تقنية الفيديو..بين إرادة السوء وسوء الإرادة

تقرير- محمد عصام

“في هذه البطولة سئمنا من الهراء، لم يرجع الحكم إلى الفيديو في ركلتي جزاء واضحتين، نحن نتحصل على البطاقات، وهم لاشئ، هذه القرارات تتسبب في توجيه سير المباراة. لم يكن الحكم عادلاً” خرجت هذه الكلمات من هادئ الطباع دائماً وأبداً ليونيل ميسي، بعد مباراة الأرجنتين والبرازيل في نصف نهائي الكوبا أمريكا.

ألقى الصحفي المعروف “جوناثان ويلسون” في مقالته عبر “الجارديان” الضوء على مدلول هذه التصريحات، فحين تصدر هذه الكلمات عن ميسي المعروف بدبلوماسية ورزانة الحديث، فإن هذا دليل واضح أن تقنية الفيديو التي جاءت لتنهي الجدل، وتنشر العدل، لم تنجح في ذلك، بل تسببت في المزيد من التوتر والتشكيك في نزاهة اللعبة.

في مشهد من فيلم “الكيف” قال الممثل القدير “يحيى الفخراني” بلسان الكاتب “محمود أبو زيد” : “الشر ليس في إرادة السوء فحسب، بل في سوء الإرادة أيضاً”، وهذه المقولة تتمثل أمامنا في عالم تقنية الفيديو الآن.

لنأخذ ما حدث في مباراة السوبر كلاسيكو على سبيل المثال، القراران اللذان يتحدث عنهما قائد منتخب التانجو جاءا في العشرين دقيقة الآخيرة، وفي الحقيقة فإن كليهما لم يجذبا اعتراضاً مباشراً، وربما مرّا مرور الكرام في عصر ما قبل الفيديو، ولكن مع تسجيل البرازيل هدفها الثاني بعد الخطأ الأول، وتغير سير المباراة كلياً، أصبح عدم التدخل لفك طلاسم الموقف انحيازاً جلياً، ودليل لا يقبل الشك على محاباة صاحب الأرض.

ما سبق لا يعني أن جماهير بلاد الفضة غير محقة في مطالبها، بل أن الاعادات أوضحت أن ربما كلا اللقطتين أو أحدهما على أقل تقدير خطأ وضربة جزاء مستحقة، ولكن الطرح هنا عن اختلاف النظرة ما بين “خطأ بشري وارد الحدوث في قرار تم اتخاذه في جزء من الثانية”، و”أجندة تستهدف منح البطولة للمستضيف”.

المعضلة الكبرى أن ما حدث بعد ذلك ساند وجهة نظر الأرجنتييين، وتحديداً كلمات قائدهم ليونيل ميسي بذات، ففي مباراة تحديد المركز الثالث ضد تشيلي، وفي مناوشة عادية بين ميسي وميديل، كان المعتدي الأكبر هو اللاعب التشيلي، حين قرر جاري ميديل الشجار واختبار الأقدار، ووقف ميسي بوضوح بعيداً عن الدخول في الصراع الجانبي، ليتحصل في النهاية على ذات العقوبة بالبطاقة الحمراء، في لقطة استوجبت إنذاراً على أقصى تقدير، وسط دهشة الجميع لاعبين وجماهير، وتشبُث بأمل عكس القرار بعد مراجعة اللقطة بتقنية الفيديو.

ولكن ثبتت البطاقة، وخرج ميسي من الملعب، فيما بدا بلا شك عقاباً مبيّتاً له على تصريحاته بعد مباراة البرازيل.

المباراة حملت طابعاً متوتراً، وفشل الحكم دي فيفار في تهدئة الأوضاع، لذا لجأ للحيلة القديمة بطرد لاعب من كل فريق في أقرب فرصة لإرساء سلطته على أجواء المباراة.

مشهد شائع، وفخ تسرُع يقع فيه الحكام باستمرار، ويتم انتقادهم على اللجوء لتلك الطريقة المنافية لطابع الحكمة في احتواء الأمور، وتنتهي الأمور على ذلك، ولكن هذه المرة كانت العيون تراقب، والقرار في يد أكثر من شخص، ومع ذلك لم يتغير ذلك من شئ، فالناتج المنطقي هو المزيد من الجدل، والمزيد من أصابع الاتهام بالفساد.

الأمر أكبر من ميسي، فربما يعتزل دولياً اعتراضاً على هذا “الفساد” على حد وصفه، ولو رغب في الاستمرار، فإن في انتظاره عقوبة أكيدة لتصريحاته، فالكونميبول لا يتهاون إطلاقاً مع اتهامه بالتحيز رغم كل الوقائع التي تؤكد عكس ذلك.

أحد الأعراض الجانبية الأخرى كانت في فقدان اللعبة جزء من “روحها”، فكرة القدم تتميز بالفرحة الهيسترية بالأهداف، وطول انتظار الهدف الحاسم على عكس ألعاب آخرى تأتي الأهداف تباعاً؛ لذلك فإن تقنية الفيديو تعني أن انفجار الأدرينالين هذا سيتم تأجيله مع كل هدف لحين التأكد من صحته، وبدلاً من التلقائية في الاحتفال، ستحمل اللحظة بعض الترقب كفيل بقتلها.

هذه المشكلة ليست هينة على الإطلاق كما تبدو، ففي كأس القارات عام 2017 كانت التقنية تحتاج وقتاً أطول، تم العمل على تقصير المدة بعد ذلك، وحالياً في إنجلترا تم اعتماد التقنية بشرط أن تحال أوراق الحكم كاملة إلى قرار المراقبين في الشاشات لاتخاذ القرار، وعدم مراجعة حكم الساحة لإعادات على شاشات في الملعب كما يحدث الآن، لمزيد من الإنسيابية في سير المباريات.

السؤال يكمن في نوعية اللعبة التي نرغب في مشاهدتها، هل نريد لعبة تضمن العدالة كاملة ولو على حساب سرعة الإيقاع؟ أم نرغب في هيستريا اللعبة وعشوائيتها المحببة كما كانت سابقاً مع تقبل أخطائها؟.

طرح العديد أفكاراً لضمان تحقق المعادلتين، كأن يكون لكل مدرب عدد معين من المراجعات، أو تقليل عدد الزوايا التي يتم مراجعة اللقطة منها.

لكن على أي حال، النقد هذه المرة موجه إلى السعي المزعوم نحو العدالة المطلقة، وهو ربما أمر لن يتحقق في كرة القدم، بل ستظل العدالة الأهلية، وأخذ الحق بالقوة حاضرة في غياب القوانين الصارمة، وغياب الضوابط التي تضمن تطبيقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى