تقرير- أحمد الغزالي
تتميز بعض الأيام والتواريخ عن غيرها بالأحداث التي تتخللها وتنفرد بها، تماما كالخامس من أغسطس 2021م هذا التاريخ الذي ليس كسابقه، حدث ليس كباقي الأحداث، حيث كان هذا اليوم كالقنبلة المدوية التي انفجرت في وجوه عشاق البلوغرانا خاصة ومحبي كرة القدم عامة، زلزال هز أركان البيت الكتالوني وذلك بعد إعلان فض الشراكة لأعظم علاقة في عالم الجلد المدور والتي كانت بين ابن الأرجنتين ميسي والنادي الكتالوني، تلك العلاقة التي لن تمحى من ذاكرة كل عاشق ومفتون بكرة القدم وستظل عالقة في الأذهان رغم تقادم السنين تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل.
فالأجيال مهما تفاوتت أعمارها واختلفت آراؤها لم تربط اسم ميسي باسم آخر كبرشلونة والعكس يكاد أن يكون صحيحا فميسي برشلونة َوبرشلونة ميسي.
فمنذ الوهلة الأولى التي وطئت قدما الأرجنتيني أرض الكامب نو وفي أول لقاء رسمي له كان ضد النادي الجار (إسبانيول) وذلك في العام 2004م، هذا اللقاء الذي كان بمثابة جواز عبور لرحلة مليئة بالمتعة والفن وبداية لقصة كاتبها وبطلها واحد ذاك الشاب الصغير البالغ حينها من العمر 17 ربيعا ليتربع بعدها على عرش الكبار متلاعبا بصفحات التاريخ يكسر رقما ويمحو اسما ولايضيف إلا اسما واحدا هو ليونيل ميسي، هذا الاسم الذي تردد ذكره مع الصغير قبل الكبير ومع الغريم قبل الصديق.
ميسي القادم من بلاد التانغو وعازفيه وبالتحديد من روساريو الميلاد الذي بدأ يعزف لحنا مغايرا على المستطيل الأخضر بمهاراته تارة وأهدافه تارة أخرى.
نعم فمن منا ينسى الهدف المارادوني كما يحب أن يسميه عشاق ميسي َوالذي كان ضد خيتافي بعد الانطلاقة الساحرة من نصف الملعب، ومن منا قادر أن يمحو هدف نهائي الأبطال بالأوليمبيكو ضد المان يونايتد بعد ذاك الارتقاء أمام أعظم حراس المرمى فان دير سار، وهل ياترى مازال بواتينغ ظهره يؤلمه بعد تلاعب ميسي ومراوغته له قبل أن يرسل الكرة ساقطة وبطريقة (اللوب) من أعلى الحارس البافاري آنذاك (مانويل نوير) وغيرها العديد من الأهداف واللحظات التي تأبى على حبر القلم سردها وتدوينها.
تلك اللحظات التي عاشها ميسي والتي ترك خلالها خزينة من الأهداف الجميلة والحاسمة كانت كفيلة بصناعة حاضر مرصع بالذهب ومستقبل يبث روح الاطمئنان بين أنصاره ليبني ماضيا يحلو ذكره َويكتب بماء الذهب على سجلات الأبطال.
لتأتي بعدها ساعة الحسم الساعة التي كانت غير متوقعة حتى مع أكثر المتشائمين وهو إعلان مغادرة ميسي للبيت الكتالوني وانتهاء علاقته بناديه الأم، تلك العلاقة التي كانت البداية والنهاية لها كمصادفة من نوع خاص كتبها ميسي وهو بسن ال17 لتسمتر 17 عاما أخرى وهو بين جنبات الفريق الأول ثم تنتهي بعد ذلك وتنتهي معها كل الآمال التي كانت معلقة لدى مشجعي البارسا من أجل تجديد ميسي واستمراره.
تلك الآمال وإن كانت غير مستقرة في الأونة الأخيرة وخلال تواجد ميسي مع البارسا بسبب عدة عوائق وعلى رأسها العائق الاقتصادي المتعلق (بقواعد رابطة الدوري الإسباني) الذي أصبح يتردد في وسائل الإعلام مؤخرا كسبب أنهى تواجد ميسي مع البارسا ولكن مهما كانت تلك الأسباب وتعددت سيبقى للوداع لحظات مؤلمة وقاسية خاصة وإن كانت مقرونة بذكريات الماضي الجميل.
وليبدا بعدها فتى الأرجنتين رحلة أخرى ارتبطت بالنادي الفرنسي باريس سان جيرمان، واستمرت لسنتين خاض خلالهما عدة مسابقات محلية وأوروبية عانق خلالها العديد من الألقاب والتي كان للمحلية منها النصيب الأكبر والوحيد.
وبنهاية موسم 2022/2023م بدأت تتشكل ملامح المغادرة بين الطرفين وتتوقف المفاوضات بينهما وتبدأ وسائل الإعلام بتصدير الاخبار وبثها على مختلف المنصات حول الوجهة المتوقعة لميسي َوكل يدلو بدلوه، فمن بين تلك الوسائل من أعلنت رجوع ميسي لناديه الأم برشلونة ومنها من وضع النادي الخليجي والسعودي (الهلال) في المقدمة للتعاقد مع النجم الأرجنتيني وأن المفاوضات بينهما شبه مؤكدة وتسير على قدم وساق، وكل ذلك كان بمثابة سبق صحفي يسعى كاتبوه لتصدر السباق إلا أنه لم يؤت أكله.
فالأخبار المتناقلة على منصات التواصل حول مصير اللاعب تم نفيها من الأخير بإعلان انتقاله المفاجئ إلى نادي (إنتر ميامي) بولاية فلوريدا التابعة للقارة الأمريكية وليبدأ معها ابن التانغو تجربة مختلفة عن سابقها، فشغف القارة الأمريكية يختلف تماما عما هو عليه بالأوروبية نوعا ما حيث كرة القدم هي المتنفس الوحيد هناك.
بينما الأضواء في القارة الأمريكية تسلط نحو رياضة (كرة القدم الأمريكية) فهي الأولى والمتصدرة لقائمة المتابعة والمشاهدة والتي تختلف عن كرة القدم المتعارف عليها من حيث الأسلوب والأداء لتليها باقي الرياضات كالسلة والهوكي والبيسبول ومن ثم كرة القدم.
ميسي بهذا الاختيار والانتقال يخوض تحديا آخر بعيدا عن القارة الأوروبية تماما وعن صخب ( الساحرة المستديرة).
تلك القارة التي كانت شاهدة على معظم الإنجازات والألقاب التي دونها ميسي حيث صال وجال فيها الفتى الأرجنتيني على نغمات وأناشيد المدينة الكتلونية وصرخات الجماهير العاشقة طوال المدة التي قضاها بالنادي صانعا الابتسامة والأفراح على وجوه متابعيه وأنصاره، تاركا إرثا يصعب مناله وتعجز يد النسيان أن تطاله.
ليكون يوم الخامس من أغسطس بعدها ختاما لتلك الفترة التي صنفها أغلب المحللين والنقاد بالفترة الذهبية ومسجلا على الروزنامة الرياضية كحدث في مثل هذا اليوم.