كيف يمكن إيقاف كيفين دي بروين؟

تحليل-محمد يوسف

يملك بيب جوارديولا طريقةً سحريةً لخلق أنماط هجومية يسهل التنبؤ بها، ولكن للمفارقة يكاد يكون من المستحيل إيقافها؛ ففي كل الأندية التي دربها، طوّر بيب خططاً تكتيكية في الثلث الأخير يكررها فريقه باستمرار، وتنجح في كل مرة.

في برشلونة، وخاصةً في الأيام الأولى، كان يسحب ليونيل ميسي معه الظهير الأيسر لداخل الملعب، تاركاً المساحة لداني ألفيش ليتقدم للهجوم، ويتلقى تمريرة قطرية من تشافي. بينما مع بايرن ميونيخ، نقل جوارديولا فيليب لام وديفيد ألابا إلى داخل الملعب من أجل فرض مزيد من السيطرة، أبرزت هذه التحركات أهم مميزات لدى اللاعبين، وخلقت زيادة عددية في أهم مناطق الملعب.

والآن مع مانشستر سيتي، حقق جوارديولا نفس الشيء باستخدام كيفين دي بروين كلاعب خط وسط محوري.

يعمل الاثنان معاً منذ ثلاث سنوات، ومع أن معظم الفرق باتت نعرف كيف يتحرك دي بروين، إلا أنه يبدو أكثر خطورة من السابق.

في ست مباريات في الدوري الإنجليزي حتى الآن، سجل دي بروين هدفين وقدم سبع تمريرات حاسمة؛ لذا لن يكون من المفاجئ أن يتصدر قائمة التمريرات المفتاحية من اللعب المفتوح، والتمريرات داخل منطقة الجزاء، لكل 90 دقيقة.

إلا أن معدله من التمريرات المتوقعة من اللعب المفتوح مذهل حتى بالنسبة لما يقدمه، بمتوسط يبلغ (0.73) تمريرة، يليه في القائمة رياض محرز بمتوسط (0.44) تمريرة.

“إحصائيات دي بروين حتى الآن هذا الموسم”

أحد الأسباب التي تجعل إيقاف دي بروين صعباً هو أن جوارديولا قد وضع لاعباً بمثل هذه المواصفات الهجومية الخارقة في موقع متأخر نسبياً من الملعب.

معظم الفرق التي تواجه السيتي تخصص لاعب خط وسط محوري لتتبع تحركات دي بروين، ولكنه عندما يتحرك إلى خارج الملعب على الأطراف، فسيحتاج إلى لاعب متأهب دائماً وسريع للغاية لإيقافه، وهو غالباً ما يسبب مشكلة كبيرة بالنسبة لأي لاعب يراقبه، باستثناء أن يكون اسمه نجولو كانتي.

وحتى لو تمكن لاعب خط الوسط من مراقبة دي بروين، فسيخرج حينها بقية زملاءه في الفريق من اللعبة. يوم السبت الماضي أمام واتفورد، كانت الطريقة التي يتحرك بها دي بروين على الجناح تمثل تحركاته حتى الآن على مدار هذا الموسم.

“خريطة تمريرات السيتي أمام واتفورد”

تُظهر خريطة التمريرات بين لاعبي السيتي أمام واتفورد الانسجام التكتيكي الذي خلقه جوارديولا لدى فريقه، حيث يميل الفريق إلى التحرك قليلاً نحو اليسار، لأنهم يقوموا ببناء أغلب هجماتهم من هذا الجانب.

وإذا نظرت عن قرب، سترى أن رودري يمرر الكرة إلى ديفيد سيلفا أكثر من دي بروين، وهو نفس ما حدث في المباراة السابقة أمام برايتون، على الرغم من اقتراب دي بروين أكثر من دائرة المنتصف، وإجمالاً مرر رودري (38) تمريرة إلى سيلفا و(24) إلى دي بروين حتى الآن هذا الموسم.

“خريطة تمريرات السيتي أمام برايتون”

لهذا لن يكون من المفاجئ أن تمريرات سيلفا خلال 90 دقيقة هذا الموسم وصلت إلى (69.2) تمريرة، بينما كانت تمريرات دي بروين (56.3) تمريرة. لا يوضح هذا استغلال خفة سيلفا وتحركاته الذكية في المساحات الضيقة فحسب، ولكنه يفتح أيضاً مساحةً أكبر من الملعب أمام دي بروين بمجرد تحول الكرة إلى الجهة اليمنى.

وستكون اللعبة هنا في الغالب من تمريرة قطرية، وقبل أن يتمكن الفريق المنافس من الانتقال للجهة العكسية، سيكون دي بروين قد انطلق بالفعل في المساحة الخالية، أو أرسل عرضية محكمة إلى داخل منطقة الجزاء.

وفي هذه الأثناء سينضم ديفيد سيلفا إلى المهاجم والجناح الأيسر عند التحرك إلى منتصف الثلث الأخير، متوقعاً تمريرة عرضية من الجهة الأخرى، ولهذا يملك سيلفا ما يقرب من ضعف عدد لمسات دي بروين في منطقة الجزاء خلال 90 دقيقة، بنحو (11.96) لمسة مقابل (6.11) لمسة على الترتيب.و

في مباراة يوم السبت الماضي، اجتمعت كل هذه العوامل معاً في الهدف الاول؛ حيث بدأ السيتي هجومه على اليسار، ثم تحولت الكرة للجهة الأخرى عند دي بروين، والذي مرر بدوره كرة عرضية لديفيد سيلفا، ليسجل من مسافة قريبة من المرمى.

“ترتيب التمريرات في الهدف الأول للسيتي أمام واتفورد”

كلما وصلت الكرة عند دي بروين على اليمين، يتبع السيتي عدد من الأنماط الهجومية المحددة، واحد منها العرضيات في عمق منطقة الجزاء، كما حدث مع هدف ديفيد سيلفا الأول أمام واتفورد. وإذا كانت تتمتع هذه العرضيات بدقة مدهشة، فكذلك يكون توقيت التحرك داخل المنطقة أيضاً.

كانت هناك فرصة أخرى خطيرة في الشوط الأول أمام واتفورد، عندما قدّم فرناندينيو تمريرة قطرية لبرناردو سيلفا على اليمين، وفي نفس الوقت، كان دي بروين يتمركز بالفعل في انتظار تمريرة برناردو، وفي نفس اللحظة التي مرر فيها برناردو الكرة إليه على حافة منطقة الجزاء..

اتجه سيرجيو أجويرو نحو الزاوية البعيدة، وهو على يقين من أن دي بروين سوف يرفع العرضية من اللمسة الأولى ويضعها على رأسه مباشرة، وهو تحديداً ما فعله دي بروين. وبرغم تمركز ثلاثة مدافعين من واتفورد جيداً داخل المنطقة، إلا أن سرعة وتوقيت تحرك أجويرو صعّب عليهم المهمة للغاية.

“ترتيب التمريرات في الهدف الأول للسيتي أمام توتنهام”

“ترتيب التمريرات في الهدف الأول للسيتي أمام توتنهام”

في الأسبوع الثاني من هذا الموسم، عندما تعادل السيتي 2-2 على أرضه أمام توتنهام، سجّل الفريق الهدف الأول بذات اللعبة، إلا أن رحيم ستيرلنج هو من تحرك تجاه الزاوية البعيدة بدلاً من أجويرو.

أما باقي الهجمة كان متطابقاً؛ حيث ينقل السيتي الكرة من اليسار إلى اليمين، ثم يمرر برناردو إلى دي بروين، والذي يمرر بدوره كرة عرضية من على حافة منطقة الجزاء في اتجاه الزاوية البعيدة.

لا يصعب إيقاف هذه التحركات لأن لاعبي السيتي يحفظونها عن ظهر قلبٍ فحسب، بل لأنها تأتي من مناطق في الملعب قد لا تمثل خطورة نسبياً؛ نادراً ما يدق ناقوس الخطر عند معظم الخصوم إذا كان لاعب خط الوسط يستحوذ على الكرة على بعد 30 ياردة من المرمى، ولكن مع دي بروين يعد هذا الأمر قاتلاً، وما زال السيتي يستغله قدر الإمكان.

وبجانب العرضيات البعيدة، ينطلق دي بروين أيضاً خلف الدفاع، مثل لقطة هدف برناردو سيلفا الثالث في الشوط الثاني من مباراة واتفورد. ومرة أخرى هذه لعبة تكتيكية مدروسة وتدربوا عليها طويلاً، وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى

عادةً يستلم الجناح الأيمن الكرة عند خط التماس، ثم يبحث عن دي بروين، والذي يتحرك بالفعل خلف الظهير الأيسر بسرعة كبيرة، حتى يصعب على لاعبي خط وسط المنافس مراقبته، ولأن كلاً من برناردو ومحرز يلعبان بالقدم اليسرى، فيمكنهم تمرير الكرة إليه بكل سهولة.

وأمام واتفورد، كان محرز هو من يلعب هذا الدور، مما يعطي دي بروين الفرصة لإرسال كرة عرضية باتجاه الزاوية البعيدة. في هذه الحالات يتواجد رحيم ستيرلنج ليحرز الهدف، إلا أن بديله برناردو هو من ظهر داخل المنطقة في هذه المباراة وسجّل، وهو ما يُظهر مدى غرس جوارديولا لهذه الأنماط التكتيكية في لاعبي الفريق جميعاً.

إذاً نعود للسؤال مرة أخرى: كيف يمكن إيقاف دي بروين؟

هناك عدد قليل من الإجابات الواضحة؛ يمكنك محاولة تطبيق الضغط العالي ومنع التمريرات التي تصل إليه، ولكن نتمنى لك حظ سعيد في تطبيق هذه المحاولة ضد السيتي.

فإذا كنت ترغب في الحفاظ على اقتراب خطوط فريقك أكثر من بعضها، ستحتاج إلى لاعبي قلب دفاع يمكنهم التعامل مع العرضيات البعيدة القاتلة. ولعل أفضل وسيلة هي اللعب بثلاثة مدافعين في الوسط، بحيث يمكن لقلب الدفاع الأيسر أن يراقب تحركات دي بروين.

ومن الغريب أن المدرب الوحيد الذي هزم السيتي مع جوارديولا، في مباراة في الدوري على ملعب الاتحاد وكان يبدأ فيها دي بروين، كان أنطونيو كونتي، والذي لعب مع تشيلسي برسم خططي 5-4-1. على أي حال، غادر كونتي إلى إنتر ميلانو، ويبدو أن وجود دي بروين سيظل يمثل تهديداً طوال هذا الموسم.

تقرير مترجم من StatsBomb

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى