كتب- محمد العولقي
عندما يقرر الأهلي المصري أن يلعب كرة قدم حقيقية .. بسيطة .. سلسة .. فعالة .. يبدو الفريق كنهر رقراق .. عطاؤه بلا حدود .. وكرمه مع عشاقه يصل سيله الزبى .. لا تقولوا لي: هذا الفريق يلعب.. وذاك الفريق يتألق .. إذا حضر الأهلي بتراث مدرسته يسكت الجميع عن الكلام المباح.. كرة القدم فن وذوق .. والأهلي أبو وأم وجد وعم الفنون الكروية كلها .. لعزفه نشيد مختلف .. ولجوقته أنغام وألحان لا تكشف سرها سوى النوتات الحمراء .. عندما يعزف لاعبوه السيمفونية الحمراء بأقدامهم يسمع نشيده من به صمم .. تفرح معه كل البلد .. ويسهر الخلق تحت أضواء أشعته الحمراء المرئية وغير المرئية ..
شاهدت الأهلي أمام فيتا كلوب الكونغولي في الجولة الرابعة من دوري أبطال أفريقيا .. الأهلي الرائق الذي لا يهتز أمام فيتا أو بيتا أو ألفا .. لا لون فوقه وتحته .. ولا عين ترصد طوله الموجي .. ولا أذن تحتمل تردده العالي .. السيادة هنا فقط للون الأحمر .. ولا مكان لألوان الطيف الأخرى سوى على مقاعد المتفرجين .. لم أندهش لذلك السيرك الذي نصبه لاعبو الأهلي لمنافسهم القوي فيتا كلوب .. كنت واثقا أن الأهلي الكبير والممتع سيعود دوما .. سيضرب الأرض بقدميه على طريقة جاليو جاليلي قائلا : ومع ذلك فإنها تدور متى قال لكرة القدم دوري ..
هل تذكرون الملاكم الأسطوري الراحل محمد علي كلاي ..؟، هل تذكرون كيف كان يدور حول خصمه بخطوات رشيقة واثقة وأنيقة ممتعة، ثم يضرب ضربة خاطفة قاتلة ويبتعد عن خصمه ..؟.
هل تذكرون كيف كان يسقط منافسه بالضربة القاضية من أقصر الطرق ..؟، الأهلي أمام فيتا كلوب تقمص دور الملاكم الذي يمنح الحلبات فنها النبيل .. كان الأهلي يغري خصمه .. يجرجره نحو مصاقرة سيكولوجية .. ثم فجأة ينقض من حيث لا يتوقع المنافس .. القريحة الذهنية للاعبي الأهلي كانت في القمة .. الأهلي كان يحوم كفراشة مغرية لكن عندما توهم الخصم أن نيرانه ستحرق الفراشة .. ظهر الوجه الآخر للأهلي في صورة نحلة تلسع وأفعى تلدغ بعدها والقبر ..
قدم الأهلي أمام فيتا كلوب روشتة علاج جديدة لا تحتمل التأجيل .. سيطرة شرسة مع ضغط عالي على نظام لعب الخصم .. تحركات مدروسة .. وتموضعات نموذجية .. بعدها جاءت الوصفة السحرية .. ثلاثة أهداف .. بواقع هدف قبل ووسط وبعد الأكل ..، كمحلل فني أزعم أنني أتكئ على خبرة ميدانية لا بأس بها .. أشهد أن الأهلي هذا الموسم متفاوت العطاء والجودة والمردود .. مرة فوق ..ومرة نص نص .. ومرة تحت تحت .. يمنحنا الحد الأدنى من المتعة الكروية بالتقسيط .. لكنه أمام فيتا كلوب وتحت رحمة أمطار غزيرة .. قرر أن يمنحنا المتعة الكاملة (كاش) من دون حسابات تكتيكية.. ومن دون تخوفات نفسية .. لماذا بلغت متعة الأهلي الذروة أمام فيتا كلوب مع أننا هنا نتحدث عن خصم شرس وقوي في رصيده الفني والبدني ..
سبق له وأن اقتنص تعادلا بطعم الفوز في القاهرة ..؟، الإجابة ببساطة .. إنها روح الفانلة الحمراء .. ذلك المفعول السحري الذي يظهر دائما في الأوقات الصعبة والشائكة والحساسة .. تلك الروح التي تحوم في سماء الأهلي تحرسه وتحميه وتغير شكل الفريق من حال إلى حال .. فعندما يستحضر كل لاعب أهلاوي تلك الروح الأسطورية التي تبرز دائما من بين رماد الصعوبات والمنغصات .. يتحول كل لاعب أهلاوي مهما كان شأنه إلى (رهوان) لا تملك أمامه سوى الاستمتاع والتصفيق كما أفعل الآن .. انتبهوا أيها السادة .. نسر الأهلي عاد شرها وجائعا وشرسا وواثقا من روحه وسمائه .. فلتستعد كل الطيور لحفلة العشاء الحمراء ..وبالهنا والشفاء ..!