دورتموند برشلونة…صناعة مقدمات بلا نتائج

تحليل- محمد عصام

بقليل من رضا جماهير الفيستفاليا، تقاسم الفريقان نقاط المباراة، وخرجت برشلونة سالمة من ملعب يمكن القول أنه الأصعب بين خصوم المجموعة؛ ولم يكن ذلك نتاج حكمة في القيادة على الإطلاق.

حين تدخل إلى السيجنال أدونا بارك، ويطلق الحكم صافرة البداية، يمكنك التنبؤ بمصيرك بسهولة، أنت ستقع تحت طائلة الضغط الهائل داخل الملعب، ومن المدرجات حوله؛ هذه عقيدة راسخة في تلك الأرجاء.

يتميز بروسيا دورتموند بكتيبة تقتات على التحولات، ومهاجم يبحث عن ترجمة ما يصنعونه من فرص، الثلاثي الجديد (جيدن سانشو، ماركو رويس، وثورجان هازارد) الذي يتمتع بمرونة هائلة، وأقدام لاتتوقف عن الحركة، وهدف واحد.

“تقسيم مناطق الأسيست والمنطقة الذهبية”

“رباعية دورتموند في مرمى ليفركوزن”

الهدف المشترك الذي يبحث عنه لاعبو لوسيان فافر باستمرار هو الوصول إلى منطقة “الأسيست”، ومنها إلى المنطقة الذهبية، ومن تلك المناطق –الموضحة في الصورة- تصبح مهمة التسجيل شبه فطرية لا تحتاج تدخلاً من المدرب.

لذلك فإن عمل دورتموند في الملعب شبه هندسي، تمريرات نحو ظهيري الفريق “حكيمي، جيريرو”، ثم نزول أحد الثلاثي العائم بحرية خلف المهاجم ليقوم بدور حلقة الوصل، يلي ذلك تمريرة نحو الأطراف في منطقة “الأسيست”.

لايفتقر إرنستو فالفيردي لخصال الحذر والتحفظ -لاسمح الله-، لكنه قطعاً لا يحمل الكثير من الشغف نحو تلك القراءة الموسعة للأمور، والعمل بما يخدم مصلحة فريقه التكتيكية.

مع عودة سواريز بجانب جريزمان، يملك برشلونة نجمَين في هجومه، مما يعني أن الأولوية في اختيار الشريك الثالث هي أن يقوم بدور “صديق البطل”؛ أي اللاعب القادر على تقديم إضافة هجومية مع توفير غطاء دفاعي للثنائي، وفي هذا المجال يملك العديد من الخيارات بين آرتورو فيدال، كارليس بيريز، وحتى سيرجي روبيرتو.

لكن فالفيردي قرر أن إشراك مراهق غير مكتمل بدنياً أو فنياً هو الخيار الأكثر صواباً، مع إلقاء العبء الدفاعي على أنطوان جريزمان، لتختفي إحصائياته الهجومية من الأساس، ويقضي وقتاً مطولاً في الوقوف على خط التماس، وترَك الفتى الصغير يتعلم قيمة الشك والتوتر في ملعب معقد.

“إحصائيات أنطوان جريزمان”

ورغبة في تجنب الصدامات، لم يقم فالفيردي باستبعاد لاعب من خط وسط فريقه المصاب بالتخمة سواءاً كان آرتورو فيدال أو إيفان راكتيتش؛ بل قام بتهميش بديل الظهير الأيسر جونيور فيربو، في حلقة آخرى من سلسلة القرارات التي أدت لظهور برشلونة بهذا الشكل.

كان رهان برشلونة في التصدي لتحولات دورتموند يرتكز على السيطرة على إيقاع المباراة، وإضفاء صفة الرتابة في بعض الأحيان؛ أما رهان دورتموند كان في منع البلوجرانا من التسجيل أولاً، لذلك نجح في البداية كل منهما في مسعاه.

“آرتور ميلو و فرينكي دي يونج”

يمتلك برشلونة الأفضل في مجال السيطرة، بثنائية شابة تثبت أقدامها “آرتور، وفرينكي دي يونج”، بينما لعب دورتموند في البدايات بضغط تكتيكي أقل حدة، مع تقييد الإضافة الهجومية لثنائي المحور فيتسيل وديلايني.

أما في مجال لعبة الأطراف، فقد تفوق أسود الفيستفاليا بالطول والعرض، خصوصاً مع إشراك فالفيردي لجريزمان على الطرف الأيسر، وفاتي يميناً، مما قلل كثيراً من فاعلية الثنائي، في حين عاث ظهيرا دورتموند في الملعب بمراوغات كسرت ضغط برشلونة البطيء؛ برصيد مراوغتَين من أصل أربع محاولات لصالح جيريرو، ونصيب الأسد بخمس مراوغات ناجحة من سِت لصالح الشبل المغربي أشرف حكيمي.

الخطوة المنطقية الوحيدة لبرشلونة جاءت في نهاية الشوط الأول، حين لعب فاتي يساراً وجريزمان يميناً لدقائق معدودة ظهرت فيها بعض ملامح الخطورة؛ وعلى الأرجح لم تكن تصحيحاً لخطأ ما بقدر ما كانت ردة فعل لخروج ألبا مصاباً، وعدم تواجد جونيور فيربو، مما اضطر سميدو للانتقال ناحية اليسار، مع قناعة فالفيردي بأن فاتي يحتاج أن يتبع سيميدو أينما ذهب.

ورغم تقديم فاتي أداءاً أفضل على اليسار رفع أداء برشلونة قليلاً، إلا أنه بدا جلياً أن وقت استبداله قد أزف، وحان وقت إلقاء السلاح الذري الأرجنتيني بغض النظر عن حاجة الفريق التكتيكية، أو استنفاذ تغيير آخر قبل مرور الساعة.

قام سيميدو بالمحظور، ومنح دورتموند ركلة جزاء مجانية، لم يملك أي من الجماهير شكوكاً في تحويل القائد ماركو رويس لها في الشباك، سوى أنه يواجه حارساً تصدى لثلاث ركلات من أصل خمس في بطولة دوري الأبطال، وأصر على تحقيق أول شباك نظيفة له في الموسم.

دخل ميسي وراكتيتش معاً، لأن إضافة ميسي في الهجوم لدى فالفيردي تعني وجوب إعادة التوازن للمعادلة، وإضافة عنصر بدني في وسط الفريق، وهكذا صار يدا مدرب برشلونة خاليتين من أية أوراق مع تبقي نصف ساعة كاملة.

الأجدر في هذه الأوقات كان سحب سواريز وإضافة جناح مثل كارليس بيريز، ولكن لأن أحدهم اقتنع بدخول لاعب صاحب ستة عشر عاماً أساسياً، فبكل تأكيد سيضطر أن يستنفذ تبديلاً لإخراجه من هذا المعترك في وقت ما.

أضاف لوسيان فافر جوليان براندت في الوقت المناسب، ليس لخمول في هجوم الفريق، بل هي دفعة أدرينالين زائدة لإيقاف قلب برشلونة الدفاعي.

“الأهداف المتوقعة برشلونة 0.31 ودرتموند 3.34”

ورغم حسن مساعي دورتموند، والكثير من المقدمات التي تؤدي لانتصار، لم ينجح في اقتناص هذا الهدف، بينما سيعود برشلونة إلى إسبانيا محملاً بمقاطع عديدة، يمكن الاستفادة وتصحيح الأخطاء فيها، أو، استناداً للمواسم السابقة، على الأرجح تكرارها بشكل مختلف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى