تحليل- محمد العولقي
منطقيا أثبت مدرب مانشستر يونايتد النرويجي أولي جونار سولشاير أنه مناور بارع حين أصاب هدفه بدقة شديدة دون الدخول في تعقيدات وروتينات إعلامية تضر بأكثر مما تنفع.
في هدوء وترو وبعيدا عن جعجعة الإعلام الإنجليزي الصاخب، وضع سولشاير نصب عينيه نصيحة معلمه السير أليكس فيرغسون: “إذا أردت أن تكسب التحدي في البريمر ليج عليك بإسناد مهمة الحسم للدفاع “.
وطبقا لتلك النصيحة الذهبية التي تختزل كل تقاليد السير مع الشياطين الحمر، لم يبعثر سولشاير حاسة حدسه كثيرا ، ففضل النرويجي تطويق عناصره والحفاظ على الاستقرار الدائم.
لكنه تفطن إلى حقيقة أن نصيحة السير الذهبية لن يؤتى ثمارها ما لم يتعاقد فورا مع مدافع قوي من الناحيتين الهوائية والذهنية.
ودون مضيعة للوقت وقع اختياره على المدافع العملاق هاري ماجواير، ضابط الخط الخلفي لفريق ليستر سيتي الإنجليزي، قرار تحول من رغبة إلى أولوية قصوى، حين أيقن سولشاير أن ماجواير هو العلامة الفارقة التي يمكن البناء عليها عند العودة إلى تقاليد السير فيرغسون.
ماجواير .. فوق الجميع
بدأ سولشاير هادئا وواثقا لأكثر من شهر ونصف وهو يناور ويرواغ غير آبه بما يحيط الصفقة الكبيرة من جدل ونقاش انتهت على خير، لكن بعد أن نجحت مفوضات ليستر سيتي في فرض المدافع الإنجليزي الدولي هاري ماجواير كأغلى صفقة في تاريخ البريمر ليج بالنسبة لمدافع طبعا..
فتح مانشستر يونايتد خزينته ودفع مقابل جلب ماجواير إلى الأولد ترافورد 80 مليون جنيه إسترليني، وهو رقم كبير عالميا تخطى صفقة انتقال الهولندي فيرجيل فان ديك من ساوثهامبتون إلى ليفربول لقاء 75 مليون إسترليني.
يمتلك المدافع ماجواير صاحب الستة والعشرين عاما خبرة دولية كبيرة غابت عن أذهان مدربين يحلمون بساتر دفاعي قوي، ربما لأن ناديه ليستر سيتي أحاطه بالكثير من الحماية اللازمة، خصوصا بعد تسرب الكثير من نجومه الذين أهدوه بطولة البريمر ليج قبل ثلاثة أعوام، على غرار الفرنسي نغولو كانتي المنتقل لتشيلسي والجزائري رياض محرز المنتقل الموسم الأخير إلى مانشستر سيتي.
إصرار سولشاير على التعاقد مع ماجواير وبهذا الصفقة الخرافية، لم يستسغها الكثير من الفنيين والمحللين المتذوقين لأشهى أطباق الدوري الإنجليزي، هناك من اعتبرها صفقة دعائية في المقام الأول، وهناك من يراها قاصمة للظهر ..
الحقيقة أن سولشاير جلب ماجواير بهذا البذخ المادي لا لأجل لفت الأنظار إلى فريقه، ولا لمجرد تعزيز خط الدفاع بلاعب كلاسيكي يجنبه الكثير من عثرات ليندلوف و إيريك بيلي وسمولنج، ولكن لأن للصفقة أبعادا تكتيكية واستراتيجية ووقائية.
فلسفة الكرات الطولية المركزة ..
إذا فتحنا نافذة تحليلية على استراتيجية السير أليكس فيرغسون طوال مكوثه مع المان يونايتد لأزيد من ربع قرن، سنكتشف أن عمق الدفاع هو من صنع كل تراث فيرغسون مع الشياطين الحمر.
لم يكن فيرغسون يؤمن بمهارات خط الوسط، فقد كان يمتلك كتيبة من المقاتلين الشرسين ي،غلب عليهم الطابع البدني على حساب الطابع الفني والمهاري، لكنه كان يولي عمق الدفاع عناية فائقة، ووفقا وقاعدة فيرغسون فليس كل مدافع مهما كان وزنه أو حجمه قادر على تنفيذ أفكار السير في لمح البصر.
تعاقد سولشاير- وهو خريج مدرسة السير- مع ماجواير يعدينا إلى نفس ما فعله السير عندما ترك كل مدافعي العالم بكل ثقلهم وتعاقد مع ريو فيردناند، ثم تبعه بالصربي نيمانيا فيدتش، فصنع من الأول ممررا عابرا للمساحات، وصنع من الثاني سورا عملاقا يصعب اختراقه أو القفز عليه..
واضح جدا أن سولشاير ينتهج نفس نهج أستاذه في تقوية عمق الدفاع بقطع غيار من نوع خاص، فهو يريد مدافع تنطبق عليه كل شروط القاعدة الذهبية التي وضعها فيرغسون ..
والسؤال الذي يطرح نفسه وبحاجة إلى تحليل فني يكشف تعبات هذا التعاقد: لماذا ماجواير تحديدا دون آخرين كانوا في المتناول وبسعر أقل؟
في تصوري أن التعاقد مع هاري ماجواير وبهذا المبلغ الكبير دليل على أن سولشاير قد غير قناعاته بخصوص عناصر الدفاع، فهو سيسعى هذا الموسم إلى تقليص نفوذ خط الوسط، بحيث سيبقى مجرد منطقة جمارك للتفتيش عن الكرات ودفع غرامة حماية عمق الدفاع..
ومع هذا المتغير التكتيكي البحث سيكون من العسير على سولشاير الاحتفاظ مستقبلا بالفرنسي الفنان بول بوغبا صانع الألعاب الذي يمزج بمهنية عالية بين استخلاص الكرات والتفرغ بعدها لصناعة اللعب، إما من العمق أو من جهة اليسار.
سيعتمد سولشاير على مبدأ الكونترا تاك بداية من العمق الدفاعي، وليس من عمق الوسط كما جرت العادة ، مبدأ تكتيكي يتطلب مدافعا ذكيا يحسن إرسال الكرات الدقيقة إلى المهاجمين من ستين إلى سبعين مترا، طريقة قد تجنب المان الاعتماد كثيرا على بول بوغبا صاحب المزاج الحاد والمتقلب دائما ..
وسيضطلع بهذا الدور التكتيكي الخطير المدافع العملاق هاري ماجواير ، فهذا المدافع قليل الأخطاء عند التمرير الطويل، وهو أكثر حدسا ودقة في نقل الكرات الطولية من سمولينغ أو ليندلوف.
معنى هذا أن ماجواير سيلتهم لوحده مساحة من الحرية تستهدف استكشاف الملعب والقيام بهذا الدور على أكمل وجه.
قد يقول أي رجل فني سطحي: إنها مهمة سهلة جدا لا تحتاج إلى مخزون بدني، لكن الذين يعرفون التطبيق النظري على أرض الملعب سيتأكدون أنها مهمة شاقة ومعقدة إلى أبعد الحدود لسببين منطقيين:
الأول: اكتشاف الملعب من عمق الدفاع يتطلب مدافعا بمواصفات ليبرو زمان كما كان يفعل الألماني فرانس بيكنباور.
الثاني: إسناد دور صناعة اللعب لمدافع عملية مرهقة بحق ، فهذا المدافع عليه أن يؤدي دورين مختلفين : مجابهة المهاجمين و من ثم تحويل الكرة إلى لمسة أخيرة أثناء نقلها بكل مساحتها الجغرافية نحو الهجوم ..
في تصوري أن ماجواير هو الرجل المناسب لتكتيك سولشاير، فهو سيكون دعامة وربما أيقونة لشاكلة 4/3/3، يمكنه أن يضيف لها الكثير من المرونة التكتيكية.
إذن السبب الأول الذي دفع سولشاير للتعاقد مع ماجواير يتعلق بضرورة الاعتماد على التمرير بعيد المدى، وهذا ينسجم مع تراث المان الذي لا يؤمن بالتيكي تاكا والتحضير أو تدوير الكرة..
ولم يكن سولشاير ليبرم عقدا طويلا مع ماجواير لولا أنه دقق ومحص في أرقام مدافع ليستر سيتي الموسم الفارط، هنا تؤكد الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل أن ماجواير كان أبرز لاعب يمرر من الخلف كرات حاسمه للمهاجمين.
يراهن سولشاير على أن قرار تسليم مقاليد الأمور التكتيكية لهاري ماجواير في عمق الدفاع سيخلق حلولا للشق الهجومي، عند تنفيذ مبدأ الهجمات المرتدة من العمق، وسولشاير قد جرب الموسم الماضي هذا السلاح في المباريات الصعبة نجح في قليلها وفشل في كثيرها.
على صعيد القليل نجحت الطريقة نجاحا باهرا في إقصاء باريس سان جرمان من ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا إيابا في البارك دي برنس، لكنها سقطت سقوطا مروعا في نفس البطولة أمام برشلونة ذهابا و إيابا.
تعتمد فلسفة سولشاير – كما كان الحال مع السير فيرغسون – على الضغط العالي من العمق، كان الفريق ينجح في شق الاستخلاص غير أنه يفشل كثيرا في إرسال الكرات الطولية البالونية الدقيقة نحو المهاجمين.
وعندما يقف ماجواير بين أبرز ثلاثة مدافعين في البريمر ليج يرسلون تمريرات طولية ناجحة فإن هذه النسبة تؤكد ذكاء سولشاير في الاختيار، كما أنها ستضع ماجواير في مرتبة بعيدة عن مدافعي (المان) كريس سمولنج وفيل جونز وفيكتور ليندلوف.
بطل الالتحامات الهوائية ..
أسألكم: من هو المدافع الذي فاز وانتصر في معظم الالتحامات الهوائية الموسم الأخير ..؟
ربما تقفز بكم الإجابة إلى مدافع ليفربول الهولندي فان ديك ، يؤسفني إخباركم أنكم مخطئون، لأن المدافع الذي حصد أكبر نسبة في الالتحامات الهوائية هو هاري ماجواير بقميص ليستر سيتي وليس فان ديك.
هذه الميزة استرعت انتباه سولشاير عند قراءة ملف محاسن ماجواير ، ووجوده سيزيد من قوة المان الهوائية..
لاحظوا أن اليونايتد الموسم الماضي كان من أخطر فرق الدوري الإنجليزي في الكرات الهوائية سواء من الناحية الدفاعية أو من الناحية الهجومية.
و عندما يشير كشف حساب ماجواير إلى أنه سجل الموسم الماضي مع ليستر سيتي أربعة أهداف من الكرات الثابتة الهوائية التي ترسل بالونية إلى منطقة الجزاء، فلاشك أن هذا الرقم سيكبر مع فريق هو أصلا متخصص في ألعاب الهواء دفاعيا وهجوميا.
أصبح هاري ماجواير أكبر لاعب في البريمر ليج متخصص في الالتحامات الهوائية، فهو يجيد السيطرة على أجواء منطقة جزاء فريقه أمام أطماع لاعبي الهواء، وهو كذلك عنصر فعال في تهديد مرمى الخصم عند الكرات الثابتة، سواء كانت ركنيات أو كرات منحرفة ثابتة..
سيكون ممتعا لأي خبير فني متابعة تكتيك سولشاير التقليدي الذي يعيدنا إلى صرامة الكاتناشيو لصاحبها هيلينيو هيريرا، سيكون الفارق هنا هاري مجواير المنتدب الجديد الذي فرض على سولشاير العودة مجددا إلى تقاليد معلمه الأول السير أليكس فيرغسون ..!