كتب: محمد العولقي
حصيلة مشاركة المهاجم الفرنسي كريم بنزيمه مع ريال مدريد طوال عشر سنوات بحاجة إلى تقويم منطقي، هو منزلة وسطى بين التهوين والتهويل.
وفي عملية تقويم مردود بنزيمه مع الملكي تنقسم الآراء حوله إلى فريقين، فريق يهون مسلسل إهداره للفرص السهلة أمام المرمى، بحجة أنه لاعب تكتيكي يؤدي دور فاتح الثغرات، وفريق يهول من حجم قدراته الهجومية، تحت ذريعة أنه مهاجم وظيفته الأولى تسجيل الأهداف بعيدا عن فلسفة التكتيك وبلاويه الزرقاء.
كثيرا ما تكمن أسرار فشل كريم بنزيمه أمام المرمى في التفاصيل الصغيرة، وهي تفاصيل تشير بأصابع اليدين والقدمين إلى خلل ما في العناوين الكبيرة لهذا اللاعب.
ما من شك أن هذا المهاجم الذي يهدر الفرص كما لو أنه يشتغل في التهريب، أصبح لغزا كبيرا في ريال مدريد، ففي الوقت الذي بلغ سيل جماهير ريال مدريد الزبى جراء ما يذره هذا المهاجم من رماد في العيون المدريدية نجد أن الإدارة والمدربين يرونه لاعبا لا يمس.
الغريب والمريب معا أن كريم بنزيمه يكتم على أنفاس المدريديين كل موسم رغم أن متوسط ما يقدمه من خدمات أقل بكثير من وظيفته كمهاجم، ففي الوقت الذي يرحل فيه لاعبون أكثر منه إنتاجا وتسويقا، يظل بنزيمه رقما صعبا في الفريق، لا يهتز أمام العواصف النقدية والأعاصير النقموية.
خذوا مثلا .. صار الويلزي جاريث بيل المغضوب عليه رقم واحد، وهناك إجماع فني و إداري و جماهيري على أن بيل سلعة بائرة استنفدت صلاحيتها.
ولو وضعنا العاطفة جانبا ووضعنا بيل وبنزيمه في كفتي ميزان التقويم بعين العقل، لثقلت كفة الويلزي رغم أنه لعب مباريات أقل بكثير من بنزيمه (ابن المحظوظة)
يكفي بيل أنه كان جناجا فاعلا في المباريات الكبيرة قبل أن يتحول فجأة إلى لاعب زجاجي لا يسمن ولا يغني من جوع. بصمات بيل في نهائيات دوري الأبطال واضحة، وربما كانت أهدافه في المباريات النهائية حاسمة وذات قيمة تتجاوز قيمة كل أهداف بنزيمه، الذي يفشل في النهائيات ولم يسجل إلا هدفا بالصدفة أمام ليفربول في نهائي دوري أبطال العام الماضي.
ربما كان المزاج الحاد لجاريث بيل واحدا من الأسباب التي دمرت اللاعب، وجعلت قيمته التسويقية منخفضة للغاية، لكن أرقامه في كل الأحوال في المباريات الكبيرة تتوارى أمامها أرقام كريم بنزيمه خجلا وكسوفا.
دعونا من بيل الزجاجي الذي لم يعد مرغوبا من الأندية الكبيرة، ولنبق مع حصاد بنزيمه، الديك المدلل الذي حاول تقليد مشية الكناري، فأضاع فيما بعد مشيته التي تعلمها كمهاجم في ليون الفرنسي
الواقع أن حصاد بنزيمه كان مخيفا، بعضه قابل للنشر والآخر غير صالح، إما من باب التعاطي مع حسنة الستر، أو أخذا بالحكمة التي تدعو لإغلاق الباب الذي يأتي منه الريح.
المؤكد أن كريم بنزيمه يستحق لقب ملك المفلتين، فهو إن سجل في الموسم عشرين هدفا، فاعلم أنه أهدر ثلاثة أضعافها في نفس الموسم، أينما يمم المدريديون وجوههم محليا وأوروبيا، فكريم أمامهم، وبنزيمه خلفهم مثل القضاء المستعجل.
من الطريف أن الإحصائيات الخاصة بهذا اللاعب الذي تبرأت منه فرنسا بعد فضيحة الشريط الجنسي الخاص بزميله في المنتخب ماتيو فالبوينا، لا تكذب ولا تتجمل، فالفرص السهلة التي أهدرها مع ريال مدريد، لم تكن كفيله فقط بتتويجه هداف لأوروبا كلها، ولكنها كانت كفيلة بمنح الريال بطولة (لا ليجا) خمس مرات على الأقل.
نعم.. من حسن حظ برشلونة أنه يمتلك ليونيل ميسي الذي يعرف كل الطرق المؤدية إلى الشباك، خصوصا بعد رحيل الكابوس رونالدو، ومن سوء حظ ريال مدريد أنه بنى كل تصوراته على مهاجم يفقد ظله أمام الشباك، ولا يتفنن إلا في حرق أعصاب جماهيره وتصدير الجلطات والنوبات القلبية إلى كل دار مدريدي وبيت ريالي.
ربما توجب على عشاق ريال مدريد هضم وبلع تصور الإطار الفني، الذي كان يرى في بنزيمه قنطرة تفتح كل المغارات المغلقة أمام كريستيانو رونالدو الذي لا يخطئ الشباك تحت أي ظرف.
لكن مع رحيل رونالدو، لم تعد الحيلة تنطلي على عشاق الريال، فكريم مطالب بأن يستعيد ذاكرته التهديفية في مغازلة الشباك، فهو مهاجم ووظيفته ترجمة الفرص وأنصافها إلى أهداف، لكسب النقاط البيضاء في الأيام السوداء الصعبة محليا وأوروبيا.
يعلم بنزيمه أن هذا الموسم فرصته الأخيرة مع الريال ليؤدي دور البطولة مع البلجيكي هازارد، ومالم تتساقط أهدافه في الشباك بغزارة صيف أوروبا، فسيكون مصيره سلة المهملات.
طبيعي جدا أن تتمدد الضغوطات على صدر بنزيمه دون سواه، فهو الآن مطالب بالخروج من الظل والتعامل مع الحقيقة المجردة مع رحيل كريستيانو رونالدو المنقذ الذي كان يصلح ما يفسده بنزيمه في المباريات الكبيرة.
لاحظوا أن بنزيمه في الموسم الفارط سجل رقما تهديفيا خاصا مع رحيل رونالدو، المشكلة أن أهدافه التي بلغت 22 هدفا – حسب ظني – لم تكن ذات جدوى كبيرة، ولم تصنع فارقا كبيرا أو تجنب الريال مصيره الأسود، لأن تلك الأهداف ببساطة سجلها في مرمى فرق بين صغيرة ومتوسطة.
عن نفسي مؤمن تماما بأن التجريب بالمجرب خطأ، وطالما أن الموسم الجديد سيكون نار يا حبيبي نار بين الريال والبرشا، فأتوقع أن تحسم الجزئيات الصغيرة التنافس بين القطبين. هذه الجزئيات الصغيرة تتمثل في الفاعلية المطلقة أمام المرمى.
والمؤشرات الأولية تعطي انطباعا أن تلك الجزئيات سيتحكم بها ميسي وجريزمان وسواريز، فطالما ظل ملك المفلتين للفرص السهلة رياليا، فسيبقى الضلع الهجومي للمالكي أعوجا.
لسنا في فراسة المدرب زيدان باعتباره أدرى بشعاب ريال مدريد، لكن المنطق يقول: لكي يتفوق الريال في سباقه المحلي على غريمه اللدود برشلونة، فهو في أمس الحاجة لمهاجم صندوق وظيفته إكمال مجهود زملائه وتسجيل الأهداف بغزارة.
أما مواصلة تجريب بنزيمه وفرضه أساسيا على قلب كل ريالي بحجة بدعة التكتيك، فسيكون الأمر محل ترحاب من جماهير برشلونة، ورحم الله الكابتن محمد لطيف، الذي كان يردد في كل مباراة وقبل حتى أن يولد بنزيمه: الكرة أجوان ..!