ثنائية “توريرا-جندوزي”.. كلب الصيد والريجستا المتحرك

تحليل- أحمد مختار

عمره 20 عاما، وقاد ملعب الإمارات إلى عودة مستحقة، هكذا فعل ماتيو جندوزي في النصف الأخير من مباراة آرسنال وأستون فيلا، ليحول زملاؤه الهزيمة بهدف مقابل إثنين إلى انتصار معنوي بثلاثة أهداف، كل هذا في سن 20 سنة فقط، أكرر في سن العشرين للمرة الثالثة حتى نحكم بشكل موضوعي على مراحل تطور لاعب آرسنال الشاب، حيث إننا يجب أن نتوقف أولاُ وثانياً وثالثاً على عمر جندوزي حتى نستطيع رصد تطوره من منظور أفضل.

ماتيو جاندوزي

ماتيو جندوزي “مشروع” لاعب جيد، كلمة مشروع مهمة جدا لتوصيفه في الإطار الصحيح، لأنه لا يزال صغيرا في السن، انتقل من دوري أقل إلى دوري أكبر، من ناد متوسط إلى آخر تنافسي، ومع عمر صغير، دون تجارب عديدة، كل هذه العوامل تجعلنا لا نقسو عليه عندما يخطئ، لأن هذا هو الطبيعي، فالأصل في التعلم هو ارتكاب الأخطاء، لكن بين الحين والآخر، يخرج من هذا الشاب صفات رائعة، أولها وثانيها وثالثها، الجرأة!

الجرأة في الاستلام، الجرأة في الدوران، الجرأة في الخروج بالكرة، الجرأة في نقل الهجمة، الجرأة في لعب التمريرات القطرية والبينية، والجرأة في أخذ المغامرة بالتمريرات التي بها جانب كبير من المخاطرة، والتي تتسبب في هجمة مؤكدة لفريقه إذا اكتملت، أو هدف عكسي إن تم قطعها.

صورة أرشفيفة من مواجهة ديربي لندن أرسنال توتنهام

خلال ديربي لندن أمام توتنهام، أشرك إيمري مخيتاريان مكان لاكازيت ودخل أوباميانج داخل الصندوق، ليعتمد المدفعجية على الكرات البينية من سيبايوس وجيندوزي في ظهر دفاعات توتنهام، بالإضافة إلى فتح الملعب عرضياً بواسطة كولاسيناك على اليسار وبيبي يميناً، ليسيطر الفريق على المباراة تماماً.

استحق جندوزي حينها أن يكون نجم المباراة الأول، فالفرنسي الشاب أبدع في صناعة اللعب من أماكن بعيدة، بالإضافة إلى قدرته على نقل الهجمة من الدفاع إلى الهجوم بشكل سريع، نتيجة خفته ومهارته وتميزه في حمل الكرة دون خوف، ليساعد آرسنال على تحقيق التعادل بعد تمريرة الهدف الثاني لأوباميانج.

ماتيو هو لاعب الوسط “الناقل للهجمة” الذي يعرف باسم ball carrier، لا هو رقم 6 حقيقي ولا حتى Free 8 على طريقة دافيد سيلفا، ولا 10 صحيح مثل دي بروين، ولكنه جزء من كل هذا، لأنه يتمركز دائما بين هؤلاء، كـ “همزة” وصل، في انتظار مزيد من النضج والتطور والتعلم وارتكاب الأخطاء حتى يتحول إلى “ألف”ة حقيقية في وسط آرسنال.

نعود إلى مباراة آرسنال وأستون فيلا الأخيرة، واقعة طرد وتأخر بهدفين، كل الطرق تقود إلى فوز الضيوف، لكن كل شيء تغير بعد دخول ويلوك وتوريرا مكان سيبايوس وتشاكا، وتحول الفريق إلى اللعب بثنائي محوري صريح، توريرا في الأمام قليلاً تجاه نصف ملعب المنافس، بينما تواجد جندوزي كلاعب ارتكاز دفاعي صريح “هولدينج” أمام دفاعه مباشرة، في مركز غير معتاد بالنسبة له، حيث إنه يتمركز أكثر كلاعب وسط مساند على الدائرة لا أسفلها.

هناك مصطلح معروف تكتيكياً باسم “الريجستا المتحرك”، في إشارة إلى لاعب الارتكاز الذي لديه القدرة على تغيير مجريات اللعب، وفرض نفسه على أية مباراة، مثل أي قائد حقيقي، لكن مع سرعة أكبر في البناء وامتلاكه مهارة المراوغة ونقل الهجمة بنفسه، لذلك هي نسخة قريبة من “الريجستا” أي صانع اللعب من الخلف، لكن على طريقة متحركة أكثر بسبب عامل المراوغة، الذي يمنحه أفضلية الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط وهزيمة المدافعين أثناء التحولات من الدفاع إلى الهجوم.

جندوزي ربما أثبت أمام أستون فيلا أنه يملك جزءا من هذا الكل، فيما يتعلق بقدرته على التمركز أمام الدفاع مباشرة، الحيازة ونقل الهجمة من الخلف إلى الأمام، مع قدرته على صناعة الفرص والهجمات من مناطق بعيدة عن مرماه، نظراً لامتلاكه جرأة التمرير الكاسر للخطوط، مع خفة حركته ومرونته في الدوران أثناء محاولة لاعبي الخصم افتكاك الكرة وتنفيذ المرتدة العكسية.

لكن يبقى السؤال، هل يمكن لـ “توريرا-جندوزي” اللعب معاً في تشكيلة واحدة؟

بيرلو مع منتخب إيطاليا 2006

نتذكر مونديال 2006 لحظة فوز الطليان بكأس العالم،  قام بيرلو في مونديال 2006 بدور صديق البطل، أي صانع اللعب من أمام دفاعه، وشاركه جاتوسو كمساعد رئيسي، وكأنه حارس خاص له في كل رقعة بالملعب، جينارو هو اللاعب العنيف الذي يؤسس الحاجز لزميله الأنيق، من أجل إعطائه فرصة أفضل للتمرير من الخلف، بالإضافة إلى خطف الكرة وتمريرها إليه.

هكذا قال “الجارد” في كرة القدم الإيطالية، الذي يعرف تكتيكيا هناك بـ “الواقي” أو “كلب الصيد”، في دلالة واضحة على الأعمال “العنيفة” المشروعة التي يقوم بها، ولا يعبر هذا الاسم عن شيء سلبي يخص اللاعب أو فريقه، بالعكس إنه أفضل وصف ممكن للحديث عن مساعدي نجوم الوسط، الذين يدافعون بدلا منهم، وينقلون إليهم الكرة في مناطق أفضل.

الريجستا هو مخرج الأفلام على الطريقة الإيطالية، وفي التكتيك الحديث هو اللاعب صاحب المركز رقم 4، وفي السنوات الكروية الماضية، أندريا بيرلو هو المرجع في مركز الريجستا، أي صانع اللعب من الخلف “الديب لاينج”، وكان معه جاتوسو، جينارو ليس لاعب وسط هجومي ولكنه كان يتمركز أمام بيرلو، لكي يقوم بعمل الحاجز له من أجل إعطائه فرصة أفضل للتمرير من الخلف.

في آرسنال المقارنة صعبة لكنها ليست مستحيلة، صحيح أن أوناي إيمري لا ينظر أبداً لتوريرا كوسط دفاعي في نصف ملعبه، بل لاعب “بوكس تو بوكس” ينطلق إلى الأمام وللخلف، لكنه يجب أن يفكر في استمرار ثنائية “توريرا-جندوزي” في المباريات القادمة بنفس الطريقة تقريباً، على أن يكون الفرنسي أسفل الدائرة للبناء والصناعة من مناطق بعيدة وكأنه “ريجستا متحرك”، على أن يتكفل اللاتيني بمهام الافتكاك والقطع والتحرك يميناً ويساراً، أي القيام بدور “الجارد” الذكي الذي يملك مهارة وسرعة، لإتاحة الفرصة أمام زميله للاستلام والتسليم ولعب التمريرات التي تسبق التسديد، الأسيست، والهدف.

توريرا يتحرك أكثر في نصف ملعب الخصوم، جندوزي يستلم أكثر في نصف ملعبه، الأول يحجز ويقطع ويقوم بالأعمال الخشنة المشروعة، والثاني يعود ويستلم ويصعد بالكرة إلى الأمام، لذلك قد تضمن هذه الثنائية “كونتر بريسينج” أفضل لآرسنال بقطع عدة كرات بالأمام، جنباً إلى جنب مع صعود منظم بالهجمة، وتفرغ سيبايوس/ويلوك لمساندة لاعبي الهجوم بالثلث الأخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى