تحليل- أحمد مختار
“كان لدي مدرب فريد من نوعه. لقد نشأت كثيراً مع بيب كلاعب وتعلمت منه الكثير. بعض المديرين لديهم تكتيك رائع، لكن بيب سيصف أيضًا الحركات التي اضطررت إلى إجرائها على أرض الملعب وما سيحدث بعد ذلك. وماذا يفعل الخصم”، يقول ميسي عن جوارديولا هذا الحديث، ليرد بيب بطريقة أكثر تميزاً، عندما يسأله المحاور نصاً: “مدح ميسي يعادل الحصول على ميدالية؟”
“ميداليتان. عندما يقول أفضل لاعب كرة قدم على الإطلاق هذا الشيء. أعتقد أن الأمر يتعلق بي بقدر ما يتعلق بتيتو فيلانوفا وكل من كان هناك خلال ذلك الوقت. لا يمكنني إلا أن أكون ممتنًا له “.
اعتاد تيتو أن يقول إن ميسي كان مثل الطالب الذي شعر بالملل في الفصل لأنه كان يعرف بالفعل الدرس. كنت محظوظا جدا أن يكون معنا. حاولنا إشراكه في اللعبة، بطرقنا، لجعله يستمتع بها كقطعة كورالية. لقد أخبرته بذلك مرات عديدة.
“تجمّع العديد من نجوم كرة القدم خلال تلك الفترة، لكننا لم نحقق الكثير بدونه. كان ميسي أكثر بكثير من مجرد حبة الكرز على الكعكة “.
ماذا حدث عندما اجتمع الثنائي في فريق واحد خلال الفترة ما بين 2008 إلى 2012؟ الحقيقة أنهما صنعا واحدا من أعظم فرق اللعبة على مر تاريخها، مع صيحة تكتيكية بقت أقرب إلى العلامة التي لا تنسى، حينما وضع جوارديولا نجمه ميسي في العمق، كمهاجم وهمي قريب من المرمى، ليسجل أهدافاً بالجملة ويحطم الأرقام تلو الأخرى، بوصوله إلى 91 هدفا خلال عام 2012، في سابقة استثنائية وإعجازية حتى يومنا هذا.
لم يخترع أحد المدربين الحاليين فكرة الوهمي، لا سباليتي ولا جوارديولا، ولا حتى أساطير المجر في الخمسينات، لكن أشهر صيحة ممكنة لهذا المركز بالسنوات الماضية لعبها ليونيل ميسي، بداية من كلاسيكو 6-2 في 2009 حتى نهاية حقبة بيب مع برشلونة في 2012. في مباراة الإياب بملعب سانتياجو برنابيو، فكر الجهاز الفني في إمكانية سقوط ميسي في العمق من البداية بدلا من قطعه كما كان يفعل من الأطراف الي مركز الهجوم.
ميسي لعب فترات طيولة كجناح على اليمين، إيتو في العمق، وهنري كمهاجم مقلوب على اليسار، في رسم 4-3-3 خلال موسم 2008-2009، حتى مباراة الستة في سانتياجو برنابيو في شهر مايو من العام 2009. هل دفاع الريال ستكون لديه القدرة لمطاردة ميسي؟ وترك مساحات خلفهم يتوغل فيها الأجنحة أو لاعبو الوسط من الخلف؟
انشغلت أطراف الريال بمواجهة أظهرة البارسا المتقدمة، بينما ظل الدفاع قابعا في مناطقه لكي يقابل أي قطع هجومي من الجناحين في منطقة الجزاء. وبقي ميسي حرا طليقا خارج الصندوق، أمام كلا من تشافي وإنييستا. صار هناك 3-4 لاعبين من برشلونة بالعمق أمام الثنائي المحوري لمدريد، لذلك تفوق البارسا بلاعب إضافي، وحينما تلعب بلاعب إضافي في الوسط، وحقق انطلاقة محورية أعطته فيما بعد 6 بطولات.
يقول بيب في فيديو تسجيلي قديم: “حينما يفكر الدفاع في الخروج من أجل مقابلة ميسي، تصبح المنطقة خلف الظهيرين مفتوحة تماما، وهذا كان السبب الرئيسي في ظهور هنري بالمستوى الإعجازي في البرنابيو، بسبب انشغال الجميع بالفوضي التي أوجدها تمركز ميسي بالعمق”.
“أن تملك مهاجم وهمي مثالي، عليك امتلاك وسط قادر على الصناعة، وأجنحة متنوعة، لاعب قوي في القطع داخل المنطقة، وآخر مميز في المراوغة وسحب المدافعين”، قاعدة تكتيكية ثابتة.
“جوارديولا ضحى بي، ووظف أسلوب برشلونة في اللعب ليلائم ميسي، وقلص من دوري وجعلني لاعباً سيئاً مما انعكس بالسلب على قوة الفريق”. يقول زلاتان إبراهيموفيتش هذا التصريح عن فترته مع برشلونة، قبل أن يتهكم على وضعه مع برشلونة مهاجما المدير الفني بوضوح عندما قال: “برشلونة اشترى سيارة فيراري لكنه قادها بأسلوب فيات”.
الحقيقة أن التضحية بصامويل إيتو كان قراراً لا بد منه، بعيداً عن أي عواطف أو مجاملات، فإن استمرار الأسد الكاميروني كان يعني عدم انفجار حواس ميسي التهديفية بهذا الشكل، لذلك أجبر جوارديولا لاعبه الأفريقي على الرحيل، لكنه أحضر الخيار الخاطئ في صيف 2009، لأن زلاتان إبراهيموفيتش لم يقدر على لعب الدور المطلوب منه كما يجب أن يكون، نظراً لقلة مرونته وحركته، وولعه بأن يكون دائماً في الأضواء.
أحضر جوارديولا زلاتان حتى يقوم بدور رأس الحربة “الكروكي”، أي اللاعب الذي يتواجد في الأمام من أجل جذب المدافعين، وفتح الطريق أمام القادمين من الخلف خصوصاً ميسي، لكي يتحول من المركز 10 إلى منطقة الجزاء مباشرة، ويقوم بدور المهاجم الذي يسجل الأهداف ويصنعها. حاول السويدي القيام بها لكن ربما كبرياؤه أو قلة حركته أو شخصيته القوية، كلها عوامل منعته من البقاء في ظل ميسي بأوامر جوارديولا.
“يظهر في الصورة بالأعلى، زيادة عدد تسديدات ميسي في موسم 2009-2010 من أماكن بالعمق، مما أدى بالتوازي إلى زيادة عدد أهدافه”.
في 2011 حقق الفريق دوري الأبطال مرة أخرى، ولعب ميسي كمهاجم وهمي أيضاً، مع دافيد فيا على اليسار كمهاجم مقلوب، وبيدرو إلى اليمين كجناح طرفي بالتبادل مع داني ألفيش. في نهائي الشامبيونزليج ضد مانشستر يونايتد على سبيل المثال، انضم ميسي لوسط الملعب، أي انه انتقل لمركز تشافي التقليدي بين الخطوط، حيث لم يتبعه أي من فيديتش أو فرديناند خوفا من الابتعاد كثيرا عن مركزهما في الدفاع.
هذا الأمر كان يعني أن معركة نصف الملعب كانت بين بوسكيتس وتشافي وإنيستا وميسي من جهة برشلونة وروني وكاريك وجيجز من ناحية مانشستر يونايتد، وهي معركة أربعة رجال ضد ثلاثة كما قال بيب في تلك المحاضرة الفنية. دانت السيطرة على المباراة لبرشلونة حيث افتتح بيدرو التسجيل في الدقيقة 27 ولكن روني تعادل بعدها بخمس دقائق حيث كثف “الشياطين الحمر” من هجماتهم للدفاع عن كرامتهم، كانت تلك الصحوة نفسية أكثر منها تكتيكية، ولكن البرسا لم يتأخر كثيرا في استعادة قوامه والسيطرة.
بيكيه وماسكيرانو في الخلف، أمامهما بوسكيتس وعلى الطرفين ألفيش وأبيدال، مع خط الوسط الأسطوري الذي يبدأ من بوسكيتس مرة أخرى، وكلا من تشافي، إنيستا، وليونيل ميسي، رفقة بيدرو يسارا ودافيد فيا يمينا أو العكس وفق سير المباراة.
دياموند برشلونة كان خيالا بحق، لدرجة أنك لا ترى لاعبي اليونايتد تقريبا في المنتصف، ميسي وسط مهاجم ومهاجم وهمي، ولاعب الكل في الكل، تشافي صانع لعب أول، إنيستا صانع لعب ثاني، بوسكيتس يحمي كل هذا من الخلف ويساعده في ذلك أبيدال المائل للعمق، للحظة تشعر وكأنك في حلم وليس مباراة لكرة القدم!
ربما موسم 2011-2012 هو الأعظم تكتيكياً بالنسبة لجوارديولا وميسي، رغم فشل الثنائي في التتويج بالأبطال للمرة الثالثة في 4 سنوات. جواديولا لعب بأكثر من نظام ومزيد من الخطط المتنوعة خلال التسعين دقيقة في كلاسيكو 10 ديسمبر عام 2011 في البرنابيو، والذي انتهى بفوز الكتلان بنتيجة 3-1.
تلك هي أول خطوة في طريقة الـ 3-4-3، احتياجك الي اللعب بأكثر من تكتيك خلال المباراة، وتنظيم صفوفك حسب أولويات اللقاء، مرونة تكتيكية عالية الجودة . 4-3-3 التي تتحول خلال الشوط الاول ” 0 حتي 45 دقيقة ” الي 3-2-3-2، الفكرة هنا في تحرك ألفيش وبوسكيتس، البرازيلي يصعد الي الأمام ويغطيه رقم 5، ويدخل رقم 16 مكان رقم 5،
حينما يعود رقم 2 الي الخلف، يتحول رقم 5 الي عمق الدفاع، ويصعد رقم 16 الي مركز الوسط، هنا الطريقة تعتمد علي تحركات اللاعبين داخل الملعب، مع ثبات ثلاثي بالوسط ” 6-4-8 ” وثنائي في الأمام ” 10-9 ” .
خلال الشوط الثاني ” 45-90 ” دقيقة، تحولت الطريقة الي 3-4-3 صريحة، بوجود ثلاثي دفاعي، مساك وظهيرين، مع رباعي في الوسط قادر علي التمرير والانتشار، مع لاعب علي الطرف، ومهاجم صريح وصانع لعب حر،
في تلك الطريقة، هل ميسي هو المهاجم الوهمي ؟ في الحقيقة 3-4-3 تحتاج الي مهاجم متحرك أو Mobile 9، لعب سانشيز هذا الدور بينما كان دور ميسي أقرب الي صانع اللعب الوهمي أو False 10، لذلك ميسي لم يسجل بل صنع في تلك المباراة .
في الصورة بالأعلى،
الرقم 5 : بويول، الرقم 2 ألفيش، الرقم 16 بوسكيتس، الرقم 6 تشافي، الرقم 4 فابريجاس، الرقم 8 إنيستا، الرقم 10 ميسي، الرقم 9 سانشيز.
لا زلت عند رأيي بأن موسم 2011-2012 هو الأعظم على الإطلاق لجوارديولا مع برشلونة، كم هائل من الخطط والإستراتيجيات والأفكار التي لا تنته، مع تغيير في المراكز والأدوات من مباراة لأخرى. فقط الإصابات القوية التي طالت بويول وأبيدال ودافيد فيا، مع سوء حظ غريب في بعض مباريات الحسم، بالإضافة إلى سقوط فابريجاس في فخ لياقته السيئة التي أثرت على مسيرته بشكل كلي فيما بعد.
الحقيقة أن أرقام ميسي نفسها في 2012 كانت نحو القمة، على مستوى الأهداف، الأسيست، صناعة الفرص، التمريرات البينية، اللمسات بالثلث الهجومي الأخير، وحتى التمريرات التي تسبق التسديدات. “راجع الصورة بالأعلى التي تشرح كيف تطور أداء ميسي من 2006 حتى 2012، العام الذي وصل فيه إلى أعلى أرقامه على مستوى عديد الإحصاءات.
يقول تشابي ألونسو، لاعب وسط ريال مدريد في وقت سابق، عن تواجد ميسي في العمق وكيفية مواجهته: “عانيت كثيرا أمام ميسي، تعبني لأقصى درجة في المواجهات بيننا، مثلي مثل غيري من لاعبي الارتكاز. هو يعرف جيدا كيف يستغل الفراغ الصغير جدا الذي يتركه منافسوه، ويفهم تفاصيل اللعبة بذكاء شديد، لذلك هو مُتعب لأقصى درجة”.
“مورينيو، راموس، وأنا -الكلام لألونسو- كنا نفكر جميعا في كيفية إيقافه، راموس كان المدافع المائل لليسار LCB بينما لاعب الارتكاز كان وسط مائل لليسار LDM، وقتها كان ميسي يلعب مائلا لليمين، وخلفه تشافي هيرنانديز في وسط برشلونة، أي أن هذا الثنائي كان يحتك بالجانب الأيسر لمدريد كثيرا”.
“هذا الثنائي البرشلوني يعرف جيدا كيف يستفز خصومه ويدعوهم للضغط حتى يتركون أماكنهم، وتحدث الفراغات المفضلة لزملائهم. تشافي يدعو ألونسو بطريقته، الوقوف بالكرة، الدوران، تغيير اتجاهاته، المهم أن ارتكاز مدريد يخرج لمقابلته، ميسي هنا يصبح في وضع افضل خلف ألونسو، يصعد راموس لمواجهة ميسي بعيدا عن منطقة دفاعه، ليضرب برشلونة الريال بسرعة، عن طريق تحول الجناح من الطرف إلى العمق خلف راموس المتقدم بعيدا عن مكانه”.
“في النهاية هو قرار صعب، يمكن لتشافي ايضا لعب التمريرة مباشرة إلى الجناح الحر البعيد عن الرقابة، بالتالي الأمر ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض عند سماع هذه الكلمات. لذلك كان العمل التكتيكي قويا قبل الكلاسيكو، بمحاولة تقليل الفراغات جيدا بين الخطوط، الدفاع من الخلف Deep Block، حتى أستطيع البقاء بجوار ميسي، وعدم الذهاب لتشافي عند الضغط، مع ترك هذه المهمة للاعب آخر، المهاجم المتأخر أو حتى صانع اللعب، وبالتالي أصبح هناك لاعب قريب من ميسي -ألونسو- ولاعب على مقربة من الثنائي -راموس-، لخلق موقف 2 ضد 1 في وبين الخطوط”.
“عندما نجحنا في تحقيق هذه المعادلة الصعبة، أصبحت مباريات الكلاسيكو أكثر تكافؤ More Leveled. بالطبع كل شيء قابل للتغيير، يمكن في ثانية تخرج عن تركيزك، ميسي يُنهي كل شيء”
* تم الاستعانة ببعض الصور المجانية من حساب statsbomb على تويتر.