
كتب- سالم ربيع الغيلاني
لا تحتاج كرة القدم العمانية اليوم إلى مجاملة، ولا إلى قراءة مراعية للواقع؛ فالمشكلة لم تعد في النتائج ولا في الحظوظ ولا في ظروف المنافسة، بل في منظومة كاملة تتكرر أخطاؤها بالطريقة نفسها في كل مرة منذ ما يزيد على عشرين عامًا. الأسماء تتغير.. الشعارات تتغير، لكن طريقة العمل هي ذاتها؛ والنتيجة أن كل مشروع يبدأ من الصفر، وكل نهاية تشبه بدايتها. تعاقد اتحاد الكرة مع البرتغالي كارلوس كيروش لم يكن مجرد خيار فني، بل تجسيدًا لهذه العقلية ذاتها؛ فالاتحاد ذهب إلى “الاسم الكبير” قبل أن يطرح السؤال الأهم: هل نملك بيئة كروية تسمح باستثمار مدرب بهذا الحجم؟ الإجابة جاءت لاحقًا، وبوضوح: لا.
المنتخب تحت قيادة البرتغالي قدم أداءً مقبولًا، لكنه لم يحقق الهدف الرئيس وهو التأهل لكأس العالم. وبعد الإخفاق، ظهر كيروش في لقاء مصور بصورة الثائر على منظومة يفترض أنه جزء منها، موجّهًا انتقادات حادة في العلن إليها. لم تكن المشكلة في وصفه للواقع في ذلك اللقاء -فالواقع معروف للجميع- بل في أن مدربًا على رأس جهاز فني وجد في هشاشة الإدارة فرصة للخروج من المشهد بأقل خسائر ممكنة، عبر تحميل المسؤولية للمنظومة الرياضية.
هذا السلوك يفتح الباب لسؤال أكبر: كيف يصل مدرب إلى هذه الجرأة إن لم يكن يدرك أن المؤسسة التي يعمل داخلها من الهشاشة ما يسمح بذلك؟ المدرب لا يتصرف في فراغ. بل يتصرف وفق ما تتيحه له البنية الإدارية، أو ما تغفله. وهذا الموقف ليس جديدًا في كرة القدم العمانية؛ فقد حدث أن واجه مدربون أجانب ظروفًا مشابهة، لكنهم اختاروا مسارًا مختلفًا عما فعله البرتغالي. الأرجنتيني كالديرون، مثلًا، غادر منصبه في 2008 بطريقة تخلو من التقدير والمهنية المؤسسية، ورغم ذلك عندما حاولت إجراء لقاء معه حينها رفض معللا رفضه برغبته في احترام المنظومة التي عمل ضمنها وعدم إثارة أية بلبلة لا تخدم كرة سلطنة عُمان حينها. هذا الفارق بين مدرب “يحترم المؤسسة” وآخر “يفرّ من المسؤولية” يعيدنا إلى جذور المشكلة: وهي أن معايير التعاقد لم تكن مرتكزة على الانسجام مع البيئة، بل على بريق الاسم الخارجي.
أما المشكلة الأعمق فتقع داخل البيت نفسه. فقيادات الاتحاد الحالي مثل: (الرئيس ونائبه والأمين العام) ليست جديدة على المشهد؛ بل عايشت هذا الواقع سابقًا، وشهدت إخفاقات الماضي، وتعرف تمامًا مكامن الخلل. ومع ذلك، ما زالت القرارات تُبنى على العلاقات، والانطباعات، والرغبات الشخصية، أكثر من بنائها على التخطيط والاختصاص والمحاسبة. ومادامت آلية الاختيار تقوم على “هذا نريد وهذا نحب”، وهو تكرار أرهق كرتنا وأرهقنا، فإننا سنظل نواصل تقهقرنا للوراء بينما العالم حولنا يتقدم.
نحن اليوم، لسنا بحاجة إلى جلد الذات بقدر حاجتنا إلى جرأة في طرح سؤال واحد: هل المشكلة في المدربين.. أم في النظام الذي يستقدمهم ويُديرهم ويحاسبهم؟ والجواب واضح لمن يريد أن يراه. وحتى نغيّر هذا الجواب، فإن كل مدرب قادم -مهما كان اسمه أو تاريخه- سيبدأ من النقطة نفسها، وسينتهي إلى النتيجة ذاتها.
لقد حان الوقت ليتوقف الاتحاد عن البحث عن الأسماء الرنانة، أو ذات الجرس العالي الأجوف وأن يبدأ -للمرة الأولى- في بناء منظومة لا يتغير أداؤها بتغير الأشخاص. لأن كرة القدم العمانية لا تحتاج إلى “بطل خارق”، بل إلى مؤسسة قوية لا تهتز مع أول اختبار، ولا تتكرر أخطاؤها عند كل منعطف والاتحاد الحالي لديه الوقت لفعل ذلك؛ فهو ما زال في بداية مساره.




