عن أجواء المباريات الصعبة منذ فترة ليست قصيرة و يفتقد الى لياقة المباريات ..

ولم يكن دخول أكرم توفيق مكان طاهر محمد طاهر سوى تغيير للتغيير، ليس فيه إضافة تكتيكية تخرب بناءات لاعبي الدحيل من العمق ..

أيضا دخول صلاح محسن بدلا عن الشحات الخطير لم يكن مدروسا، لأنه تغيير قتل الرتم الأهلاوي، فقد كان الشحات مع بواليا صداعا مزمنا لخط دفاع الدحيل ..

كان الشوط الثاني عراكا بين خبرة لاعبي الأهلي ، و الحيوية التي ضخها لاموشي في دماء شاكلته ذات النسخة المعدلة ، وتساءلت أين التدابير التكتيكية التي كان يفترض على موسيماني إدخالها في شوط تغير نهجه كليا ..؟

كان موسيماني للأمانة متأكدا أن الدحيل سيرمي بكل أوراقه و سيعدل كل أوتاره ، بمعنى أن موسيماني توقع ان يلعب الدحيل مندفعا لتعويض فارق الهدف ، وكان هذا التعديل في الواقع يمنح موسيماني فرصة تجسيد المرتد الخاطف و استغلال مساحات الأروقة و العمق ، وهذا ببساطة يعني أن عليك أن تمتلك سرعة الإقلاع الخاطف ، وهذا لم يحدث لأن موسيماني خفض سرعة الإيقاع حتى الموت، و قبر حاجة اسمها الكونترا تاك و قرأ عليها الفاتحة ، تبديلاته جاءت بالفعل لتقتل الرتم و تحرم الأهلي سلاح السرعة الفتاك، كهرباء مثلا كان يمكن أن يكون حلا مثاليا أفضل بكثير من صلاح محسن أو مروان محسن أو أكرم توفيق، بغض النظر عن التخصص في المراكز ..

عموما الأهلي حقق هدفه المهم أمام الدحيل، ويبقى الهدف الأهم ضرورة الثبات الانفعالي أمام بايرن ميونيخ الألماني يوم الإثنين القادم ، يمكن للأهلي أن يحذر البايرن و يحترمه آخر احترام، لكن لا يجب أن يتحول هذا الحذر إلى رعب مزمن، وهذا الاحترام إلى ذعر ، وربنا يوفق الأهلي أمام بايرن ميونيخ كما عودنا دائما في المباريات الشائكة و المعقدة و الصعبة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى