ميسي .. هرمنا ..!

كتب: محمد العولقي

لا يتخلف اثنان أو ثلاثة أو حتى عشرة على أن النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي هو أعظم موهبة كروية شهدها هذا القرن، لا تجد في الثلاثة مليارات نسمة من يختلف على أن ميسي السبب المباشر في هيمنة برشلونة على البطولات المحلية في إسبانيا مع كامل التقدير لتاريخ ريال مدريد في لا ليجا.

ومثلما يفرض ميسي فريقه الكاتالوني كقوة كروية عظمى، يرأسها بقريحته الكروية الفذة، يحتار دليل كل عاشق للفتى المرغوب واللاعب الموهوب في تحديد أسباب مستواه المتدني دوليا، حتى أن الأرجنتينيين أنفسهم يرون ميسي طلسما استعصى فهمه، ويتساءلون بدهشة: كيف يتقن ميسي رقصة الرومبا الإسبانية بكل هذه المهارة والشياكة، ولا يتقن رقصة التانجو الأرجنتينية رغم أنه شرب من حليبها طفلا ..؟

من يتمتعن في مسيرة هذا النجم الأعجوبة ويدقق في الصورة، سيصاب بالدهشة جراء هذا الانفصام الكبير في شخصية ميسي ، فهو يبدو مع برشلونة بقناع الوحش الذي يصعب ترويضه، أو الحد من ثورته التي لا يوقفها سلاح نووي، لكنه مع الأرجنتين دوليا يرتدي قناع الخنوع، حيث يتلاشى تأثيره ويصبح وجوده مع التانجو كعدمه..

في بطولة كوبا أمريكا الأخيرة تفاوت أداء ميسي بين العادي جدا والمتوسط جدا جدا، لم يكن مؤثرا في رقصة التانجو بما فيه الكفاية، لذا ظهر المنتخب الأرجنتيني قليل الحيلة أمام كولومبيا وباراغواي وحتى قطر.

هذه الحقيقة الساطعة في كبد سماء الكوبا كابانا ليست من بنات أفكاري، لكنها واقع تؤكده أرقام ميسي المتواضعة في البطولة بحلوها القليل ومرها الكثير. ربما كان غريبا أن نشاهد ميسي في أكثر من مباراة بلا إيقاع، وكأنه يرقص رقصة عرجاء من دون رغبة، بدليل المعدل المخيف في تمريراته الخاطئة، و الرقم المقلق في مراوغاته الفاشلة، ومنسوب إفلاسه في لدغ شباك الخصوم.

كان يمكن للأرجنتينيين غض الطرف عن هذه الحقيقة أو التقليل من شأنها، لولا أن أكبر وأفضل ممرر في الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا لم يمرر في بطولة كوبا أمريكا سوى كرة حاسمة واحدة، وحتى هذه التمريرة التي سجل منها أجويرو هدفا في مرمى تشيلي جاءت بعد الخروج من البطولة بلا حمص أو فاصوليا.

الأغرب من الأبل أن ميسي لم يسدد في خمس مباريات ونصف سوى خمس مرات فقط بين القائمين، وهو معدل فقير جدا يؤكد أن ميسي خارج نطاق التغطية الدولية.

لست أرى في انتقادات ميسي للحكام الحادة والمبالغ فيها سوى محاولة ذكية لصرف نظر منتقديه عن تلك الحقيقة المخيفة، ولست أرى في هجومه على المنتخب البرازيلي سوى محاولة يائسة لدغدغة مشاعر شعب أرجنتيني يكره الكرة البرازيلية كراهية الذباب للون الأزرق.

بصريح العبارة يستطيع مدرب الأرجنتين الشاب ليونيل سكالوني البناء المستقبلي على المنتخب الذي هزم منتخب تشيلي في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع، ويستطيع أيضا أن يقرأ مجريات الشوط الثاني بتأن بعيدا عن سطوة الهالة التي يحيط بها ميسي نفسه مع كل إخفاق دولي معتاد.

