تقرير- محمد عصام
مشهد معتاد تلتقطه عدسات الكاميرات، حيث الرجل صاحب النضارات السوداء، والجسد الممتلئ، في ملابسه وحذائه الرياضي العملي يتحدث عبر أحد هواتفه، ويسبق شاباً في كامل أناقته خارج أسوار أحد الأندية، حيث تلتف الجماهير لتسترق نظرة لصفقة فريقها الجديدة.
ذات المشهد كرره “رايولا” مع موكله “ماتياس دي ليخت” وقت التوقيع مع السيدة العجوز، ولكن هذه المرة هتفت الجماهير باسم “مينو رايولا” في إشادة بدوره في إتمام انتقال المدافع الشاب نحو يوفنتوس.
“مينو رايولا”، الرجل الذي انتقل في طفولته من جنوب إيطاليا مع عائلته إلى الأراضي الهولندية، حيث افتتحت عائلته مطعماً لتقديم البيتزا، ووالده أدمن على العمل باستمرار بشكل أثر بدرجة ما على تكوين عقلية “رايولا”، ومسار صفقاته في الحاضر.
في البداية علينا أن نفهم استراتيجية “رايولا”، فهو لا يعمل كوسيط ينتظر طلب أحد الأندية لموكله، بل يتخذ الخطوة الأولى، ويبحث عن النادي المناسب للاعب، ثم يحاول هندسة الصفقة.
بمعنى آخر، قبل أن يتم اتخاذ القرار بالمضي قدماً في مكاتب اليوفي، كان دي ليخت فعلياً قد اختار النادي، وقام بعدها رايولا بإقناع البيانكونيري بحاجتهم للاعب.
صحيح أن يوفنتوس قرر بعد ذلك فتح خزائنه، ودفع فاتورة ضخمة لإتمام الصفقة، كانت تفاصيلها 10.5 مليون باوند عمولة لرايولا، وراتب سنوي للاعب مقدر ب10 مليون باوند بالإضافة ل5 ملايين متغيرات –ليكون ثاني أعلى اللاعبين أجراً بعد كريستيانو رونالدو في إيطاليا- بالإضافة لدفع قيمة 75 مليون باوند التي أصرت عليها إدارة أياكس.
في ذلك الوقت، ظن الجميع أن لبرشلونة أفضلية على من سواها في تلك الصفقة، حيث البحث عن خليفة لجيرارد بيكيه، مع استقدام زميل “دي ليخت” وصديقه المقرب “فرينكي دي يونج”، ولذلك حين تبدل مسار “دي ليخت” نحو إيطاليا، حدثت عملية ربط خاطئ بين الأحداث.
افترضت معظم الجماهير أن المال لعب دوراً أكبر في هذه الصفقة، وما دعم وضع “دي ليخت” خلف قفص هذا الاتهام كان انتشار هذه الصور الذهنية عنه بين جمهور بلاده، والتي تحبذ انتقاله لفريق أجنبي واحد مفضّل للجميع دون غيره بوضوح وهو برشلونة.
في الحقيقة كان هذا الظن سطحياً للغاية، ويحمل سوء قراءة للموقف، لأن الحقيقة والواقع يقولان أن برشلونة تردد كثيراً قبل الإقرار بعدم القدرة على موازنة أوراقهم بما يخدم السعر والراتب المطلوب، ثم الانسحاب من الصفقة، وهو ما تم تصويره بشكل خاطئ.
الهولندي الشاب نشأ في عائلة ميسورة، لا يملك اهتمامات خارج كرة القدم، بل يطمح لإمداد مسيرته قدر المستطاع.
المصدر الأبرز لهذا الجدل كان وجود “رايولا” في الواجهة، المعروف بسعيه لمصلحته الشخصية قبل مصلحة موكليه، لكن في الحقيقة هذه الصفقة تمت منذ خمسة وعشرين عاماً.
في تلك الفترة اكتشف “رايولا” لاعب وسط من جمهورية التشيك يذكره كثيراً بوالده الجاد في العمل، اللاعب كان “بافل نيدفيد” الذي اعتاد التدرب في منشأة البيانكونيري، قبل أن يرجع إلى منزله ويتدرب بشكل أقسى، حينها انتقل إلى لاتسيو، وبعدها بخمسة أعوام صوب يوفنتوس، حيث حصد جائزة أفضل لاعب أوروبي لعام 2003.
بافل نيدفيد هو المدير الرياضي الحالي لنادي يوفنتوس، والوجه الأبرز في عملية استقدام “دي ليخت” للفريق.
الدرس الذي تعلمه “رايولا” من “بافل نيدفيد”، ومن والده قبلها، أن هؤلاء المهووسين بالتطور ينجحون، لذلك لا عجب أن تلائم بيئة اليوفي اللاعب الذي تجده في الصالة الرياضية لنادي أياكس في الثامنة صباحاً، في اليوم التالي للمباراة، واللاعب الذي حمل شارة قيادة ناديه قبل أن يبلغ العشرين من عمره، ووصل معاهم إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، ويحجز مقعداً أساسياً مع منتخب بلاده.
إنه التطرف في العمل، وإدمان التحسن الذي يمتاز به “دي ليخت”، وبالطبع فقرار التواجد بجانب أكبر متطرفي العالم في العمل “كريستيانو رونالدو” يجعل خشبة مسرح اليوفي مجهزة لاستقبال شخصية مماثلة.
استقدم اليوفي “ماوريسيو ساري”، المدرب الإيطالي المعروف بفلسفته الهجومية، في خطوة شبيهة لانتقال بيب جوارديولا نحو البايرن في عام 2013، وتحرك يعبر عن رغبة إداريي البيانكونيري بتقديم كرة تليق بالنادي بجانب الانتصارات.
ومن المعلوم أن ساري يحبذ امتلاك مدافعين قادرين على اللعب في خط دفاع متقدم، وهو ما لا يناسب المخضرم كيليني صاحب الخمسة وثلاثين عاماً، ولا زميله بونوتشي صاحب الاثنين وثلاثين عاماً، ولكنه القالب الذي يلعب فيه دي ليخت منذ كان في التاسعة من عمره.
لذلك لا شك أن هذه الصفقة من الانتقالات المنطقية في السوق الحالي على كل الأصعدة رغم الإجحاف والصورة الذهنية الخاطئة، وإن كان “دي ليخت” قد أثبت أحقيته بلقب أفضل مدافع شاب في العالم العام الماضي، فعليه أن يعمل بجدية أكبر ليثبت أفضليته في مستوى مختلف.