هل تنتهي العنصرية من كرة القدم الإيطالية؟

تقرير- محمد عصام

بدأ مويس كين مباراة يوفنتوس ضد إيمبولي السبت الماضي على دكة البدلاء، وفسر أليجري قراره بمحاولة حماية لاعبه من ضغوطات الإعلام بعد تألقه الفترة الآخيرة، في النهاية شارك كين، وسجل هدف اللقاء الوحيد مانحاً اليوفي الثلاث نقاط كاملة.

ربما استسلم أليجري لحتمية الضغط الإعلامي، أو تحكمت قائمة الإصابات في قراره، لأن هذه المرة اشترك كين أساسياً ضد كالياري، وسجل مجدداً هدفه الرابع في أربع مباريات آخر 11 يوماً مع المنتخب والنادي.

لم تحمل الصحف اليوم التالي عناوين الاحتفاء بالموهبة الشابة، بل امتلأت بتقارير عما حدث في المباراة، حين احتفل كين متحدياً أمام مدرجات “الكورفا” في ملعب كالياري، رداً على عروض عنصرية وكراهية متكاملة الأركان قدمتها الجماهير طوال المواجهة.

مويس كين

إنه السيناريو الممل الذي لا يكف عن التكرار في الكرة الإيطالية، كالعادة يحاول كابتن كالياري لوكا كيباتيللي تهدئة الجماهير، ويشتكى بليز ماتويدي إلى حكم اللقاء، ويطلب المذيع الداخلي للملعب التزام الأداب العامة لكي لا يتم توقيع عقوبات، ليقابلها الجمهور بصافرات الاستهجان.

الجديد كان ما تبع ذلك، عدم اهتمام نادي كالياري بتقديم اعتذار ولو صوري، مع خروج رئيس النادي ليؤكد أن جماهير فريقه ليست عنصرية، وأن كين قام بإثارة حفيظتهم باحتفاله.

تكتمل سيمفونية القبح بتصريحات من داخل اليوفي ذاته، حيث قال ماسميليانو أليجري بأن على كين أن “ينضج”، ثم التصريح الأكثر انحطاطاً من ليوناردو بونوتشي بأن اللوم يقع بالتساوي بين كين وجماهير كالياري، تصريح يأتي من لاعب يحتفل بإيماءة للكاميرات تشير للمنتقدين أن يقوموا بغلق أفواههم.

أعذار أقبح من ذنب، ومحاولة تمييع للأمور، وطالما كانت العنصرية رداً على احتفال صامت فهي أمر منطقي وجائز.

لم تكن تلك الحادثة الأولى لجماهير كالياري، فقد تعرض ماتويدي لنفس الموقف على نفس الملعب في يناير من العام الماضي، ومن قبله سولي مونتاري أيضاً في عام 2017، عادة لا تتوقف، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.

ولم تكن أيضاً الحوادث مقتصرة على جمهور كالياري، فجذور الأزمة تتوغل إلى الكرة الإيطالية بالكامل، بداية من مشجعي إنتر ميلان ضد كاليدو كوليبالي، مروراً بماريو بالوتيللي الذي عاش طويلاً في هذه المعاناة، ومهدي بنعطية حين ترك لقاءاً تلفزيونياً ذات مرة بعد نعت أحد القائمين له باوصاف عنصرية، وصولاً إلى سنين مضت حين رفض باتريك فييرا رفضاً قاطعاً العودة إلى إيطاليا تحت أي ظرف.

يتخطى الأمر في إيطاليا دوريات الدرجة الأولى والثانية، فقد تم تسجيل ثمانين حالة في فئات الناشئين تحت السن واجهوا تعديا بأوصاف عنصرية من أهالي لاعبي الخصم في آخر عامين فقط.

منح المناخ العام في إيطاليا شرعية لاستخدام العنصرية، مع التوتر السياسي بتولي الحكومة الجديدة، والتي أثارت قضية المهاجرين، ونشرت المخاوف حول وصول نصف مليون مهاجر أفريقي إلى إيطاليا في الثلاث سنوات السابقة، لذلك يتردد السياسييون في القيام بحملات ضد العنصرية، خوفاً من فقدان الأصوات الإنتخابية لعامة الشعب.

تصاعد خطاب الكراهية مؤخراً أدى إلى تضاعف حالات الاعتداء والعنف خارج نطاق كرة القدم، حيث سجلت التقارير 29 حادثاً في عام 2016، مقارنة بـ 33 حادثاً منذ يونيو 2018 –تاريخ تولي الحكومة الجديدة- حتى أغسطس من نفس العام، بمعدل حادث كل يومين.

تشير أيضاً التقارير إلى اعتقاد الشعب الإيطالي أن المهاجرين يمثلون 30% من التعداد العام، مقابل الرقم الحقيقي 8% فقط، وفي هذه البيئة المذعورة، تولد الكراهية وتزدهر.

يأتي ذلك مع قوانين هلامية من الإتحاد الإيطالي لا تكفي لحماية حقوق اللاعبين، حيث يشترط أن يسمع الجمهور كاملاً تلك الهتافات العنصرية، وأن يقوم النادي بالتعرف على الأشخاص المشتركة في هذه الاعتداءات، وهو ما لايرغب أي نادي في فعله لكي لا يخسر الفئة الصاخبة من المشجعين.

وحتى إذا تم استيفاء هذه الشروط، تأتي العقوبة في شكل غرامة مالية، أو إغلاق أحد مدرجات الملعب، أو لعب عدد من المباريات خلف أسوار مغلقة كما حدث مع إنتر ميلان في ديسمبر الماضي.

يصعب التفاؤل بانتهاء تلك الأحداث في المستقبل القريب، بل على النقيض يتوقع أن يتزايد انتشار هذا الوباء، لينتقل من استادات كرة القدم التي احتضنته طويلاً إلى الشوارع الإيطالية، وحين تتصاعد الأمور إلى حد لا يطاق، ستفقد إيطاليا بكل تأكيد شريحة كبيرة من مواهبها، وعلى رأسهم مويس كين ذاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى