الخلافات مع الوزارة حقيقة أم مجرد شكوك؟ “الأولمبية العمانية” بين الأمس واليوم… ماذا تغير؟

 

توووفه- مسقط

رغم مرور ما يقارب من خمسة عقود من عمر الحراك الرياضي في السلطنة، إلا أن المنجز المتحقق في هذا القطاع الحيوي يعد متواضعًا للغاية مقارنة مع حجم الإنفاق خلال؛ فعلى المستويات كافة مازلنا لم نتجاوز حاجز إنجازات المصادفة التي تتحقق نتيجة بروز ظواهر رياضية على المستوى الفردي، والتي غالبًا لا تستثمر بالشكل الذي يجعلها تخرج أفضل ما لديها. استمرار قعقعة الصفر في خزينة المنجز الرياضي العماني على المستوى الأولمبياد العالمي، أو البطولات الدولية بمختلف مجالاتها، في حين نجاح دول متواضعة على مستوى الإمكانيات المادية والبشرية في تحقيق ميداليات دولية وأولمبية وظفرها بألقاب قارية وعالمية، يجعلنا نتساءل هل حقًا تمتلك السلطنة إدارة رياضية فاعلة؟ وهل هناك رغبة حقيقية للارتقاء برياضات السلطنة المختلفة؟ أسئلة تتدحرج في أوردة وشرايين جميع المهتمين بهذا القطاع من جماهير أو منتسبين وتغص بها أفئدتهم في انتظار الإجابة.

 

جميع الأعراف والقوانين الرياضية الدولية في الألعاب المختلفة تحرم تدخل الحكومات في هذا القطاع، إلا في حدود ضيقة للغاية، ولا تؤثر على السياسات العامة للمؤسسات الرياضية المحلية التي تخضع لمؤسسات الرياضة القارية والدولية، وبالتالي تصبح اللجنة الأولمبية المحلية هي المظلة الأم لمختلف الاتحادات واللجان الرياضية المحلية، لكن واقع الحال يظهر عكس ذلك؛ فاللجنة الأولمبية التي تضم في عضويتها رؤساء اتحادات وشخصيات رياضية نافذة، يتم التعامل معها كأي اتحاد، وعندما نقارن إمكانياتها المادية والبشرية مع اتحاد مثل القدم نجد أن إمكانيات هذه المؤسسة ذات الحضور القوي في معظم دول العالم متواضعة للغاية. أولمبيًا ونتيجة لسياسات غير مفهومه سواء من قبل وزارة الشؤون الرياضية، أو من الإدارات المتعاقبة على هذه اللجنة الأولمبية عجزنا عن تجاوز الإرث المتواضع من الميداليات القارية، على عكس دول الجوار التي حققت جميعها ميداليات ترصع بها إرثها الدولي، وبدل أن نحقق تقدم مع تعدد المشاركات وتراكم الخبرات، بتنا نتقهقر إلى الوراء، ونداري خيباتنا بشعارات المشاركة الشرفية واكتساب الخبرات التي منذ أكثر من ٤٧ عامًا لم نكتفِ منها!

ولتبيان واقع الحال سنحاول خلال الأسطر القادمة تقديم سرد تاريخي للبدايات الأولي لعمل اللجنة الأولمبية وما تحقق منذ تلك الفترة وحتى الراهن الحالي.

البدايات الأولى

تأسست اللجنة الأولمبية العمانية في عام 1982 وذلك بموجب المرسوم السلطاني رقم (42/1982م) الصادر في شأن قانون الهيئات الخاصة العاملة في المجال الرياضي، وترأس عبدالله بن حمد آل علي أول مجلس لإدارة اللجنة الأولمبية العمانية حيث كان يشغل في تلك الفترة منصب مدير عام شؤون الشباب في وزارة التربية والتعليم والشباب والتي كانت تشرف في تلك الفترة على جميع الهيئات الخاصة العاملة في المجال الرياضي.

في هذه المرحلة تم الاشتغال على انضمام اللجنة الأولمبية العمانية إلى المنظمات الدولية والقارية، وتنظيم اللجنة من الداخل وهيكلتها ونظامها الداخلي والمشاركة الأولى في دورات الألعاب الأولمبية الصيفية، وكان ذلك في الدورة الثالثة والعشرين في مدينة لوس نجلوس 1984م.

وفي 14 يناير 1985 تم إعادة إشهار اللجنة الأولمبية العمانية واعتماد نظامها الأساسي بموجب القرار الوزاري رقم (4/85م) الذي أصدره وزير التربية والتعليم والشباب وتبعه القرار (5/85م) بتشكيل مجلس إدارتها والذي ترأسه سعادة حماد بن حمد الغافري، وقد شهدت هذه المرحلة الانضمام إلى معاهدة نيروبي لحماية الرمز الأولمبي، وتكوين اللجان العاملة للجنة الأولمبية العمانية ومنها المكتب التنفيذي للجنة، ولجنة التخطيط والمتابعة والتي تكونت في 25 أبريل 1989م وكان من اختصاصاتها متابعة إعداد المنتخبات الوطنية المشاركة في الدورات الأولمبية والدولية والقارية وكذلك في المباريات الدولية داخل السلطنة وخارجها.

وشاركت السلطنة ممثلة في اللجنة الأولمبية العمانية في دورة الألعاب الأولمبية الرابعة والعشرون التي أقيمت في سيؤول كوريا الجنوبية في عام 1988م والتي شهدت وصول العداء الدولي محمد بن عامر المالكي إلى مرحلة السباق النهائي في سباق 400 متر، ولكنه لم يستطع تحقيق مركز متقدم، وكذلك شاركت اللجنة الأولمبية العمانية خلال حقبة الثمانينات في عدة بطولات قارية أخرى منها: دورة الألعاب الآسيوية التاسعة في الهند عام 1982م ودورة الألعاب الآسيوية العاشرة سيؤول 1986م والتي شهدت أول إنجاز كبير على مستوى الرياضة العمانية في تلك الفترة عندما حقق العداء الدولي محمد بن عامر المالكي برونزية سباق 400 متر بزمن قدره (46:42).

أول وآخر ميدالية ذهبية

بدأت حقبة التسعينات للجنة الأولمبية العمانية بتحقيق إنجاز كبير على مستوى القارة الآسيوية حققه العداء الدولي محمد بن عامر المالكي في سباق 400 متر بزمن قدره (45:81) في دورة الألعاب الآسيوية الحادية عشرة والتي أقيمت في مدينة بكين في الصين خلال الفترة من 22 سبتمبر – 7 أكتوبر من عام 1990م، وكانت السلطنة في الترتيب 15 في الجدول العام للدول التي حصلت على ميداليات من أصل 36 دولة مشاركة من القارة الآسيوية بعد دولة قطر التي أحرزت المركز الثامن بمجموع 6 ميداليات منها 3 ذهبية وفضيتان وبرونزية، وتقدمت على المملكة العربية السعودية التي أحرزت ميدالية برونزية، احتلت بها المركز الـ25 في الترتيب العام، بينما لم تحقق دول الكويت ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة أية ميداليات.

وعلى المستوى الإداري فقد شهد فصل وزارة التربية والتعليم عن الهيئات الخاصة العاملة في المجال الرياضي من خلال إنشاء الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية في عام 1991 والتي أصبحت تشرف بشكل مباشر على أعمال الهيئات الرياضية، ومنها اللجنة الأولمبية العمانية كي يصبح فيما بعد رئيس الهيئة هو نفسه رئيس مجلس إدارة اللجنة الأولمبية العمانية. وقد شهدت هذه المرحلة ارتفاع في عدد الإداريين، وكذلك الفرق المشاركة في دورات الألعاب الرياضية المشاركة في مختلف المحافل الرياضية. وحققت السلطنة في عام 1998م إنجازًا آخر تمثل في حصول فريق التتابع لميدالية برونزية في دورة الألعاب الآسيوية الثالثة عشرة التي أقيميت في تايلند.

الألفية الجديدة

شهدت هذه الفترة وتحديدا في أكتوبر من عام 2004 صدور مرسوم سلطاني بإنشاء وزارة مختصة بالشؤون الرياضية، واستمر الوزير في رئاسة مجلس إدارة اللجنة العمانية. كما شهدت هذه الفترة الاشتغال على قانون الهيئات الرياضية الخاصة، الذي صدر في عام 2007م، وتبعه صدور النظام الأساسي للجنة الأولمبية العمانية، والأنظمة الأخرى الخاصة بالاتحادات الرياضية، والأندية الرياضية.

كذلك شهدت هذه المرحلة الاهتمام المتزايد بالمنشآت الرياضية وأهمية وجود خطط وبرامج طويلة المدى يتم الاشتغال عليها بالتعاون مع الاتحادات الرياضية، كما شهدت انحسار التدخل الحكومي المباشر في انتخابات الاتحادات الرياضية فأصبحت الجمعيات العمومية هي المسؤولة عن اختيار مجالس إدارات الاتحادات الرياضية بينما بقى الحال على ما هو عليه في اللجنة الأولمبية، وشهدت هذه المرحلة ارتفاع المبالغ المقدمة لدعم البرامج الرياضية المتنوعة، وكذلك الإعلان عن إستراتيجية الرياضية العمانية واعتمادها من قبل مجلس الوزاراء، وكذلك الإعلان عن إقامة أكاديمية السلطان قابوس للقدرات الرياضية التي لم تر النور حتى اليوم!

وشاركت السلطنة ممثلة في اللجنة الأولمبية العمانية في جميع الدورات الأولمبية (3 دورات متتالية) ودورات الألعاب الآسيوية (3 دورات متتالية) دون إحراز ميداليات تذكر في مثل هذه البطولات المهمة التي يشارك فيها صفوة اللاعبين في مختلف الألعاب الرياضية وتحظى بالاهتمام العالمي.

المرحلة الحالية

شهدت هذه الفترة تغيرا كبير في النظام الأساسي للجنة الأولمبية العمانية إذ أصبحت مستقلة في اختيار مجلس إداراتها من خلال جميعتها العمومية، فأصبح نظامها الأساسي الجديد المعتمد من اللجنة الأولمبية الدولية في عام 2012م هو المرجع الأول لكل شؤونها، وتم انتخاب مباشر لمجلس إدارة اللجنة الأولمبية العمانية في عام 2013 برئاسة خالد الزبير والذي حصل على ثقة الجمعية العمومية لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي جرت في عام 2017م.

خلال هذه المرحلة استمرت السلطنة في المشاركة في الدورات الأولمبية (لندن 2012 وريدوجانيرو 2016) دون نتائج تذكر، وكذلك شاركت في دورات الألعاب الآسيوية (2010 في الصين و 2014 في كوريا) بدون إحراز أية ميداليات ملونة.

بالعودة إلى الإدارة الحالية لمجلس إدارة اللجنة الأولمبية العمانية التي تولت قيادة اللجنة في عام 2013م حاملة معها عنوانا عريضا (الرياضة من أجل التنمية) وهي نفس الرؤية لم تتغير حتى اليوم مع نفس الأهداف التي أعلن عنها قبل الانتخابات الأولى، يلحظ المتتبع ما يصدر عن اللجنة الأولمبية العمانية من طموحات كبيرة وآراء واثقة، لكن لا يجد له أثرا واضحا على أرض الواقع، ويتسائل لماذا لا تقوم اللجنة بتطبيق ما تتحدث عنه؟ هل هناك معوقات تقف أمامها؟ وإذا كانت هناك معوقات فما هي؟ وكيف يمكن تجاوزها؟ إجابة هذه الأسئلة تصب في اتجاه تأكيد علاقة الفتور التي يشير إليها بعض المراقبين، الذين يلمحون إلى وجود حالة من عدم التفاهم، وفتور العلاقة بين المؤسسة الحكومية المعنية بالرياضة العمانية وبين اللجنة الأولمبية التي تتكون في الأصل من الهيئات الخاصة العاملة في المجال الرياضي، ومن المؤشرات على ذلك تنظيم ندوة (الرياضة من أجل مجتمع نشط) في مجلس الشورى دون التنسيق المسبق مع وزارة الشؤون الرياضية مما حجم حضور مسؤولي الوزارة في الندوة المذكورة.

 

بينما يعتقد آخرون أن وزارة الشؤون الرياضية أصبحت تتعامل مع اللجنة الأولمبية العمانية بحذر شديد لأن اللجنة -حسب الوزارة- تتجاوز صلاحيتها الممنوحة لها في النظام الأساسي وتعمل بشكل واضح على منازعة الوزارة في بعض الشؤون المتعلقة بالاتحادات الرياضية بحجة الاهتمام بإعداد المنتخبات الوطنية التي تشارك في الدورات الرياضية الخارجية، ومراكز إعداد الناشئين التي تشرف عليها وزارة الشؤون الرياضية حتى الآن، ولا نعلم بالدقة إن كان هناك تنسيق مستمر بين المؤسستين في موضوع إعداد اللجنة الأولمبية العمانية لمشروع إستراتيجية جديدة (طموحة) ستتعرض لأهم المسارات التي ترى اللجنة الأولمبية العمانية أنها مهمة وستسهم في تطوير الرياضة العمانية.

مستقبل غامض..

الخلاصة أن النتائج الرياضية التي حققتها السلطنة قبل أكثر من 30 سنة أفضل بكثير على المستوى القاري من النتائج التي تحققها الآن بالرغم من أن التجهيزات والمنشآت والدعم المادي في تلك المرحلة أقل بكثير من ما هو موجود عليه الآن.

بجانب أن المشهد الحالي لا يدعو للتفاؤل إن صدقت المعلومات المتواترة عن وجود خلافات كبيرة في وجهات النظر بين وزارة الشؤون الرياضية واللجنة الأولمبية العمانية كون أنهما يمثلان هرمي الرياضة في السلطنة، ولا نتوقع أن تكون هناك نتائج مشرفة على المستوى الأولمبي، أو الآسيوي إن ظلت اللجنة الأولمبية العمانية خارج دائرة المرضي عنهم في حسابات وزارة الشؤون الرياضية، وإن استمر التعامل معها كما يُتعامل مع بقية الاتحادات واللجان الرياضية؛ فاللجنة الأولمبية لا ينبغي أن تكون مجرد جسر عبور للمشاركات الدولية، كما ينبغي أن يكون طموح إدارتها أكبر من مجرد مشاركة مشرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى