المغرب وخارطة الكرة العربية

كتبت- ترياء البنا

المغرب في نصف نهائي كأس العالم، جملة إذا قالها شخص قبل انطلاق المونديال لاتهمه كل من يسمعه بالجنون والخرف، فمن كان يخيل إليه أن يصل منتخب عربي إلى الدور الثاني؟، وإن فعلها هل كان أحد ليتوقع التأهل إلى دور الـ8؟.

إن ما فعله أسود الأطلس حتى الآن بالتأهل إلى دور الـ4، ليكون أحد الأربعة الكبار على مستوى العالم، لهو أقصى درجات الإنجاز بالنسبة للعرب كونه المنتخب الأول الذي يصل إلى هذا الدور منذ انطلاق منافسات المونديال 1930، خاصة وأن المغرب جاءت من بعيد، حيث إنها غابت عن التتويج القاري لسنوات طويلة، ولم يكن لها إنجاز قريب سوى التأهل إلى مونديال روسيا 2018 منذ مشاركتها في نهائيات كأس العالم فرنسا 1998.

الآن رفع أسود الأطلس طموح كل العرب بأن كأس العالم ليست بالبعيدة، وزادت الثقة في قدرتهم على تخطي فرنسا بطل العالم، وهو ما سجل بصمة عربية قوية في النسخة العربية من كأس العالم، واحتفظ حتى الآن بإثارة البطولة الاستثنائية بشهادة الجميع.

في خضم ذلك التاريخ الذي يسطره نجوم الكرة المغربية، ودون أن نشعر، فقد كشفوا معظم مسؤولي الكرة العربية أمام أنفسهم وأمام شعوبهم، فالإنجازات تتحقق بالعمل الجاد وتحمل كل شخص مسؤولية المقعد الذي ربما حارب كثيرا ليصل إليه، لم تكن الكرة المغربية متسيدة للمشهد القاري أو العربي، نعم ظهرت بشكل متميز خلال كأس العرب الأخيرة، ولكن ليس بالمستوى الذي يمهد لما نشاهده الآن، ومع مدرب وطني، وأود أن أكررها ثانية، مع مدرب وطني، تولى المهمة قبل أيام من انطلاق المونديال، فحتى أهل المغرب أنفسهم انقسموا حول تولي وليد الركراكي القيادة الفنية للفريق قبيل المونديال، واختلفوا أيضا حول اختياراته( كما هو الحال في كل البلدان العربية).

إذن الحال لم يكن مختلفا أبدا عما تعيشه وتعانيه الكرة العربية، ولكن ما حدث هو أن الجميع سعى واجتهد وعمل بإخلاص للبلد الذي يمثله، ولم يتخاذل لمنطق درجنا عليه لعقود طوال بأننا لن نصل إلى أبعد من الدور الثاني، وأن ذلك لو تحقق فهو نهاية الحلم، لم يصل المنتخب إلى تلك المرحلة بمحض الصدفة، ولكن لأنه آمن بقدراته وإمكانياته، فأصبح ضمن مربع الكبار، راسما بجده واجتهاده خارطة جديدة للكرة العالمية حاجزا فيها للعرب مكانا متقدما، واضعا مسؤولي الكرة العربية أمام تحد كبير ربما هم الآن لا يستشعرونه.

ببساطة إنجاز المغرب بعثر الأوراق، وأصبح على الشعوب العربية أن تطالب بتطوير كرتها أسوة بالمغرب، رافضة وبكل قوة منطق أننا لا نستطيع مجاراة الكبار، لأن العمل وحده هو الفيصل في كل الإنجازات دون النظر إلى المنافسين، وأننا نمتلك من الأدوات ما يضعنا وسط هؤلاء الكبار.

أخيرا… المغرب في نصف نهائي كأس العالم، وعلى موعد مع كتابة تاريخ أفضل إذا تحقق طموحنا جميعا بعبور فرنسا إلى النهائي الذي أصبح حلمنا، ولكن حتى إلم يتحقق ذلك فقد أبدع أسود الأطلس وحققوا ما لم يكن متوقعا أبدا، وأصبح المنتخب المغربي الملهم للمنتخبات العربية، وسيسجل التاريخ أنه أول من حطم حاجز تقدم الكرة العربية في الماراثون العالمي، ونجح بالوصول بها إلى الخطوط الأمامية، في دعوة صريحة إلى نهضة كروية عربية، فهل من مجيب؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى