ماذا لو تعاقد السيتي مع جورجينيو وسمح لجوندوجان بالرحيل؟

تحليل- أحمد مختار

من حسن حظ فرق إنجلترا وأوروبا أن تشيلسي خطف جورجينيو قبل السيتي، وأن ساري حرم جوارديولا من الارتكاز الإيطالي البرازيلي

مقولة ترددت بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالصيف الماضي، بعد خسارة السيتي صفقة لاعب ارتكاز نابولي في الأمتار الأخيرة، رغم المفاوضات الطويلة بين الأطراف والاتفاق شبه النهائي بين اللاعب والنادي، لولا الاختلاف على بعض الأمور المالية فيما يخص الرواتب والعمولات، وبالطبع تولي ماورسيو ساري قيادة تشيلسي بشكل رسمي.

بعيداً عن الأسباب الخاصة بتفضيل جورجينيو تشيلسي على السيتي وقتها، سألني صديق منذ أيام سؤالاً صريحاً: ماذا لو تعاقد السيتي مع جورجينيو؟ أجبته سريعاً بالقول: “لن يضيف الشيء الكبير، بالعكس كانت أضراره أكبر من إيجابياته”، وسرعان ما أضفت هذه الجملة، يكفي أن جوندوجان كان سيرحل في أغلب الأحيان دون أن يشارك في هذا الموسم المميز بالنسبة له.

جوندوجان

بطيء، فقد جزء كبير من إيقاعه وسرعته وقوته وحتى نسقه، أنهكته الإصابات وكان عبئاً على الفريق في موسم 2017-2018، أقل من برناردو، دافيد سيلفا، دي بروين بالنسبة لخيارات المركز 8 الحر في رسم 4-3-3..

كل هذه الأمور لا خلاف عليها بالنسبة لي عندما نتحدث عن التركي الألماني إلكاي جاندوجان، لأنه تعرض لإصابات قوية جداً عبر مسيرته الطويلة، قللت كثيراً من تطوره وأخفت جزء من بريقه، رغم بدايته البديعة مع دورتموند أيام يورجن كلوب.

الحقيقة أن إلكاي أعاد اكتشاف نفسه هذا الموسم، لكن ليس كلاعب وسط مساند أو صانع لعب هجومي أو حتى لاعب وسط ثالث، بل كارتكاز دفاعي صريح في المركز 6 أمام رباعي الخلف والحارس، عندما تعرض فرناندينيو لإصابات طويلة جعلته بعيداً عن المشاركة في معظم مباريات الدور الثاني سواء بالبريمرليج أو نهائيات الكؤوس أو الشامبيونزليج.

أمر غريب بعض الشيء أن يتألق جوندوجان في مركز فرناندينيو، ويفشل بوضوح عندما يشارك أمامه أو بجواره حتى في رسم 4-2-3-1. لا تتعلق القصة بمباراة أو إثنتين فقط لكن حقاً تحولت هذه الملاحظة إلى ظاهرة ملموسة..

لأن لاعب المانشافت ظهر وكأن الزمن تجاوزه في بعض المواجهات التي يتواجد فيها بنصف ملعب المنافس، بينما تعملق بوضوح عندما يتواجد أمام دفاعه بعيداً عن غابة السيقان ليقدم أداء متوازن ومستوى استثنائي قولاً وفعلاً.

هذه الظاهرة قد يفسرها تحليل “سكاي سبورت” في شهر مارس الماضي.

خسر مانشستر سيتي مباراتين في الدور الأول من دون فرناندينيو، لقد كان غياب البرازيلي قاتلاً فيما يخص التحولات وقنص الكرة الثانية، وبالطبع الصراعات البدنية التي لا تتوقف في البريمرليج.

كل شيء تحول للنقيض تماماً في الدور الثاني، مع انتصارات متتالية في ظل غياب الدينيو، لدرجة أن جوارديولا قرر في فترات الحسم أن يستمر جوندوجان في الملعب، ويبقى فرناندينيو على الدكة حتى بعد أن استعاد جاهزيته.

كان جوارديولا دائمًا معجبًا به، منذ أيام تواجدهما في البوندسليجا رفقة بايرن وبروسيا. وصف الفيلسوف لاعبه جوندوجان بأنه “لاعب لا يصدق من جميع النواحي” بعد الفوز على واتفورد في الدوري الممتاز وكان من السهل معرفة السبب. سيطر صانع الألعاب الألماني على التمرير، حيث أحرز 104 تمريرة في نصف ملعب الخصم وخلق فرصًا أكثر من أي لاعب آخر على أرض الملعب.

إنه يتمتع بالهدوء الضروري والعين والرؤية“، يرى إلكاي مساحات أكبر ويمكن أن يجدها أيضاً مع كرات طويلة. إنه قوي على الكرة بينما يعرف متى يقوم بعمل العرقلة المشروعة.

وعند رؤية الخارطة الحرارية لجاندو من دون فرناندينيو ومعه كما بالصورة السابقة، فإن تمركزه في الملعب بقى كما هو بشكل شبه واحد، حيث أنه تواجد في نفس الأماكن تقريباً، في نصف ملعبه أكثر من نصف ملعب الخصم، ينطلق من وضع عميق إلى الأمام، يسيطر على الكرة ويمرر طولاً وعرضاً دون مشاكل، نظراً لقدرته على الحيازة ولعب الكرات البينية والقطرية دون مشاكل.

معنى ذلك أن جوندوجان يجد فراغا أقل للتحرك في وجود فرناندينيو، لأنه ينطلق تقريباً في نفس الأماكن التي يفضلها الألماني، كذلك عندما يصعد للأمام فإنه لا يملك مهارة سيلفا وبرناردو أو قوة دي بروين، ليبقى خيار أقل منهم على مستوى المركز 8، مما يعني فعلياً أنه وجد نفسه بحق عندما لعب كارتكاز أول خلف ثنائي الوسط المتقدم، ليبدع في التمرير والصناعة وإعطاء الهدايا للأجنحة والمهاجمين في العمق وعلى الأطراف.

صورة جورجينيو بقميص تشيلسي

إذا يمكن تحديد أسباب تألق جوندوجان في النصف الثاني من الموسم، لذلك كان قرار استمراره صائباً من جميع النواحي الفنية والتكتيكية، لكن ما علاقة ذلك بجورجينيو ارتكاز ساري وتشيلسي؟

لا مقارنة بالتأكيد بين منظومة سيتي وتشيلسي، وحتى الأداء الهجومي لبطل البريمرليج قياساً بصاحب المركز الثالث، بالتأكيد كفة فريق جوارديولا تميل بقوة، لذلك فإن الخيارات أمام جوندوجان أكبر عندما يستلم الكرة، بينما يعاني جورجينيو بعض الشيء نتيجة قلة الخيارات الهجومية أمامه، لذلك حتى المقارنة بين الثنائي رغم لعبهما في نفس المركز تقريباً تبدو صعبة ومعقدة بعض الشيء، لكن ما قدمه إلكاي يفوق بوضوح مستوى وإنتاج لاعب الأزوري هذا الموسم.

جوندوجان مع 6 أهداف و 3 أسيست وقرابة 2 تمريرة تؤدي إلى تسديدة بالمباراة في البريمرليج هذا الموسم، بينما جورجينيو مع هدفين وصفر أسيست وأقل من تمريرة تؤدي إلى تسديدة بالمباراة. وحتى على مستوى البناء من الخلف، الحيازة الإيجابية، الحيازة التي تؤدي إلى تسديدة أو تمريرة حاسمة، فإن ميزان لاعب السيتي يفوز نظيره في تشيلسي بمراحل.

اللعب في إنجلترا يختلف عن كل ملاعب أوروبا، يجب أن تضيف شيء إلى أسلوبك وفلسفتك حتى تكون قادرا على المنافسة، وهذا ما تأكد منه بيب في موسمه الأول، حيث أن القوة مطلوبة بقدر ما، وهو ما يفتقده جورجينيو من دون الكرة، كذلك فإنه غير معتاد على أنظمة الضغط القوية التي لم يشاهد مثلها كثيراً في ملاعب الكالتشيو حيث الدفاع والارتداد للخلف هما الشغل الشاغل للأغلبية، لذلك فوجئ اللاعب بنسق لعب مرتفع بعض الشيء عن معدله الطبيعي، ليسقط في فخ التوقع سواء عند الاستحواذ أو التحولات.

جورجينيو يعاني عمليا في نسق وريتم الدوري الإنجليزي، خصوصا أمام الفرق التي تضغط بقوة، سواء ضغط استراتيجي أو حتى ضغط فردي رجل لرجل، في الحالتين لا توجد فرق عديدة تستخدم هذه الخيارات في إيطاليا، لذلك الوضع أصعب في البريمرليج.

جوندوجان في المقابل أقل من فرناندينيو على مستوى التحولات والعرقلة والفوز بالكرة الثانية، لكنه أذكى دفاعياً من جورجينيو فيما يخص افتكاك الكرات أو التمركز بالخلف في الشق الدفاعي. أما على مستوى الكرة فإنه يتفوق بوضوح لأنه صانع لعب حقيقي أشبه بالـ “ديب لاينج” منذ أيام دورتموند لا مجرد ارتكاز ممرر كالإيطالي من أصل برازيلي.

يمكن استنتاج من كل ما سبق أن صفقة جورجينيو للسيتي لم تكن نهاية العالم أبداً سواء بالسلب أو بالإيجاب، رغم كل الزخم الإعلامي المرافق لها سواء عند المفاوضات أو بعد توقيع اللاعب مع تشيلسي، ويجب التأكيد أيضاً أن فرناندينيو أفضل من جوندوجان دفاعياً، وزميله أفضل منه هجومياً، لذلك لا بد من “ميكس” بينهما في لاعب واحد، لذلك لا غرابة أبداً من المفاوضات الحالية بين إدارة مانشستر سيتي ورودريجو هيرنانديز “رودري” لاعب وسط أتليتكو مدريد، لأنه ربما يكون الإجابة النهائية على سؤال الارتكاز الجوارديولي في منطقة الارتكاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى