
كتبت- ترياء البنا
مليئة كرة القدم في بلادنا بحكايا خارجة عن نطاق المألوف، حين ننصت إليها ونمعن النظر بتفاصيلها ندهش تارة ونتحسر تارات أخرى.
أسماء صالت وجالت بالمستطيل الأخضر وكان موقعها الطبيعي على قمة الهرم الرياضي محليا وإقليميا وربما دوليا، هم في ترجمة بسيطة فاكهة كروية تزداد قيمتها كلما مرت عليها السنون، رغم محاولات طمسها.
هذه إحدى القصص العجيبة، حكاية فتى يمني، تخرج من الكلية الحربية برتبة ملازم، وعمل معلما بالكلية الحربية اليمنية، كما شغل منصب مستشار وزير الشباب والرياضة باليمن، علي أطلس، الصاروخ عابر القارات، أبو الكباتن، الواد اليمني، قاهر ويست هام الإنجليزي، وغيرها من الألقاب التي التصقت بسفير الكرة اليمنية، وشخصية القرن في اليمن السعيد، علي محسن.
تتسم قصة علي محسن مع كرة القدم بالغرابة الشديدة، موهوب بالفطرة، رحل إلى مصر للدراسة الثانوية، وشاءت الأقدار أن ترفضه المدرسة الإبراهيمية في العام الأول، فعاش بحي الدقي مع أسرة مصرية، ومارس كرة القدم في حواري القاهرة لدرجة لفتت إليه الأنظار، في وقت كان يجوب خلاله الكشافة الحواري المصرية لاكتشاف المواهب، فاكتشفه محمد قنديل في سن 18 سنة، وضمه للزمالك، وجاء لقاؤه الأول بصفوف الفريق أمام الخصم الأزلي الأهلي في نهائي كأس مصر، ليحقق الهرم الرابع كما أطلقت عليه جماهير الكرة المصرية التي عشقته بجنون، هدف الفوز 2/1.
انطلق علي محسن بسرعة صاروخية ناسجا قصة نجاح رغم قصرها لازالت عالقة بأذهان المصريين واليمنيين، فحقق لقب هداف الدوري لـ3 مواسم متتالية، 1960، 1961، 1962، وهو صاحب الهدف الأروع أمام النادي المصري البورسعيدي، حين تلقى كرة على خط الـ18 والتف ودار بها وثبتها بصدره وعلى الطائر هدفا عالميا.
حظي علي محسن بحب المصريين على مختلف توجهاتهم فطالبوا بمنحه الجنسية المصرية، ولكنه اعتذر وتمسك بهويته اليمنية، فمصر بالنسبة له وطن أيضا لا يحتاج أوراق إثبات على ذلك، فكان اللاعب الوحيد الذي لعب لمنتخب مصر دون الحصول على الجنسية المصرية.
وما لا يمكن أن تنساه الجماهير المصرية، تعملق علي محسن أمام نجوم العالم، حين استضاف الزمالك ويست هام الإنجليزي، بعد فوز إنجلترا بكأس العالم 1966، ولعب علي محسن ضد قائد إنجلترا بوبي مور، والهداف هيرست، ونجح الزمالك في الفوز 5/1، وتألق المريسي حتى علق نجوم إنجلترا بأنه لاعب عالمي، كما لعب ضد بيليه وبوشكاش وزاجالو وعمو بابا، حين كان الزمالك النادي العربي المشهور في تلك الفترة باستضافة أقوى الأندية العالمية.
كان علي محسن يتميز بقدرة فائقة على المراوغة، وترويض الكرة في الهواء، وركلها هوائيا بقوة من أي وضع.
ولكن بين طرفة عين وانتباهتها، حرمت مصر من الموهبة التي حظيت بها، إثر مؤامرة بعيدة كل البعد عن الرياضة، دفعته إلى مغادرة مصر.
عاد المريسي إلى اليمن، وهو لا بردد إلا جملة واحدة، لا حول ولا قوة إلا بالله، عمل بالتدريب في اليمن، فقاد الشعب، الميناء، الهلال، وعدن، كما درب المنتخبات اليمنية وحقق معها انتصارات وإنجازات، لتمنحه اليمن جزءا من حقه الذي أهدر في مصر، رغما عن المصريين أنفسهم ودون رضاهم، فهم يعتبرون علي محسن مصريا، وحتى الآن يعدونه من أساطير الكرة المصرية.
عمل أيضا مدربا لهورسيد الصومالي، موسمي 1972، 1973، محرزا معه بطولة الدوري، وبطولة شرق أفريقيا، ثم أشرف على منتخب الصومال الأول.
لم تنس مصر علي محسن، كما لم ينسها هو، فحين داهمه المرض، سارع الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى علاجه على حسابه الخاص في لندن، ثم كرمه فيما بعد، كما كرمه نادي الزمالك في حفل كبير 1992، كرمز من رموز القلعة البيضاء على مر التاريخ.
رحل علي محسن في 26 نوفمبر 1993، في صنعاء، التي أطلقت اسمه على أكبر ملاعبها، كما تنظم مسابقة سنوية باسمه، وأطلق اسمه على الشارع الذي كان يقطنه في مدينة التواهي، ليظل اسم السفير الأول حاضرا بقوة بين مصر واليمن، محتفظا بسيرة ناصعة البياض، رغم حرب نسجت من وحي الخيال، حرمت كرة القدم العربية من نقطة كان من الممكن أن تضيء في سماء العالمية.