
كتب- عيسى سعيد
الحديث عن الرياضة العُمانية اليوم لم يعد ترفًا أو انفعالًا عاطفيًا، بل أصبح ضرورة وطنية، لأن ما نعيشه لم يعد يُحتمل.
سنوات طويلة مضت، والنتيجة واحدة: لا ميدالية ذهبية، لا فضية، ولا حتى برونزية تُرفع باسم عُمان في المحافل القارية أو العالمية.
أرقامٌ صفرية في سجلات البطولات، وإنجازات لا وجود لها سوى في الخطب والتقارير الإعلامية.
هل يُعقل أن تمر عقود من الزمن دون أن نصعد لمنصة التتويج في لعبةٍ واحدة؟
هل يُعقل أن تبقى دولة بتاريخ عُمان وحب أبنائها للرياضة بلا إنجازٍ يُذكر؟
المشكلة ليست في اللاعبين، ولا في غياب المواهب، بل في منظومة إدارية عاجزة، تعيش في زمن آخر.
نشارك كثيرًا.. لكننا لا ننافس
في كل دورة رياضية نشارك، نلتقط الصور، نرفع الشعارات، ونعد الجماهير بنتائج “مشرفة”.
ثم نعود بخيبة جديدة.
المشاركة أصبحت غاية لا وسيلة، وكأننا نذهب لرفع العلم لا لرفع الكؤوس.
أصبحنا نحفظ الأعذار أكثر مما نحفظ أسماء الأبطال:
قلة الدعم، ضعف الإعداد، سوء التحكيم، والحظ العاثر!
لكن لم يقل أحد الحقيقة: الرياضة العُمانية بلا مشروع واضح، وبلا إدارة مؤمنة بالتغيير.
نحن لا نملك دوريًا قويًا في أي لعبة جماعية، ولا نملك مركزًا متخصصًا لتأهيل المواهب في الألعاب الفردية.
المدارس لا تنتج أبطالًا، والأندية لا تملك بنية تحتية مناسبة، والاتحادات تعيش على الاجتهادات الشخصية.
غياب الذهب.. مرآة لضعف التخطيط
الذهب لا يأتي صدفة، ولا يولد من الحماس المؤقت.
الذهب نتيجة تخطيط، وصبر، واستثمار في الإنسان.
بينما نحن ما زلنا نعيش على الأطلال وننتظر “الصدفة السعيدة” التي لم ولن تأتي بهذه الطريقة.
كل الدول من حولنا صنعت أبطالها بخطط علمية واضحة، ونحن ما زلنا نتحدث عن “إعادة البناء” منذ أكثر من عشرين عامًا.
في الألعاب الأولمبية، لم نحقق حتى ميدالية واحدة لا ذهبية، ولا فضية، ولا حتى برونزية.
وهذا الرقم وحده كافٍ ليكشف حجم الفجوة بين الطموح والواقع، وبين ما نقوله في المؤتمرات وما نفعله على الأرض.
الرياضة في عُمان.. تائهة بين الحماس والروتين
نملك شبابًا يعشقون الرياضة، ولكن من يرعاهم؟
نملك طاقات في القرى والمناطق، ولكن أين من يكتشفها؟
الرياضة في عُمان ما زالت رهينة البيروقراطية والمجاملات.
المنصب أهم من العمل، والظهور أهم من التطوير، والتقارير أهم من النتائج.
كل دورة انتخابية جديدة في الاتحادات الرياضية تبدأ بوعود وتختم باعتذارات.
ولا أحد يُحاسب، ولا أحد يُسائل.
وهكذا تستمر الدائرة المغلقة: فشل بلا محاسبة، ومناصب بلا مسؤولية.
الرياضة ليست هواية.. إنها صناعة وطنية
في العالم المتقدم، الرياضة تُدار كصناعة، تدرّ الدخل وتبني السمعة وتُلهب روح الانتماء.
أما عندنا، فما زالت تُعامل كهواية أو ترف، بلا رؤية اقتصادية ولا فكر استثماري.
الاستثمار في الرياضيين لا وجود له، والدعم المالي محدود ومتأخر، والمشاريع التطويرية تُعلن ثم تُنسى.
حتى الإعلام الرياضي، الذي يُفترض أن يكون شريكًا في البناء، أصبح في أغلبه مجاملة أكثر من مساءلة، خوفًا من “الإحراج” أو “إزعاج” الجهات الرسمية.
لكن الصمت لم يصنع يومًا بطلاً
الطريق إلى الإصلاح
الإصلاح الرياضي في عُمان يبدأ بالاعتراف بالحقيقة:
نحن متأخرون.
نحن بلا إنجازات.
ونحن بحاجة إلى ثورة فكرية وإدارية تعيد تعريف مفهوم الرياضة الوطنية.
نحتاج إلى خطط حقيقية تمتد لعشر سنوات على الأقل، لا لمواسم قصيرة الأمد.
نحتاج إلى اختيار قيادات رياضية بكفاءة لا بمجاملة،
وإلى تحويل المدارس والجامعات إلى مصانع مواهب،
وإلى منح الرياضيين الدعم والاحترام الذي يستحقونه.
نريد أن نرى مشاريع حقيقية، لا تصريحات إعلامية.
نريد أن نسمع النشيد الوطني يُعزف في البطولات الكبرى، لا أن نكتفي بالمشاركة والابتسامات.
كلمة من القلب
لسنا نكتب من أجل الانتقاد، بل من أجل الإصلاح.
نكتب لأننا نحلم أن نرى عُمان في مكانها الطبيعي بين الدول التي تصنع الإنجاز وتُصدّر الأبطال.
نكتب لأننا تعبنا من الأعذار، ومن الصبر، ومن الفشل المتكرر.
لقد آن الأوان أن نتحرك، أن نعيد للرياضة العُمانية روحها المفقودة،
أن نحاسب قبل أن نحتفل، وأن نعمل قبل أن نصرّح.
فالوطن يستحق ذهبًا… لا وعودًا.
ويستحق إنجازات حقيقية… لا بيانات صحفية.
الرياضة العُمانية اليوم على مفترق طريقين:
إما أن تبقى كما هي، تكرر الماضي وتعيش على الأمل،
وإما أن تنهض، بصدق، بعزيمة، وبإيمانٍ بأن الإنجاز لا يُمنح.. بل يُنتزع بالعمل و الإخلاص


