* ثقافة السرعة .. سلاح ليفربول الرهيب ..!

تحليل- محمد العولقي

 

على عكس المواسم الماضية التي كان فيها ليفربول يمني النفس بالحصول على مركز مؤهل للدوري الأوروبي في أحسن الأحوال، أصبح ليفربول هذا الموسم يتوافر على دكة احتياط قوية، عناصرها يضاهون اللاعبين الأساسيين، وعندما يتعاقد يورغن كلوب مع لاعبين من الوزن الثقيل فإنه بذلك غير أولوياته، وبات هاجس الفوز بالبريمرليج شغله الشاغل ..

ولكي ينجز كلوب المطلوب منه كان عليه تدعيم كتيبته بلاعبين يشكلون إضافة لأفكاره التكتيكية هذا الموسم، ولعل أول ما تفطن له كلوب أن منافسة مانشستر سيتي بالذات تحتاج إلى نفس طويل، وإلى حلول إضافية وسلاح نوعي جديد عندما تشتد أوزار الحروب التكتيكية في جولات الخطأ فيها ممنوع ، ولكي يخلق دكة احتياط قوية تضاهي دكة السيتي واليونايتد وتشيلسي وتوتنهام كان على كلوب انتقاء اللاعبين الجدد بعناية بالغة وعلى حسب ما تشتهيه سفنه التكتيكية..

نظرة فقط على تشكيلة ليفربول الأساسية ودكة الاحتياط الغنية باللاعبين من ذوي التجارب، سنكتشف أن ليفربول بات فريقا مرعبا يعتنق كل مقومات الفوز بالبريمرليج للمرة الأولى منذ عام 1990 ، وسيبقى الرهان في الظفر بالبطولة المتمردة على خلطة كلوب السحرية في التعامل مع الجولات المضغوطة محليا وأوروبيا ، وكل الدلائل تشير إلى أن كلوب يمتلك فريقا مرعبا وضاربا يحسده عليه كل المدربين ..

* الثراء الفني ..

تتأسس قناعات يورغن كلوب على الثراء الفني الذي يحرك كل مواهب وقدرات لاعبيه عالية الكفاءة، وهذا الثراء الفني المدهش يجعل خيارات كلوب التكتيكية متاحة ، فهو يستطيع أن يكسر اندفاع الكرة الانجلو ساكسونية بتحريض هجومي يجعل من المساحات الضيقة ميدانا خصبا أمام خط هجومه الرهيب ، ووسط يضرج بين من يحسن التغطية ، وبين من يجيد صياغة وصناعة اللعب.

ما كان للمدرب كلوب اعتناق شاكلة متحركة في الأمام إلا لأنه يجعل من وسط الملعب قفل ومدار إيقاع اللعب، استطاع كلوب أن يجعل من جيمس ميلنر دينامو لا يهدأ ، فهو حتى الآن بمثابة الترمومتر الذي يتحكم في سرعة (الرتم) ، أعاد كلوب اكتشاف قدرات ميلنر أمام ويستهام، ولقد كان ذكيا عندما جعله نقطة التقاء ديناميكية تشد الوثاق التكتكي دون التقيد بمركز ، تارة تحت رأس الحربة، وتارة يتبادل الأدوار مع نابي كيتا، وتارة ثالثة يخلق تمويها تكتيكيا مع فيرمينيو لفرض الزخم الهجومي أمام ماني وصلاح وكيتا وفيلدروم..

لن يجد كلوب إشكالية في تطويق عناصر الوسط بفضل ترسانة البدلاء، فهناك هندرسون و فيلدروم والبرازيلي المتألق فابينيو الوافد من موناكو الفرنسي، والذي يستطيع اللعب مدافعا إذا شاءت الظروف ..

لم يكن كلوب أبدا ليهرب من تصور 4/3/3 لولا أنه يراهن على عاملين في غاية الأهمية، الأول: الأرضية التقنية التي يقف عليها الفريق هذا الموسم بحكم تعدد الخيارات التكتيكية أمامه، والثاني وهو العامل الأهم عند كلوب ويتعلق بعامل السرعة، وهو عامل حاسم عند كلوب يشكل الأساس في عمليتي الامتداد والارتداد، هي ذاتها فلسفة كلوب الموسم الماضي حيث كان يطبق نظام الضغط الرهيب على بناء الخصم وليس على  الفرد، رغم أن هذه الفلسفة أصيبت بفقر في التركيز الذهني وانقباض البدني مع نهاية الموسم، وهذا طبيعي لعدم وجود بدلاء أكفاء وقتها يحافظون على الطراوة البدنية، لكن الأمر يختلف هذا الموسم ففلسفة السرعة في النهج العام ستستند على أرضية تقنية ببدائل قادرة على الحفاظ على (الرتم) وتطويره دون إخلال بالطراوة البدنية..

* صلاح أساس البناء ..

ليس المهم عند كلوب توزيع اللاعبين وتحديد وظائفهم ، هذا لأنه يحصن شاكلته بالكثير من أنفاس الكرة اللاتينية المنضبطة البعيدة عن التهور ، ولأجل ذلك فهو يؤمن بديناميكية الفريق حتى بدون الكرة ، لابد من سرعة بالكرة وبدونها ، والأهم سرعة في قراءة تحركات الخصم لأجل زيادة السرعة في الأداء والاقتصاد في الوقت  ، وكل هذا التحرك النمطي يحتاج إلى هدوء وثبات في الأعصاب بهدف خلق كرة شاملة تتيح وتمنح مزيدا من حرية التصرف وتساعد على الهروب من الرقابة ، ولعل لاعبو ليفربول يمتلكون ميزة الهدوء والثبات العصبي بدليل هذا التفاهم في تبادل المراكز بين صلاح وماني وفرمينيو دون إخلال بالضوابط التكتيكية لشاكلة اللعب ..

يمنح الثراء الفني لليفربول مدربه ممارسة القتامة الدفاعية في بعض المباريات التي يتطلب فيها الابتعاد عن فلسفة تدوير الكرة والاعتماد على كلاسيكية الكرة الانجلو ساكسونية، ويمكنه بهذا المتغير خلق مساحات في ملعب الخصم وتحريك سلاحه الهجومي النووي في تلك المساحات، خصوصا وهذا الخط الناري الذي أضيف له شاكيري ودانيال ستوريدج قادر على التسجيل من ربع فرصة ..

ورغم أن كلوب يؤمن تماما بجماعية الأداء التعاوني في الأمام إلا أنه يركز على محمد صلاح في ترجمة الفرص الصعبة إلى أهداف بحكم الحس التهديفي المرتفع عند الفرعون المصري ، وعبقريته  في التحرك كقزاح مائل ينتقل إلى العمق بسرعة بديهة مدهشة ..

في كأس العالم عام 1974 ، سأل الصحفيون مدرب منتخب ألمانيا الداهية (هلموت شون): لماذا تركز كل تكتيكك على الهداف غيرلد موللر، بحيث يبدو وكأن الآلة الألمانية مسخرة لأجل مولر فقط؟

أجاب بسرعة: أكون مجنونا لو لم أفعل ذلك، وأنا أمتلك لاعبا في موصفات موللر ..!

طالما وأن كلوب مقتنع تماما بشاكلة 4/3/3 فهو بدون شك سيراهن أيضا على الحس التكتيكي عند لاعبيه ، وهو حس يتطلب كما قلت لاعبا استراتيجيا خلاقا في سرعة التفكير وسرعة اتخاذ القرار ، ولكي تنجح فلسفة السرعة يلزم أن يؤدي فرمينيو دور المهاجم الساقط للخلف لتحرير المساحات أمام السهم المصري محمد صلاح والنفاثة ماني وربما أيضا شاكيري وكيتا وفيلدروم من العمق ، لكن النهج العام سيظل مشدودا بوثاق محمد صلاح استثمارا لحسه التهدفي الرفيع ..

نجح يورغن كلوب الموسم الماضي على المستويين المحلي والقاري، بحكم أنه كان يستلهم النجاح من البيت الأسري الواحد المترابط والمنسجم والمتناغم ، وبهذه الروح المفعمة بالحب والإيثار سيطر كلوب على غرفة الملابس ومنحها دفئا تكافليا رائعا ، من هنا سيبدو الثراء الفني للقادمين الجدد اختبارا حقيقيا ليورغن كلوب للحفاظ على سكينة الفريق داخل غرف الملابس تحديدا ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى