منتخب فاشل!

كتب- سالم ربيع الغيلاني

هل منتخبنا الوطني لكرة القدم، المشارك في البطولة العربية بالدوحة، منتخبٌ فاشل؟ وهل لاعبوه عاجزون عن تحمّل المسؤولية؟ وهل مدربه، رغم لغته العالية في التصريحات، يفتقر فعلًا إلى الجرأة والقدرة الفنية على إدارة المباريات، خصوصًا حين يكون الفريق متأخرًا أو حين يمنحه الخصم فرصة للمبادرة الهجومية؟
أسئلة تتردّد في أوساط الجماهير، وتكتسب زخمًا بعد كل مباراة، غير أنّ الإجابة عليها تتطلب قدرًا من التأمل الهادئ ورؤية تتجاوز الانفعال اللحظي.

فقبل الحكم على المنتخب ولاعبيه ومدربه، من الضروري أن نضع أداء هذا الفريق في سياقه الواقعي، لا في إطار توقعات عاطفية غير منضبطة. وأنا، بصفتي محللًا رياضيًا ومتابعًا لشؤون الكرة العُمانية، أرى أن المنتخب قدّم في هذه البطولة أداء يستحق الإشادة، رغم غياب بعض عناصره المؤثرة ورغم الظروف التي تحيط بكرتنا منذ سنوات.

هذا يقودنا إلى سؤال مهم: كيف نقيم أداء منتخب يعمل ضمن منظومة لا تشبه تلك التي نطالب ببلوغ مستواها؟
فمن الصعب فهم التوقعات التي يبني عليها البعض حكمهم، إذ كيف يُنتظر من فريق بدأت تنشئة عناصره بعد السادسة عشر، أن ينافس منتخبات تُصنع عناصرها منذ مراحل الطفولة الأولى؟! فهناك في الخارج تُشيّد منظومات رياضية تستثمر في الإنسان قبل الكرة، وتبني لاعبين يعيشون الاحتراف بأبعاده كافة: ملاعب، برامج تأهيل، تغذية، استشارات، أندية مهيأة، ومسار رياضي واضح. أما لاعبنا فيتقدّم وسط تحديات يومية تبدأ من محدودية البنية الأساسية وتنتهي بانعدام المسار الاحترافي الذي يضمن له تطورًا حقيقيًا.

وعلى هذا الأساس، يصبح توجيه اللوم إلى لاعبينا أمرًا غير عادل. فهم يدخلون المباريات أمام منتخبات تتفوق عليهم في كل تفاصيل التحضير والتأهيل، ومع ذلك ينجحون في تقديم مستويات عالية يجارون من خلالها هذه الفرق ويحرجوها.

لقد تغيّر عالم كرة القدم كثيرًا؛ فالمنظومة الكروية لم تعد تُدار بحماسة فردية أو اجتهادات شخصية، بل أصبحت صناعة معقّدة تتطلب رؤية واستثمارًا وتخطيطًا طويل الأمد. ومن يسعى للإنصاف عليه أن ينظر إلى النتائج من خلال هذا الإدراك، لا من خلال الرغبة العاطفية في الانتصار المجرد.

في ثمانينيات القرن الماضي تولى أحد المدربين العالميين مهام إدارة المنتخب الوطني وبعد مدة من عمله في السلطنة خرج بتصريح قاسي جدًا قال فيه إن الكرة العمانية تحتاج لخمسين عامًا لكي تتطور، كان تصريحه حينها نوع من المبالغة التي أراد من خلالها أن يقول لصنّاع القرار أن لديهم الكثير من العمل الذي ينبغي أن ينجز للنهوض بهذه الرياضة. ولو علم هذا المدرب أننا سنتجاوز العقد الرابع منذ أن أطل بتصريحه وكرتنا لا تزال تراوح في مكانها وتعتمد على اجتهادات المجتهدين لقال مئة عام بدل تلك الخمسين.

من الواضح أن أزمة كرتنا لا يمكن اختزالها في مدرب أو اتحاد، فكلاهما يعمل—بما يتوفر له من أدوات وقدرات—ضمن منظومة تعاني أصلًا من محدودية الإمكانات، وهي محدودية لا تلامس حتى الحد الأدنى من طموحات الشارع الرياضي. مشكلة كرتنا أعمق وأكبر من الأشخاص؛ مشكلة كرتنا تكمن في بنية رياضية لم تكتمل أركانها بعد: صناعة لاعب لا تزال في مراحلها الأولى، وأندية تفتقر إلى مقومات الاحتراف، وغياب مراكز الإعداد وإن وجدت فهي محدودة الموارد، ودوري لم يستقر بعد على هوية فنية وتنظيمية واضحة.

لذا وفي ظل هذا الواقع المرير الذي تعيشه كرة القدم العُمانية، يصبح من غير المنطقي أن نطالب منتخبًا يقسم لاعبوه يومهم بين وظائفهم الصباحية وتدريباتهم المسائية بأن يحقق الانتصارات على منتخبات محترفة بالكامل مثل السعودية والمغرب؛ الأولى تعيش نهضة رياضية غير مسبوقة، والثانية رسخت نفسها ضمن نخبة منتخبات العالم بفضل تراكم الخبرات واستدامة الاستثمار.

وقد يقول البعض: وماذا عن فلسطين وسوريا؟ والجواب أن فلسطين وسوريا—مثلنا—تعتمدان على اجتهادات اللاعبين وحماسهم، فيصيبان مرة ويخفقان أخرى، غير أن ظروفهما القاهرة تفسر الكثير من واقع فريقيهما، أما نحن فليس لدينا ما يفسّر استمرار هذا الخلل العميق في منظومتنا الرياضية.

إن العالم الرياضي يتغير بسرعة، ومن يتباطأ في مواكبة هذا التغير يجد نفسه خارج دائرة المنافسة. ولذلك، فإن التغيير لم يعد خيارًا، بل ضرورة وهو أمر منوط بالحكومة أن تتخذ قرارًا شاملًا فيه تعيد من خلاله بناء الرياضة العُمانية من جذورها، وذلك على مستويات إعادة تنظيم الأندية، وتطوير اللوائح، وتحسين المنشآت، وبناء منظومة تمويل واضحة، والعمل على تعزيز الاستثمار الرياضي ضمن رؤية وطنية طويلة الأمد تجعل الرياضة قطاعًا قادرًا على تحقيق الإنجاز والعائد معًا.

وبغير هذا التحول الجذري، ستبقى الأسئلة ذاتها تتكرر بعد كل مباراة يخسرها منتخبنا، وبينما تتقدم الأمم من حولنا بثقة ورؤية واضحة؛ فإنه ينبغي على صنّاع القرار أن يدركوا أن الرياضة لم تعد ترفًا أو نشاطًا هامشيًا؛ إنها عنصر من عناصر قوة الدولة وصورتها ورفاه مجتمعها، ولا بد أن تُدار بعقلية جديدة تضع المستقبل في مقدمة أولوياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى