ماضي لامبارد اللاعب.. مشكلته الأولى كمدرب

تقرير- محمد يوسف

بعد قرون من الآن، وعندما يتحول العالم إلى أرضٍ خراب، وتتحول ملاعب كرة القدم إلى أنقاضٍ نصف مدفونة في رمال الصحراء، ستهب بعض الرياح في الوادي القفر، حاملةً على أنسامها هذا السؤال: «لكن إذا كانوا لاعبين عظماء، فلماذا لم يتمكنوا من اللعب معاً؟».

سوف يجتمع البشر الباقون على قيد الحياة داخل الكهوف، ويتشاجرون على نصيبهم من المحاصيل القليلة المتبقية، وينقسمون بتعصبٍ إلى قبيلتين، الجيرارديين (نسبة إلى ستيفن جيرارد) واللامبارديين (فرانك لامبارد).

يصمّون آذانهم عن الجهود التي تبذلها جماعات الأقليات مثل الباريريين (جاريث باري) والهارجريفيين (أوين هارجريفز) في سبيل توحيدهم. لا يلقون اهتماماً، الآن كما كانوا في الماضي، باقتراح أمير الحرب المخلوع «كابيللو» بأنه من الممكن أن يصلح هذا الأمر إذا كان الجيراردييون وحدهم يمكنهم احتلال الأرض على اليسار.

يبدو في بعض الأحيان كما لو أن الجدال حول ثنائية لامبارد-جيرارد سيظل للأبد السؤال المصيري الذي يمثل تراجع حضارتنا. من غير المعقول أن يظل نفس السؤال ملائماً الآن، بعد خمسة عشر عاماً من بداية ظهور المعضلة لأول مرة في بطولة أمم أوروبا 2004، ومع ذلك يظل السؤال قائماً. بل ويمكنه أن يحدد مسيرة فرانك لامبارد كمدير فني.

قال فاليري لوبانوفسكي، المدرب القدير لفريق دينامو كييف، ذات مرة: «لكي تكون مديراً فنياً، يجب أن تنسى اللاعب الذي كنت عليه في الماضي». لن يملك لوبانوفسكي، المدير الفني المتشدد الذي تحركه الإحصائيات، أي وقت للاعب الجناح الزئبقي لوبانوفسكي.

من الصعب أن يتساوى الاثنان. بالمثل، جورج جراهام المدرب الذي اهتم بتدريبات الرباعي الخلفي (back four) (عندما يدافع رباعي قلب الدفاع كوحدة واحدة) بلا هوادة، مع جورج جراهام اللاعب الذي كان يتجول في خط وسط الأرسنال ومانشستر يونايتد.

لكن العلامات المبكرة لإدارة لامبارد الفنية تؤكد وجود العديد من أوجه التشابه، الواعدة والمثيرة للقلق على حد سواء، بفترته كلاعب.

لامبارد

مع بدء المباريات الرسمية للموسم، الأولى في ملعب أولد ترافورد، ثم نهائي كأس السوبر أمام أبطال أوروبا، بدا الأمر قاسياً للغاية، ومن المنطقي الاعتراف بذلك.

لكن ما يلفت النظر في مباراتي لامبارد حتى الآن مع تشيلسي هو المشاكل التي ظهرت في خط الوسط؛ بدت تلك المشاكل ضد مانشستر يونايتد وكأنه يتماشى تماماً مع مسيرته كلاعب، بينما ظهرت ضد ليفربول كأنها استمرار، مع بعض التعديل البسيط، للعديد من المشاكل التي واجهها ماوريسيو ساري الموسم الماضي.

كان تشيلسي ممتازاً أثناء الاستحواذ على الكرة، وتميزت تمريراتهم بالسرعة والنشاط في كلتا المباراتين ومؤشرة بأن بإمكانهم التغلب على المنافسين الأقل بسهولة، ولو لم يسددوا عدداً من الكرات في الشوط الأول في العارضة، لربما تمكنوا من تحقيق فوز مثير للإعجاب في مواجهة المنافسين الأقوى كذلك.

كانت المشكلة الحقيقية عند اللعب بدون الكرة، خاصةً على ملعب أولد ترافورد، وعلى الرغم من أن اليونايتد كان قوياً جداً، إلا أنه وحتى إحراز الهدف الثاني، كان يبدو وكأن تشيلسي هو من سيفوز. وسدد تشيلسي 18 مرة، سبعة منها على المرمى، مقابل 11 تسديدة لليونايتد، خمسة منها على المرمى.

ولكن ما تذكره الإحصائيات، رغم ذلك، هو أن معدل الأهداف المتوقعة (expected goals) رشح كفة اليونايتد للفوز، حيث كان 2.37، مقابل 1.37 لصالح تشيلسي. وعلى الرغم من سيطرة تشيلسي على الكرة، ورغم تسديدة تامي أبراهام التي اصطدمت بالعارضة، وتسديدة أيمرسون بالميري التي اصطدمت بالقائم. إلا أن عجزهم عن اللعب بتماسك في الوسط جعلهم عرضة للهجمات العكسية بكل سهولة، مما أدى إلى جودة الفرص التي خلقها لاعبي اليونايتد.

ربما تكون مقارنةً غير عادلة، حيث أن مسيرة لامبارد كلاعب ما زالت حية في الذاكرة، لكن نتذكر التصفيات المؤهلة لكأس العالم في فيينا في سبتمبر 2004، والمساحات الشاسعة التي انفتحت أمام منتخب النمسا مع رجوعه في النتيجة من 2-0 إلى التعادل مع منتخب إنجلترا.

انتهى الأمر بتقديم الحارس ديفيد جيمس كبش فداء في تلك الليلة، ولكن كانت المشكلة الأخرى هي عدم وجود حماية للرباعي الدفاعي الإنجليزي من ثنائي لاعبي خط الوسط آنذاك لامبارد وجيرارد.

أضف إلى ذلك أن إحصائيات «Opta» التي تُظهر أن فريق ديربي، عندما كان يدربه لامبارد، استقبل نسبة أكبر من أهدافه بسبب الهجمات المرتدة السريعة، أكثر من أي فريق آخر في البطولة الموسم الماضي. الاستنتاج هنا واضح: إذا لم يتمكن لامبارد من تنظيم خط وسط كان يلعب فيه بنفسه، فلماذا يجب أن يتمكن من تنظيمه وهو في كرسي المدير الفني خارج الملعب؟

نادراً ما تكون كرة القدم بهذه الوضوح والبساطة. ما يميز مسيرة لامبارد التدريبية القصيرة حتى الآن هي السرعة التي يتعلم بها. وربما أبرز مثال على ذلك، بعد تعرضه لثلاث هزائم أمام ليدز في الموسم الماضي، أجرى تعديلات تكتيكية في المباراة الرابعة، والتي كانت حاسمة في بلوغ فريقه دربي نهائي التصفيات.

لابد وأن تُوجد بعض المخاوف من تعرض تشيلسي لهجمات ليفربول، الذي يمكن القول إنه أفضل فريق في العالم في الهجمات المرتدة السريعة، لكنها لم تُوجد.بالطبع جاءت عودة نوجولو كانتي بفوائد كبيرة على الفريق؛ ستساعد طاقاته الهائلة، وقدرته على قراءة اللعب في تماسك أي خط وسط.

لكن حتى في هذه الحالة، يُوجد سبب يدعو للقلق؛ لأن لامبارد واجه مشكلة لم يتمكن ساري من إيجاد حل لها: من الصعب للغاية وضع جورجينيو وكانتي في نفس المكان من خط الوسط. هم لاعبان مختلفان تماماً عن لامبارد وجيرارد، ومختلفان عن بعضهما البعض كذلك، ولكن المشكلة الأساسية متشابهة: لاعبان يرغبان بتأدية أدوار في نفس المساحة من أرض الملعب.

كان من المتوقع أن لامبارد، الذي استخدم تشكيلات 4-3-3 و4-2-3-1 مع ديربي الموسم الماضي، قد يتخلى عن تشكيل ساري المفضل 4-3-3، ويبحث عن نظام خططي يسمح له بإشراك كانتي إلى جانب جورجينيو في الوضع المثالي، مع إشراك لاعب مبدع أمامهم ليوفر صناعة الأهداف من خط الوسط، والذي افتقده تشيلسي منذ رحيل سيسك فابريجاس.

ولكنه في إسطنبول تمسك بسياسة ساري المتمثلة في وضع جورجينيو في المنتصف، كانتي على يمينه وماتيو كوفاسيتش على يساره. وعلى الرغم من تألق كانتي، إلا أن قدرات جورجينيو المحدودة دفاعياً سببت مشكلة كبيرة.

بعد نزول فيرمينو، لم يتمكن جورجينو من السيطرة على أي لاعب يسقط إلى منطقته، وأثناء هدف ساديو ماني الثاني، تم استدراجه إلى الكرة، تاركاً لمهاجم ليفربول الحرية على حافة منطقة الجزاء.

إلى حد ما، تأتي الصعوبات التي يواجهها لامبارد الآن بسبب تشكيل الفريق، لكن لن يتغير هذا الأمر في أي وقت قريب؛ وهو بحاجة لإبراز قدرته على إيجاد توازن دفاعي، وأن يعثر عليه بطريقة لا تعتمد بالكامل على نجولو كانتي.

تقرير مترجم لجوناثان ويلسون في صحيفة جارديان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى