تسونامي الهلال يغرق الاتحاد في محيط الرعب ..!

تحليل – محمد العولقي

في أسبوع واحد لعب الهلال السعودي مباراة من النقيض إلى النقيض ، سجل عجزا هجوميا و إفلاسا معنويا عندما سقط في فخ التعادل أمام المغمور فريق الفيحاء في دوري الأمير محمد بن سلمان للمحترفين.

وبعد هذه المباراة الكارثية على الهلال وجماهيره استفاق الفارس الشطرنجي الأزرق، موقعا بغريمه اتحاد جدة هزيمة نكراء في إياب ربع نهائي دوري أبطال آسيا على ملعب جامعة الملك سعود ، فضرب بالتالي عصفورين بحجر واحد ، الثأر من الاتحاد ، وبلوغ نصف نهائي دوري أبطال آسيا.

نعم.. عندما استفاق الزعيم الهلالي من غفوته الصغيرة أمام الفيحاء ابتلع الاتحاد كما ورقما تألقا واكتساحا ، و عندما نقول إن الهلال ابتلع الاتحاد وكأنه يبتلع قطعة شوكولاتة ، فلأنه عرف أخيرا كيف يناور ؟ وكيف يؤدي كرة هجومية مغلفة بالسحر؟ وكيف يغرق كل مراكب الاتحاد في محيط الرعب؟

تأكدوا تماما من هذا الخبر المفرح للهلاليين والمزعج للاتحاديين ، الزعيم يدمر كل تحصينات العميد، ثم يكتب على جدار قلعته مراثية مبللة بدموع كل من عاش ربيع الهلال وخريف الاتحاد المتوعد بالانتفاض محليا ..

لماذا سقط الاتحاد خارج ميدانه بعد أن سجل في ملعبه تعادلا قاتما لم يكن سيئا في كل الأحوال ..؟ كيف تمكن مدرب الهلال رازفان لوشيسكو من تجهيز كتيبة الرعب في محيط الرعب الأزرق ..؟

لماذا اختار مدرب الاتحاد سييرا الانكماش التكتيكي ..؟ ولماذا غامر بإشراك خيمينيز الميت ؟ وكيف هرب منه التأهل بعد أن سقطت عليه هدية من السماء في توقيت جد ممتاز ..؟

من الذي هزم الاتحاد في موقعة (محيط الرعب) .. الانهاء المدهش لخط هجوم الهلال المعجون بالنار والبارود ؟ أم الأخطاء الدفاعية التي ساندت تسونامي الهلال؟
قصة مباراة الهلال والاتحاد بحاجة إلى إبحار مباشر ، يقودنا بالطبع إلى وضع النقاط فوق وتحت حروف الحقيقة الكاملة لتأهل الهلال و إقصاء الاتحاد من بطولة دوري أبطال آسيا .

* الشاكلة المدمرة ..

ارتفعت معنويات لاعبي الهلال إلى عنان السماء، عندما زف لهم المدرب لوشيسكو نبأ جهوزية ظهير الهلال الأيمن محمد البريك، بعد غيابه الفترة الماضية بسبب الإصابة ، وفرحة لاعبي الهلال بعودة البريك لها ما يبررها بالتأكيد.

أولا: البريك يضفي زخما هجوميا مؤثرا على الجبهة اليمنى ، وهذا الامتياز يحد من تقدم ظهير الاتحاد الأيسر.

ثانيا : البريك هو القوة الضاربة في مفكرة مدرب الهلال لوشيسكو ، وبدونه تدخل الجهة اليمنى في سبات عميق، شبيه بسبات أهل الكهف.

أطمأن لوشيسكو إلى انضباطية خط الوسط بفضل تحالف سلمان الفرج مع محمد كنو ، ثم كان الثقل الفني التكتيكي في أوجه مع جهوزية الطرفين كاريلو في اليمين و المبدع سالم الدوسري في اليسار.

لجأ لوشيسكو إلى التعبئة في العمق الهجومي من خلال إشراك الفرنسي جوميز المهاجم القار ، والإيطالي المتحرك جيوفينكو الذي يمتلك حرية المناورة من العمق أو من الرواق.

أصبحنا بالفعل أمام شاكلة هلالية تقترب على الورق من 4/4/2 التقليدية ، لكن الأصل أن الشاكلة نفسها كانت تتمدد على حسب وعي سلمان الفرج الذي يدخل من العمق ليشكل زيادة عددية مع جوميز و جيوفينكو.

فمن ناحية الامتداد تتحرك جبهتا الهلال بفاعلية وتناغم مدهشين ، في حين يتموج الوسط لتكيف مع كل حلات الطوارئ التكتيكية.

أما عند الارتداد فتشكل عودة كنو إلى الخلف مع عودة الجبهتين اليمنى واليسرى ستارا ثانيا وثالثا أمام قلبي الدفاع والحارس عبدالله المعيوف.

هذا الرسم التكتيكي لمدرب الهلال لوشيسكو كان يحتاج إلى وسط ميدان مرن يضرج بين التغطية الرقابية (مان تو مان) و سرعة التحرك عموديا وقطريا لزيادة الضغط على دفاع الاتحاد المرتبك .

* اللعنة يا خيمينيز ..

اندهشت حقيقة من مردود خط هجوم الاتحاد، رغم أنه يضم كفاءات فنية على مستوى رفيع ، لكن طريقة لعب مدرب الاتحاد سييرا سجنت كل قطع غيار الاتحاد الهجومية.

كان أكبر خطأ فني وتكتيكي في طرح سييرا أنه اغتال حيوية ومشاغبات المهاجم البرازيلي رومارينهو كيف؟

الأمر بسيط للغاية: سييرا أخطأ في خياره للشريك المناسب لرومارينهو، فعندما أقحم التشيلي خيمينيز هكذا دون وعي تكتيكي، لم تكن مهمته فك الحصار عن رومارينهو، بل إن تموضعه سجن كل ملكات رومارينهو الفنية دون رحمة ، لم يكن هذا الخيار الغريب إلا إيذانا بتحلل الاتحاد نفسيا مع ضياع هجوم الاتحاد، فتحول رومارينهو تحديدا إلى خيال مآتة ، مهمته السقوط في فخ الدفاع الهلالي دون مقاومة.

كان خيمينيز ضائعا وغائبا، حتى أنني شعرت أن الاتحاد يلعب بعشرة لاعبين، هذا اللاعب التائه كان يجسد كل مشاكل وفوضوية المفكرة التكتيكية للمدرب الاتحادي، فالبرازيلي رومارينهو قطعة غيار لا يجب ان تسجن على هذا النحو الذي شاهدناه ، فهو من النوع الذي يتألق ويكون مردوده عاليا عندما يسقط للخلف ، أو يكون تحت المهاجم القار.

وما زاد طين الاتحاد بللا أن خطوطه كانت متباعدة ومقطوعة تماما، لا رابط تكتيكي يلملم أفراده، ولا دافع معنوي يحل مشكلة العقم الهجومي.

إدارة نادي الاتحاد حملت التشيلي خيمينيز مسؤولية خسارة الفريق أمام الهلال بثلاثة أهداف لواحد ، ثم سارعت في ردة فعل غريبة بالتخلي عن خدماته و إلغاء التعاقد معه.

لست مع إدارة الاتحاد في هذا الانفعال والتشنج ، فخسارة الاتحاد كانت لأسباب نفسية أولا، ثم لأسباب تكتيكية وفنية فشل المدرب سييرا في التعامل معها ذهابا و إيابا ..

* أربعة أخطاء قاتلة ..

كان القاسم المشترك الوحيد بين الهلال والاتحاد، أن كليهما وقعا ضحية لارتباك دفاعي غير مفهوم ، وهذا ما جعل شباك الفريقين تهتز أربع مرات.