لو قرأ ما بين سطور ذلك الشوط، لربما توصل إلى الخلطة السحرية التي تعتمد على جماعية الأداء، وليس على سمعة أو سطوة أو نجومية لاعب واحد، حتى لو كان هذا الواحد هو ليونيل ميسي شاغل الأرجنتين ترحا ومالئ إسبانيا فرحا.

بغض النظر عن عدالة الحكم من عدمها، فقد كان طرد ميسي أواخر الشوط الأول في مباراة تشيلي هدية من السماء للمدرب سكالوني، وهي واقعة ينطبق عليها المثل: رب ضارة نافعة.

شاهدت منتخبا أرجنتينيا بدون ميسي يلعب بواقعية وبهوية واضحة، والأهم أن باولو ديبالا كان في مزاج رائق، كما لو أنه خرج من جلباب ميسي متعطشا لقيادة الأوركسترا الأرجنتينية، في حين تحول دي ماريا إلى قائد من الخلف يتحكم في الإيقاع كيفما يشاء، ويوزع هدايا العيد بكرم حاتمي واضح.

لست هنا أزعم أن الوقت قد حان كي تطوى صفحة ميسي مع راقصي التانجو ، فمثل هذا القرار سيكون إعداما مخيفا للاعب تعدى سن الثانية والثلاثين، إلا إذا جاء القرار من صاحب القرار نفسه، وهو أمر مستبعد في ظل مغازلة ميسي لزملائه بعد الحصول على أقراص البرونز في البرازيل.

واضح أن ميسي يعاني من ازدواج في الشخصية مع المنتخب الأرجنتيني، مرة لأنه يجاهد في أن يكون قائدا عظيما كما كان يفعل الداهية مارادونا، ومرة أخرى لأنه يحاول أن يبسط سطوته الكاملة على أداء المنتخب بما يتناسب مع طموحاته الشخصية، وبما يحقق له التوازن في ظل الحرب المستعرة مع غريمه البرتغالي كريستيانو رونالدو، والذي حقق تفوقا واضحا على ميسي على مستوى الألقاب الدولية.

وفي كلتا الحالتين يرتكب ميسي مذبحة بحق موهبته الكبيرة، ليس لأن الواضحات والفاضحات يؤكدان أن صاحب المهرتين كذاب فقط، ولكن لأن إصراره على أن يكون هو ترمومتر المنتخب الذي يتحكم في النسق والإيقاع وفي كل شيء رهان جربه أكثر من مرة، والنتيجة أن منتخب الأرجنتين يلقى حتفه في البطولات الكبرى بغباء، في حين تسقط السقيفة على رأس الضعيفة، والضعيفة هنا إما المدرب الذي يسير في ظل ميسي، أو الإداري المناوب الذي لم يضبط الساعة البيولوجية على توقيت الانضباط.

ليونيل ميسي على أعتاب نهاية الخدمة الدولية، وفي سن الثانية والثلاثين يجب أن يختلف تفكيره، فالشعب الأرجنتيني مل وهرم من أسطوانة النواح، فهو يريد في نهاية المشوار ميسي الوقور وليس ميسي المراهق الذي أجهد نفسه في تقليص المقارنات مع المعلم مارادونا.

منطقيا يستطيع ميسي البقاء لاعبا دوليا مع المنتخب الأرجنتيني حتى نهائيات كأس العالم القادمة، لكن آماله في أن يترك بصمة دولية تتضاءل كثيرا، وهي حقيقية لا يجب أن تمر على مائدة ميسي مرور الكرام أو حتى اللئام.

بات على ميسي تقبل غضب الشعب الأرجنتيني وامتصاص ثورة شعب يعاني الويلات والكوارث الكروية منذ غياب شمس الملهم مارادونا، وليس له أن يزعل أو يثور ووكالات الأنباء تطير خبر تحطيم تمثاله في روزاريو، مع مانشيت مؤلم: ميسي تألق كما شئت مع برشلونة، فليس في الأرجنتين سوى مارادونا واحد.

الهدوء العقلاني مطلوب من ميسي لقراءة كتاب حياته الدولية مع راقصي التانجو ، فليس هناك ثمة سطر أو سطرين للفرح، حيث يغطي العذاب كل فصول كتابه، وهو أمر يستدعي أن يتخلص ميسي من عقدة مارادونا، كما يحتم عليه أن يؤسس لمرحلة تطغى فيها الجماعية المغلفة بالإيثار على الطمع الفردي المغلف بالأنانية ومطاردة الألقاب الفردية.

لا نود أن ينهي ميسي مسيرته الدولية وهو كمن يطارد خيط دخان، لكن الأمنيات يمكن أن تبقى مجرد أضغاث أحلام ما لم يدرك ميسي أنه مع منتخب الأرجنتين بهذه الصورة القاتمة شديد الشبه بكتكوت ضعيف الجناح والدنيا غدرت به ..!

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. احترامي الشديد لمقالك الفذ ولي خترت كلماته بعنايه ومن منطلق اني ارجنتيني بحت ولكن تواضع مستوى ميسي مع التانجو الارجنتيني سببه عدم وجود المدرب المناسب اللي يوظف قدرات الاعب الفذ البرغوث مع وجود اسماء لامعه غير ميسي بالمنتخب مع ذالك يضع كل اللوم عليه صح انه الكل في حيره بخصوص مستواه المتصاعد في ناجيه الكتلوني والمتنازل في منتخب بلاده التانجو هناك في عقده ليست غي ميسي فقط بل في جميع لعيبة المنتخب الارجنتيني ومن متى كان ميسي لاعب اناني ميسي ولي يتابع لعبه يحب اللعب الجماعي خذ وهات وبخصوص هجومه ع المنتخب البرازيلي والاتحتد الكروي والحكام فهذا من حقه لان عدم احتساب ضربتين جزاء في مباراه البرازيل رفض الحكم الرجوع الى الفار هذا سبب كافي ليس هجوم ميسي فقط وكل محبي المنتخب الارجنتيني انا ما اعرف جنسيتك بس اذا انته لاعب وفي منتخبك وحدث نفس الامر معك هل ستكون مقتنع بالمباراة ام انك ستتهم جهه معينه وجهك نظرك وحترمها ولكن لنفكر من جميع النواحي

    1. صديقي ليس السبب المدرب فكل المدربين تضعون اللوم عليهم فميسي فشل مع برشلونه ومع المنتخب فعليا (ليس الدوري يعتبر نجاح وانت في الابطال صرت متعود ع الريمونتادا!! بشهادة العالم وأوروبا بالذات فلا تاخذ العاطفة عقولكم كرويا وشكرا

  2. مع احترامي مقالك سيئ وكابرت فيه كثيرا وياخي تراك كاتب وليس من الجمهور عشان تتعصب بالصوره هذي بجانب لاعب معين ياخي احنا معنا عيون ونرى فشل ميسي في الملاعب ومع ذلك تمدحه وتباهي فيه (ابشرك قرب يعتزل ولا انجاز للمنتخب مع نخبه من النجوم ولا كأس عالم ولا حتى كأس آسيا 😂😂😂يااعظم من يستقبل الريمونتادا في التاريخ

  3. مقال لا يوجد فيه الا اللغه العربيه الفصحه وكثير من الأدب الكتابي ولكن ياصديقي ميسي يفضل ميسي سواء مع الفريق او المنتخب ولو كل لاعب أرجنتيني يلعب مع المنتخب مثلما يلعب مع فريقه كانت الارجنتين نالت كل الالغاب لانه لديهم ميسي واليد الواحده لا تصفق مهما جرئ واخيرا يكفي انو شاغل كل العالم بسحره والكل يتحدث عن مستواه مع منتخبه ووو ليس ساحره لكي يفعل اشياه لوحده… اذا الارجنتين يتحدثون عن ميسي وعن إمكانياته ولايوجد احد فيهم ينتقده كمان نحن العرب نتقده.. هذا لاعب ليس للبطولات لان كل بطولات العالم لا تكفي لسحره ومتعته هذا لاعب هذا الزمان لكي نستمتع نحن ونعشق كره القدم من خلاله وشكرا

اترك رداً على EYAD Othman إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى