
كتبت- ترياء البنا
مهما وصل تألق لاعب كرة القدم إلى المدى الأبعد، تظل البطولات الكبرى المحك الأقوى والتحدي الأكبر بالنسبة إلى مسيرته، فهي الحلبة التي تستحوذ على انتباه السواد الأعظم من جماهير كرة القدم، فيواصل اللاعب التدريبات ليل نهار بالتزام وانضباط، وربما يحرم نفسه من أشياء كثيرة بغية أن يكون أحد عناصر التشكيلة الأساسية لمنتخب بلاده، التي تخوض إحدى البطولات الإقليمية، القارية، أو حتى كأس العالم.
ولأنها كرة القدم، لعبة اللا منطق، التي تجمع كل المتناقضات، فهي لم تخل طيلة سنواتها الفائتة، ولن تخلو خلال السنوات القادمة، من المفاجآت الحزينة والسارة في ذات الوقت( حزينة للبعض ولكنها سعيدة لآخر، بمعنى أن مصائب قوم عند قوم فوائد)، وهنا أتحدث عن أسوأ لعنة يواجهها لاعبو كرة القدم على مدار التاريخ، لعنة الإصابة.
فالإصابة دائما هي الهاجس الأكبر الذي يؤرق أي لاعب، وأي رياضي بشكل عام، ولكن الأمر في كرة القدم ربما يتخطى حدود المعقول والممكن، وليس أدل على ذلك من مجازفة معظم النجوم بمسيرتهم كاملة من أجل مشاركة بإحدى البطولات الكبرى، فعلى سبيل التوضيح مثلا، صرح النجم السنغالي ساديو ماني، لاعب بايرن ميونيخ وليفربول السابق، والنصر السعودي حاليا، بأنه جازف بحياته وأصر على استكمال كأس أمم أفريقيا وهو مصاب بارتجاج في المخ، ورغم خطاب ليفربول الذي طالب الاتحاد بضرورة إراحته، إلا أنه تواصل بشكل شخصي مع رئيس الاتحاد السنغالي وقال له مستعد للتضحية بحياتي من أجل حصد اللقب، وطالبه بمخاطبة المدير الفني بوضع اسمه في التشكيلة الأساسية، بل وزاد بأنه على أتم الاستعداد للتوقيع على ورقة تفيد بمسؤوليته الكاملة إذا وقع له مكروه، ولعب ماني وحقق لبلاده اللقب وفاز بجائزة أفضل لاعب.
وليس ماني المثال الأوحد فليس هناك أهم من ليونيل ميسي الذي شارك في المباراة النهائية لكوبا أمريكا 2021 أمام البرازيل وهو يعاني من إصابة في عضلات الفخذ الخلفية، ولكنه أصر على اللعب، وأعلن سكالوني أن لاعبا بحجم ميسي لا يمكن الاستغناء عنه من قبل أي مدرب، حتى وإن كان مصابا.
كذلك في نهائي دوري الأبطال الشهير الذي جمع ريال مدريد وليفربول، فقد لعب نجم اللقاء الأول كورتوا وهو مصاب، ومع ذلك أعلن أنها لو كانت آخر مبارياته فسيخوضها ليحصل على اللقب، وأيضا محمد صلاح خاض اللقاء ولم يكن في أتم الجاهزية بعد عودته من الإصابة، وهو أيضا من شارك مع منتخب مصر في مواجهتي روسيا والسعودية بكأس العالم 2018، ولم يكن جاهزا للعب، ورغم أن اللاعب في هذه الحال يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى كتابة مجده الكروي، إلا أنه بذلك قد يسرع من نهاية مشواره الكروي دون أن يدري.
ولا ننسى أن الإصابة حرمتنا كجماهير من بعض الأسماء التي كنا ننتظر مشاهدتها بملاعب قطر في مونديال 2022، مثل كانتي وبوجبا، وغيرهما، وكذلك خلال كأس آسيا التي تنطلق بعد أيام قليلة فإننا لن نشاهد بعض الأسماء الشهيرة، على سبيل المثال؛ أمجد عطوان في منتخب العراق، محمد مونتاري في منتخب قطر، وسلمان الفرج، محمد البريك، سلطان الغنام، ومحمد العويس بالمنتخب السعودي، والأهم بالنسبة إلينا غياب أمجد الحارثي نجم منتخبنا، والسبب الإصابة، وهو الأمر الذي يضع المدربين في خانة لا يحسدون عليها لأنه ببساطة هؤلاء النجوم هم الرقم الأول والثابت لديهم في وضع خططهم وتشكيلاتهم للمباريات، ولكن من يتحمل مسؤولية إصابات اللاعبين؟.
مسؤولية إصابة اللاعب قد ترجع في الأساس إليه هو شخصيا، حين يتحامل على نفسه، أو يتعجل العودة إلى الملاعب وهو لم يتعاف كليا، بالطبع حتى لا يفقد مكانه لصالح زميل آخر، وربما كم التدريبات أو نوعها، والضلع الأهم الذي يتحمل مسؤولية إصابات اللاعب خاصة المتكررة هو الجهاز الطبي للفريق، ثم الجهاز الطبي للمنتخب، لأن المدرب في كل الأحوال ليس من مصلحته فقدان أهم لاعبيه، ولكن الكلمة الفصل دائما للجهاز الطبي، لذا فهو أول المسؤولين يتبعه المدرب الذي من المفترض أنه متابع لإصابة أهم لاعبيه بكل تفاصيلها.
في الأخير.. لاعب الكرة معرض في كل لحظة إلى الإصابة، وتظل مشاركته في أية بطولة أو غيابه عنها بسبب الإصابة، قدرا، على الجميع تقبله، لذا المدرب الناجح هو من يوفر في كل مركز لاعبين على نفس القدر من الكفاءة، حتى لا يبرر أية خسارة بغياب لاعب أو لاعبين عن الفربق، لأن ما يميز مدرب عن آخر استمرارية النتائج الإيجابية مهما اختلفت الأسماء لأنها في النهاية أدوات.