في الدقيقة العاشرة استفاد زياد الصحفي من جملة أخطاء من دفاع الهلال فسجل هدف التقدم ، الغريب في الأمر أن هذا الهدف بعثر أوراق الاتحاد مبكرا ، ومنح الهلال دفعة قوية للبحث عن ريمونتادا تاريخية غابت عن الهلال طويلا، عندما يلتقي بغريمه الاتحاد.

كان كرم الدفاع الاتحادي حاتميا في الدقيقة 44 من الشوط الأول ، فبعد مجموعة أخطاء في العمق مرق فيها سالم الدوسري من أكثر من لاعب كالسهم ، قبل أن يلعب كاريلو عرضية زاحفة أودعها الحارس فواز القرني في مرماه.

ومع بداية الشوط الثاني بدأ الشرخ الدفاعي الاتحادي يكبر شيئا فشيئا، إلى أن تمكن سالم الدوسري من تسجيل هدف رأسي على غير عادته، بعد تمريرة حاسمة من كاريلو.

وعاد دفاع الاتحاد ليلوك نفس الأخطاء في الدقائق الأخيرة، فمنح جيوفينكو المساحة الكافية ليلف ويدور بالكرة قبل أن يسددها في المرمى بمساعدة لوجستية من الحارس المنحوس فواز القرني.

* جبهتان ناريتان ..

قدم الهلال مباراة تكاملية رائعة بدون شك ، لكن الواقع أن جبهتا الهلال هما من صنعا الفارق في النهاية ..

لجأ مدرب الهلال إلى تشكيل جبهتين متوازنتين ، ففي اليمين كان كاريلو ومحمد البريك يحلقان دائما ويمران بمناسبة ودون مناسبة من أمام خط دفاع اتحادي مرهق نفسيا وبدنيا.

كما كانت الجهة اليسرى التي يسكنها اللاعبان ياسر الشهراني وسالم الدوسري في قمة الحضور الفني والتجلي الذهني والبدني، لاسيما في الشوط الثاني حين تحولت هذه الجبهة إلى إعصار أزرق أو تسونامي أزرق يبتلع كل سدود دفاع ووسط الاتحاد بلا رحمة ..

* تبديلات متناقضة ..

تفوق رازفان لوشيسكو مدرب الهلال على سييرا مدرب الاتحاد في كل التفاصيل والجزئيات الصغيرة والكبيرة ، فعلى مستوى التجهيز النفسي كان لوشيسكو حاضرا بقوة ، كما أنه تعامل مع التغييرات بخبث وذكاء ، قبل دقيقتين من النهاية أطمأن إلى النتيجة، فدفع بثلاثة تبديلات لاستهلاك الوقت ، حيث دفع بنواف العابد و ناصر الدوسري ومحمد الشلهوب على حساب سالم الدوسري وحيوفينكو وسلمان الفرج على الترتيب.

من ناحية سييرا كانت تبديلاته تعبر عن ارتباكه وعدم قدرته على الإمساك بزمام الأمور ، بدأ سييرا مغامرته في توقيت مبكر عند الدقيقة 60 بالدفع بعبد العزيز البيشي لاعب الوسط الذي يمتلك نزعة هجومية..

ثم أشرك المهاجم الكلي عبدالعزيز العرياني على حساب خالد السميري صاحب المهام الدفاعية في وسط الملعب ، بالاضافة إلى إخراج المهاجم الصنم خيمينيز الذي لم يرفع ولم ينصب حرفا واحدا طوال تواجده في الملعب كضيف شرف لا غير.

ورغم أن تبديلات سييرا فيها نوع من التحريض الهجومي إلا أن مساعيه بالعودة من أرض الهلال أو محيط الرعب ببطاقة التأهل تبخرت أمام قوة وتماسك وسط ودفاع الهلال ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى