سان جيرمان ، ريال مدريد.. ليلة الأُنس في باريس 

تحليل- محمد عصام

إذا كانت ظروف عملك أو حياتك الشخصية أجبرتك أن تفوِّت بداية المباراة، فلربما اختلط عليك الأمر، وأعتقدت أن ريال مدريد بالأبيض، وباريس بالأزرق. 

القضية ليست في مسألة اختيار الألوان فحسب؛ بل نظرة أطول على الأداء يجعلك تتشكك أن هذا الفريق هو حامل أربعة من آخر ستة ألقاب في البطولة، والملك المتوج على عرشها بلا منافس يقترب منه. 

لا شك أن الاشتياق للماضي يغيّر كثيراً من أحداثه في أذهان البعض؛ لكن الأزمة متوغلة في مدريد حتى قبل تحقيق لقب التشامبيونزليج الثالث على التوالي؛ أي في الموسم الآخير لزين الدين زيدان في عهدته الأولى؛ أي وقت تواجد كريستيانو رونالدو أيضاً، ما نحن بصدده منذ بداية الموسم المنصرم ما هو إلا عواقب منطقية تأجل ظهورها. 

أما توماس توخيل، فقد مر بموسم عصيب، لكن على العكس، قضاه في استصلاح أراضي باريس، وتهذيب الأجواء المشحونة، ليبدأ بالأمس موسماً قد يغدو موسم قطيف العنب، شريطة الاستمرار على نفس الأداء والوتيرة. 

دخل توخيل برسم مثال على استراتيجية 4-3-2-1، حيث يشغل ديماريا وسارابيا الفراغات خلف إيكاردي، مع ثلاثي وسط من المحاور بشراكة “إدريسا جاي، ماركينيوس، وماركو فيراتي”.

قوة الباريسيين جاءت من الطاقة البشرية لوسط الفريق، المكلف بمهام التغطية على تقدم الظهيرين “توماس مونييه، وخوان بيرنات”، مع هدف آخر لهذه القاطرات في إرهاق وسط بلا بدلاء للميرنجي، بالضغط المستمر، والالتحامات المتكررة في كل أرجاء الملعب. 

وسرعان ما ظهر ريال مدريد بلا أنياب أو أظافر؛ بلا أي شئ في الواقع، فإحكام الباريسيين السيطرة على المباراة منذ صافرة البداية حرم مدريد من أي تنظيم هجومي أو دفاعي فيما عدا لقطات ارتجالية خجولة؛ ومن هنا تولى ديماريا زمام الأمور. 

كل ما يلمسه ديماريا في الشوط الأول يتحول إلى ذهب، يتوغل خلف دفاع مدريد الهش ليباغت كورتوا بتسجيل الهدف الأول، ثم ينسل خلف وسط الفريق، ويضرب حيث يؤلم مدريد مجدداً، لتقرأ النتيجة ما يعبّر عن مجريات اللقاء. 

سجل “المنبوذ” بيل هدفاً لتقليص الفارق، قبل أن يعود الحكم لتقنية الفيديو للمسة يد محتملة، وتفضح ملامح الويلزي قرار الحكم قبل اتخاذه. 

دخلت المباراة في شوطها الثاني في طور من السيرك الكروي، حين أدرك باريس مدى ضعف مدريد في إظهار أنفسهم، وفقد الشغف في إضافة هدف ثالث ينهي المباراة مبكراً. 

أما مدريد، فقد حاول صناعة أي نوع من الخطورة بلا جدوى، وجاهد هازارد في سبيل استعادة الكرة لحيازة فريقه، بواقع الميول الفطرية للاعب المهاري للبحث عن الاستحواذ على الكرة، ولكن اصطدمت تلك المحاولات مراراً وتكراراً بنجم اللقاء، ومرساة سفينة باريس إدريسا جانا جاي، الذي استخلص الكرة مرتين، مع أربع عرقلات مشروعة، وتسعة صراعات ثنائية. 

“أرقام إدريسا جاي ضد ريال مدريد” 

أجرى توخيل تغييراً بالدفع بتشوبو موتنج في مكان إيكاردي، وبأدوار مختلفة، ليلعب على الطرف الأيسر مقابل تواجد ديماريا في مركز المهاجم الوهمي. 

أما زيزو فقد أدرك منذ البداية أنه لا مجال لتحسين الموقف سوى بلاعب وسط آخر لا يملكه على الدكة، وربما رأى طيفاً لبول بوجبا هناك.

“قائمة ريال مدريد لمباراة باريس سان جيرمان” 

لكنه في النهاية فعل ما يتوجب عليه فعله، وما تمليه عليه مهامه للقيام به، وعاد إلى دفء أسلوبه المحبب، فضحّى بهازارد وخاميس، ودفع بالثنائي فاسكيز ويوفيتش، ليطلق العنان لأطرافه للانطلاق ووضع العرضيات نحو ثنائي الهجوم؛ كان هذا الحل الذي تفتق إليه ذهنه. 

لم ينتج ذلك أي تغير ملموس على المجريات، بل استمر فشل آلية ريال مدريد في صناعة فرصة منظمة، أو التسديد مرة واحدة على المرمى، لأسباب عدة منها ضعف ميندي هجومياً بالمقارنة بالراقص مارسيلو، وافتقاد لاعب في الخطوط الخلفية القادر على عبور الضغط بالانطلاق والمراوغة.

“ريال مدريد فشل في التسديد على المرمى في دوري الأبطال للمرة الأولى منذ موسم 2003-2004” 

وفي مشهد لا يمكن وصفه سوى بالكاريكتوري، سجل باريس سان جيرمان الهدف الثالث في الدقائق المضافة، بعد تبادل الكرات بين مونييه، وخوان بيرنات، لتنهي ليلة تاريخية للباريسيين نهاية مثالية، وكابوس حمل صفعات عدة لتطلعات الميرنجي وجمهوره. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى