تحليل- أحمد مختار
صيف ساخن جداً بالنسبة لأتليتكو مدريد، بعد رحيل كل من فيليبي لويس، خوانفران، دييجو جودين، رودري، لوكاس هيرنانديز، وأنطوان جريزمان. ربما الحرس القديم رحل بالكامل باستثناء لاعب أو اثنين، لذلك شهد صيف الأتليتي عديدا من الأخبار والصفقات والانتقالات، مع حقيقة واحدة غير قابلة للشك..
أن نوعية القادمين مختلفة هذه المرة، وكأن الروخيبلانكوس يقوم بتغيير جلده بشكل راديكالي، لدرجة أن الجميع أصبح في انتظار دييجو سيميوني الذي يهاجم ولا يعود للدفاع كعادته.
سيميوني ليس مؤسس هذا الأسلوب الدفاعي، لكنه أحد أهم مطوريه، من خلال فن التحكم في الفراغات من دون الكرة، وتمرين لاعبيه في أماكن ضيقة بالتدريبات، لإجادة التمركز الإيجابي وتقليل الفراغات أمام الخصوم، مع وضع أكثر من لاعب في وبين الخطوط، لذلك أصبح الطريق إلى مرمى أوبلاك صعبا، ونجح الأتليتي في الحفاظ على شباكه نظيفة خلال مباريات عديدة، لكن من دون فوز بدوري الأبطال.
ربما يرجع السبب إلى سوء توفيق في ركلات الجزاء، أو هدف قاتل برأسية راموس في الدقيقة الأخيرة، أو قصور تكتيكي بسيط من سيميوني في بعض المواقف، التي لا تحتمل التردد أو الاكتفاء بالدفاع، وهذا ما يقودنا إلى تحليل الميركاتو الحالي للفريق العاصمي.
يمكن القول إن تعاقدات أتليتكو يغلب عليها الطابع الهجومي هذه المرة، بعد ضم كل من جواو فيليكس، واقتراب جلب رودريجو مورينو، بالإضافة إلى حصوله على لاعبين مميزين بالكرة في الوسط وحتى الدفاع، مثل ماركوس يورنتي القادم من ريال مدريد، وكيران تريبير ورينان لودي، لذلك تم تغيير جلد المجموعة بطريقة مبالغ فيها بعض الشيء، مما يعني إمكانية زيادة الحيازة، تقليل التحولات، وبالطبع الاحتفاظ بالكرة وعدم اللجوء إلى الشق البدني على طول الخط.
سيميوني لا يعرف سوى خطة لعب 4-4-2، بالتالي لن يقوم بتغييرها خلال الموسم القادم، إلا أنه سوف يعطيها مزيداً من الحلول والأدوات، كتواجد جناح بقيمة جواو فيليكس، لديه المهارة والقدرة على الصناعة والتسجيل، مما يعني فعالية أكبر من ساؤول، ليمار، كوكي، كوريا، وكل من شارك في هذا المركز خلال آخر موسمين.
جريزمان اسم ثقيل للغاية، يسجل ويصنع ولديه دور محوري في الخطة. مع رحيله، جاء الشولو بأكثر من اسم لذلك قد يشارك جواو فيليكس مكانه، أو يلعب رودريجو مورينو في حال إتمام انتقاله كنصف مهاجم ونصف لاعب وسط، بالإضافة إلى تواجد الثنائي موراتا ودييجو كوستا من الأساس.
تقودنا كل هذه الأسماء إلى قدرة على تعويض الفرنسي هجومياً بالشكل المطوب، لكن ماذا عن الجزء الخاص بالدفاع وصناعة اللعب من الخلف؟
ماركوس يورينتي لاعب جيد جداً بالكرة، أرقامه تؤكد تفوق واضح في التمرير، دقته، عدده، وبالتأكيد تنوعه بين القصير والقطري والطولي. لكنه يحتاج عمل أكبر من دون الكرة، خصوصا في الشق الدفاعي، والأهم من كل ذلك، الاستشفاء الطبي واللعب عندما يكون جاهز بدنيا لأن إصاباته تعتبر مبالغ فيها قياسا بسنه وعدد دقائق لعبه.
مع أتليتكو مدريد، اختار دييجو سيميوني هذه النوعية من لاعبي الوسط من جديد، خلافاً للعنصر البدني القوي المتمثل في جابي ومن بعده رودري على نطاق أقل.
تريبير لاعب هجومي بامتياز مقارنة بخوانفران وفيرساليكو على اليمين، فالإنجليزي يهاجم باستمرار ولديه عيوب دفاعية من الأساس فيما يخص التغطية من دون الكرة.
كذلك البرازيلي رينان لودي يعتبر أفضل على مستوى الهجوم قياساً بما شاهدناه سابقاً مع الخبير فيليبي لويس الذي كان يمتاز بالعنف المشروع والقوة الدفاعية المبالغ فيها أحياناً، أي أن أتليتكو جلب ثنائي من الأظهرة مميز هجومياً عكس ما كان يملك من مجموعة تدافع أكثر مما تتقدم إلى الأمام.
هيرموسو نفسه مدافع إسبانيول السابق لديه إمكانات جيدة ومستقبل مشرق، لكنه لا يقارن أبداً بقوة وصلابة دييجو جودين الذي انتقل إلى إنتر ميلان بالمجان، دون نسيان المكسيكي هيكتور هيريرا الذي لعب لسنوات طويلة في نظام هجومي قائم على التحولات السريعة، سواء في بورتو أو منتخب بلاده.
ونتيجة لكل ذلك فإن تدعيمات أتليتكو هذه المرة تختلف بشكل جذري عن الأسماء التي يعرف سيميوني كيف يتعامل معها.
من المتوقع أن يتحسن أتليتكو الجديد على مستوى الهجوم، صحيح أن هذه الأسماء لن تستطيع المنافسة على الشامبيونزليج مثل الجيل السابق، بسبب قلة اندفاعهم البدني ونقص خبرتهم مقارنة بالراحلين، إلا أنهم أفضل كثيراً على مستوى الكرة..
مع وجود لاعب شاب مثل جواو فيليكس يستطيع إيجاد الحلول أمام الدفاعات المتكتلة، مما يعني منافسة حقيقية على لقب الليجا مع برشلونة وريال مدريد، حتى وإذا كلفهم الأمر حظوظاً أقل في المباريات الإقصائية في أوروبا.
“أن تلعب كرة قدم سهلة هو أصعب شيء ممكن”، يقول كرويف هذه المقولة ليتبعه مينوتي بتصريح آخر للتاريخ، عندما صرح بأن الدفاع أسهل من الهجوم نظرا لصعوبة وضع السؤال مقارنة بالإجابة عليه.
وتبدو هذه الكلمات منطقية لوصف حالة سيميوني، فالرجل أوجد نظاما دفاعيا صلبا وممتازا، لكن عندما تعلق الأمر بالهجوم المنظم، سقط في فخ التكرار والرتابة وفقدان التركيز في لحظات الحسم.
ليس بالضرورة أن يهاجم سيميوني مثل جوارديولا أو يضغط كيورجن كلوب، لأن كل مدرب له أسلوبه الذي يعتبر خطا أحمر بالنسبة له، لكن عليه أن يعدل من بعض إستراتيجياته الهجومية، خصوصاً أنه سيحصل على الكرة أكثر من السابق، مما يعني حاجته إلى التجديد على مستوى الأدوات والخطط والتكتيكات حتى يستطيع الاستفادة القصوى من العناصر الجديدة التي يمتلكها، ويضع لهم البنية المطلوبة التي تسمح بتألقهم.
الحقيقة أن هذا التغير لا يعتبر وليد الصدفة في مدريد، لأن أتليتكو حاول في شيء مشابه خلال صيف 2018 لكنه لم ينجح بالشكل المطلوب. جلب أتليتكو أكثر من لاعب هجومي مميز، مثل ليمار ومارتينيز وحتى رودري، بالإضافة لثنائية هجومية لا تتواجد في أعظم أندية أوروبا والعالم، مع جريزمان وكوستا.
إلا أن النتائج لم تكن كذلك، ليفشل ليمار ويرحل جيلسون ويهرب جريزمان، لا يزال سيميوني في حاجة إلى لمحة هجومية أكثر وضوحاً، إلى جرأة أكبر في التغييرات، وفراسة حقيقية في قراءة المباريات، عند التأخر في النتيجة أو التعادل أمام خصم يدافع مثله، فهل يتغير الشولو ولو قليلاً، أم يكتفي بالتمثيل المشرف، الذي لم يعد يسمن ولا يغني من جوع!؟