الأسرار الخمسة.. وقصة “البوندسليجا” من الداخل

ميونيخ– وليـد العبـري

اختتم الوفد العربي مؤخرا زيارته لألمانيا والتي كانت بدعوة من نادي “البوندسليجا” بالتعاون مع الناقل الحصري للبطولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “beIN sports”.

وشملت الجولة زيارة لناديي بايرن ميونيخ وإينتراخت فرانكفورت، وحضور مواجهتيهما في الجولة الثالثة من الدوري أمام ماينز وفورتونا دوسلدورف.

كانت التجربة فريدة، كونها عايشت كرة الألمان من الداخل ولمست حجم التقدير الذي تحظى به الساحرة المستديرة في هذا البلد، تقدير وتقديس وتبجيل للكرة لا مثيل له.

هنا كرة القدم نمط حياة خاصة للألمان، وتمشي بدقة تضاهي “بيج بن” وتستخدم آخر صيحات التكنولوجيا لأجل أن يستمتع الجميع بكل تفاصيلها.

وبدأت الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام بحضور الوفد ورشة الدوري الألماني في استاد “آليانز أرينا” الخاص بنادي بايرن ميونيخ، ألقاها هينينج برينكمان مدير مبيعات الحقوق المسموعة والمرئية في منطقتي أفريقيا وأوروبا في البوندسليجا، وبحضور دانيال باركر مدير العلاقات العامة الدولية ولورا فوجل موظفة التسويق الدولي.

ومن خلال هذا التقرير الخاص تسلط “توووفه” الضوء على الدوري الألماني من الداخل، لتسرد معه الحكايات والأرقام التي تم الحديث عنها في الورشـة.

كرة القدم كما يجب أن تكون

يرفع الدوري الألماني شعار “كرة القدم كما يجب أن تكون”، وهو يطبق هذه المقولة بكل تفاصيلها الدقيقة والبسيطة، هكذا تقول لغة الأرقام، البوندسليجا تعني باللغة الألمانية “الدوري الاتحادي” تأسس فعليا عام 1963، وقبل ذلك كانت كرة القدم تسري في عروق الألمان وتجوب كل الأزقة والمدن.

بدأ أول دوري في ألمانيا مطلع القرن الماضي باسم دوري المقاطعات، وفي فترة الحكم النازي لألمانيا توسع الدوري تحت مسمى “غواليجا”، وبعد الحرب العالمية الثانية كان الدوري يسمى بـ “أوبرليغا”، وفي عام 1963 بعد أن بُعثت ألمانيا حديثة تحتوي الجميع، وُلدت معها كرة القدم من جديد تحت مسمى “بوندسليجا”، وكانت هذه الخطوة نقطة تحول في تاريخ الكرة الألمانية بعد التخلي عن كل دوريات المقاطعات.

وقد شارك في الموسم الأول للبوندسليجا 16 فريقا وتوج نادي كولن باللقب في الموسم الأول، وكانت أول مباراة بين فيردر بريمن وبوروسيا دورتموند وفاز الأول 3/2.

سر التفوق الألماني في المدرجات

منذ أكثر من 10 أعوام يتفوق الدوري الألماني على نظرائه في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا بإنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، في الحضور الجماهيري، وهذا الثبات يؤكد أن الكرة في ألمانيا كما يجب أن تكون، وهو شعار البوندسليجا، وبلغ متوسط الحضور الجماهيري لمباريات الدوري الموسم الماضي 43 ألف متفرج في كل مواجهة متفوقا عل أقوى دوري تنافسي في العالم وهو الإنجليزي بفارق 5 آلاف متفرج، بينما الحضور في إسبانيا 27 ألفا وإيطاليا 25 ألفا وفرنسا 23 ألفا.

هناك سر مهم يكمن في أسباب هذا التفوق الألماني الكاسح وهو أن أقل سعر للتذكرة يصل ل12 يورو فقط وفي نادي بروسيا دورتموند يصل لـ 10 فقط وهو مايعادل سعر تذكرة الذهاب للسينما ومشاهدة آخر إصدارات الأفلام.

الأمر الآخر الأكثر أهمية هو أن 10 % من مدرجات كل استاد في ألمانيا مخصص للمشجعين الواقفين على غرار الحائط الأصفر المشهور في استاد سيجنال إيدونا بارك الخاص بنادي بروسيا دورتموند، ولعل جمالية الأجواء في الملاعب الألمانية تكمن في هذه النسبة الواقفة والتي تصنع المشهد.

كما يوجد أماكن مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في كل الملاعب مزودة بطريق خاص للوصول إليها، وفي استاد كوميرتس بانك أرينا الخاص بنادي إينتراخت فرانكفورت، يوجد مكان خاص للمكفوفين يحتوي على تفصيل فوري لكل ما يحدث في المباريات.

وفي المجمل العام يصل معدل أسعار التذاكر بجميع الفئات في البوندسليجا لـ26 يورو بينما في الدوري الإيطالي (58 يورو) والفرنسي (31 يورو) والإسباني (58 يورو) والإنجليزي (62 يورو).

أكبر معدل للأهداف

هذا الأمر لا يوجد في أقوى دوري تنافسي بإنجلترا وأكثر دوري جاذب للأسماء في الأعوام الماضية بإسبانيا فقط هو الدوري الألماني صاحب أكبر معدل للأهداف في موسم 2018-2019، بفارق لافت عن أقرب الدوريات وهو الإنجليزي، حيث إن معدل الأهداف في الدوري الألماني هو 3.1 هدف، بينما في البريميرليج بإنجلترا 2.8، بالرغم من القوة الضاربة لناديي مانشستر ستي وليفربول على حد سواء، ودوري ميسي ورفاقه يصل معدل الأهداف فيه لـ 2.5، وذات الأمر في دوري نيمار وأصحابه في فرنسا، بينما في إيطاليا التي اجتذبت مؤخرا أسماء لافتة يصل المعدل لـ 2.6 بكل مواجهة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدوري في ألمانيا ينتهي بعد 34 جولة بينما في إنجلترا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا يسدل الستار بعد 38 جولـة.

منذ موسم 1991-1992 ارتفع معدل تسجيل الأهداف في كل مباراة بشكل متتابع وحاليا يجلس على قمة الدوريات العالمية الكبرى في المعدل خلال الموسم الفائت بفضل تواجد مهاجمين على مستوى عال أبرزهم الهداف البولندي روبيرت ليفاندوفيسكي والذي جلس على القمة 4 مرات في آخر 10 سنوات وسجل 202 هدف، بمعدل (0.7 هدف في كل مباراة)، ويحتاج ربما لمعجزة للاقتراب من الهداف الأسطوري للدوري الألماني جيرهارد “جيرد” مولر والذي هز الشباك في 365 مرة بمعدل (0.85 في كل 90 دقيقة).

هذه أرقام تبرهن أن البوندسليجا تُلعب لأجل الفوز والانتصار بدون تعقيدات، وإسعاد الأنصار لهذا لا غرابة أن تجد كل تلك الجمالية والمشاهدة في المدرجات.

مليار ونصف للأكاديميات

بعد الإخفاق الذريع في بطولة أمم أوروبا “يورو2000″، والخروج من الباب الضيق للألمان بنقطة يتيمة أمام إنجلترا والبرتغال ورمانيا، والظهور بشكل محتشم في مونديال 2002، بالرغم من الوصول للنهائي، بدأت فكرة تكثيف العمل في الأكاديميات التابعة للأندية وكان وجودها شرطا أساسيا من أجل التواجد في البوندسليجا.

بدأ تنفيذ الخطة في موسم 2002-2003 بشعار نجوم اليوم ومنصة لأبطال الغد، وبلغ حينها حجم الاستثمارات في الأكاديميات 48 مليون يورو، وارتفعت بشكل تدريجي حتى وصلت النسبة لـ 121 % موسم 2012-2013 (106 ملايين يورو) ووصل في الموسم الماضي لـ 177 مليون يورو بزيادة تصل لـ 47.5 % مقارنة بموسم 2012-2013، ليصل حجم الاستثمارات في الشباب 1.6 مليار يورو.

ومنذ بداية الاستثمار في الأكاديميات حقق الألمان لقب يورو الشباب دون 19عاما مرتين، ومرة للناشئين دون 17 عاما ولقبين أوروبيين دون 21 عاما، كما كانت هناك مخرجات من الأكاديميات ظهر تأثيرها لاحقا أمثال ديفيد ألابا وتوماس مولر مع بايرن، وحاليا هناك العديد من المواهب التي تغزو أوروبا، كما أصبحت الأندية الألمانية استقطاب مهم للمواهب وأبرزها حاليا ساشنو مع دورتموند.

كما أن أعمار اللاعبين دون 21 عاما تمثل بما نسبته 15 % من إجمالي وقت اللعب، أي أعلى بضعفين مثلا من الدوري الإنجليزي، وفي عام 2017 أطلقت البوندسليجا جائزة لأفضل اللاعبين الناشئين.

تناسب مع القيم الألمانية

“البوندسليجا” هي شركة دولية تتبع بالكامل لـ “د أف آل” (الدوري الألماني لكرة القدم)، ومسؤولة عن ربط وإبهار عشاق الكرة حول العالم من خلال زيادة الشغف بالجمهور، وتقوم البوندسليجا الدولية بتسويق الحقوق المسموعة والمرئية (الشراكة)، كما أن لديها مكاتب حول العالم في سنغافورة ونيويورك وبكين، وشراكة استراتيجية مع الهند، كما أنها تعمل مع 80 شريكا حول العالم.

ما تقدمه البوندسليجا من خدمات تتناسب وتتسق مع القيم الألمانية الحقيقية جعلت الشباب وفق دراسة أجريت مؤخرا، أكثر من 77% منهم يبحثون عن المنتجات الأصلية كما أن 71% منهم يشتركون في خدمة البث المباشر للحصول على المحتوى الأصلي و80 % يشعرون أن النجاح في العمل لا يجب أن يُقاس بالجانب المالي، و74 % يفضلون إنفاق المال على التجارب عوضا عن المنتجات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى