تراجع كرتنا .. من المسؤول؟!

كتب- سالم ربيع الغيلاني

وضعت كرة القدم العُمانية أوزار موسمٍ آخر من المشاركات المتعثّرة، لتترك خلفها سجلًا خاليًا من الإنجازات التي كانت الجماهير تتطلّع إليها. فقد جاء خروج منتخب تحت 23 عامًا من البطولة الخليجية، وتلاه خروج المنتخب الأول من البطولة العربية، ليشكّلا لحظة فارقة أثقلت كاهل المتابع العُماني، رغم ما بذله اللاعبون من محاولات واجتهادات، لكنها محاولات بقيت عاجزة عن تجاوز حدود منظومة لم تهيّئ لهم الطريق نحو النجاح.

ومع كل بطولة تخسرها منتخباتنا، يتسلل الإحباط إلى الشارع الرياضي ببطء لكنه بثبات. إحباط لا يتعلّق فقط بنتيجة مباراة أو بطولة، بل يتغذى من فجوة آخذة في الاتساع بين طموحات محبي كرة القدم وما يرونه من واقع، ومن صمت رسمي يزيد الصورة ضبابية، ويجعل المستقبل الرياضي بلا ملامح واضحة أو خارطة طريق يمكن الوثوق بها.

وفي أعقاب الخروج من البطولة العربية، ظهر مدرب المنتخب الأول كارلوس كيروش في لقاء تلفزيوني مقتضب، وبدت على ملامحه تلك الحقيقة التي نعرفها جميعًا؛ أن كرة القدم العُمانية تحتاج إلى الكثير قبل أن تُقنع نفسها—وقبل غيرها—بقدرتها على المنافسة. كان حديثه على غير عادته هادئًا، حزينًا، وبعيدًا عن الانفعال. تحدث خلاله عن منظومة غير مؤهلة، وعن خلل بنيوي متجذر، وعن طرق علاج معروفة لكنها ما تزال معلّقة عند أبواب مغلقة.

وعلى الرغم من وعود التغيير التي تتردّد منذ سنوات، ومن إعلان “استراتيجية وطنية للرياضة” لم تتضح تفاصيلها بعد، فإن الواقع يؤكد أن كرة القدم عالميًا — وفي المنطقة تحديدًا — تعيش عصرها الذهبي، وتتحول إلى صناعة متكاملة، تُدار بالعلم والتخطيط والاستثمار. وفي المقابل، لا تزال كرة القدم العُمانية تتحرك بالأدوات القديمة نفسها، وتعتمد على الأساليب ذاتها التي لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات اللعبة الحديثة.

وهنا تتضح المشكلة الأساسية: فبينما أصبحت كرة القدم في العالم صناعة متكاملة تُدار بالعلم والاستثمار والتخطيط بعيد المدى، ما زلنا نتعامل معها محليًا بوصفها نشاطًا يمكن تسييره بالعاطفة والاجتهاد الشخصي. إن الصناعة تحتاج جودة، والجودة تحتاج كفاءة وأدوات، وهذا ما تفتقده المنظومة الرياضية العُمانية التي تشكل كرة القدم أحد أبرز أجزائها.

فالخلل لم يعد محصورًا في لعبة بعينها، بل في بنية إدارة رياضية تعاني من ضعف في الكفاءة، واضطراب في القيادة، وعجز عن تطوير الأندية والمنتخبات وفق منهج علمي حديث. وما نشهده في رياضات أخرى من فوضى تنظيمية — مثل انسحاب نادي مسقط من نهائي كأس السوبر لكرة اليد — ليس سوى انعكاس واضح لخلل بنيوي كبير يمتد إلى كرة القدم نفسها، ويظهر أثره في قرارات مرتبكة وتخطيط غير متماسك يعطّل مسيرة التطوير.

وتتعمق الإشكالية حين نرى عالم كرة القدم يتحرك بسرعة نحو الاحتراف الكامل، بينما لا تزال نقاشاتنا تدور حول أساسيات كان ينبغي حسمها منذ سنوات، مثل تفريغ اللاعبين، أو تطبيق تقنية الفار، أو تطوير المسابقات المحلية. وفي الوقت الذي تبني فيه الدوريات المجاورة منظومات احترافية ضخمة تحقق لها عوائد رياضية واقتصادية، ما زال دورينا يعاني من ضعف الاستثمارات، وغياب برامج تطوير اللاعبين، وتراجع البنية الإدارية داخل الأندية.

إن الإحباط الذي يجتاح جمهور كرة القدم اليوم لم يعد مجرد ردّ فعل على خسارة مباراة، بل هو مؤشر خطير على اهتزاز الثقة في قدرة المنظومة بأكملها على الإصلاح. والثقة إذا تراجعت، يصبح من الصعب استعادتها، ويصبح اليأس هو البديل الصامت الذي يعرقل أي مشروع تطوّري مهما كانت نواياه صادقة.

ولذلك، فإن مستقبل كرة القدم العُمانية يحتاج إلى تحرك جاد وشجاع، يبدأ بإصلاح القوانين المنظمة لعمل الأندية والاتحادات، ويمر عبر تطوير منظومة الإدارة الرياضية، ويصل إلى بناء بيئة احترافية تستوعب حجم التحولات في عالم كرة القدم. نحتاج إلى رؤية واضحة، واستراتيجية قابلة للتنفيذ، وقيادات تمتلك الكفاءة والقدرة على اتخاذ القرار.

فكرة القدم العُمانية لا ينقصها الجمهور ولا المواهب ولا الحلم؛ ما ينقصها هو منظومة حديثة تمنح هذه العناصر القدرة على التحول إلى نجاحات حقيقية، وتجعل من هذه اللعبة قطاعًا منتجًا يدعم الاقتصاد الوطني، لا مجرد ملعب تُعاد فيه الأخطاء ذاتها عامًا بعد عام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى