
تقرير- محمد يوسف
في الأسبوع الخامس من الدوري الإنجليزي هذا الموسم، في مباراته ضد واتفورد، حاول مدافع أرسنال سوكراتيس تمرير الكرة إلى زميله ماتيو جندوزي داخل منطقة جزاءه، ليقطعها لاعب واتفورد توم كليفرلي ويهديهم الهدف الأول الذي ساهم في عودتهم للمباراة بعد أن كانت النتيجة 2-0 لصالح الفريق اللندني.
جميع الفرق تود بناء الهجمة من الخلف، لكن في الشهور القليلة الماضية أثبت هذا الأمر خطورته الواضحة؛ والأمثلة كثيرة: جون ستونز أمام هولندا، ونيكولاس أوتامندي أمام نورويتش سيتي، والقائمة تطول كل أسبوع لأولئك الذين حاولوا بناء الهجمة من العمق، ولكنهم كلفوا فرقهم أهدافاً.
ظهر الشك على الفريق قبل هدف كليفرلي بفترة، ولكنهم لم يعدّلوا من تكتيك لعبهم، واستمروا في استخدامه في المباراة التالية أمام النادي الألماني آينتراخت فرانكفورت في اليوروبا ليج، ويبدو أن هذه هي الطريقة التي سيلعبون بها مهما كانت مخاطرها.
ولا يقتصر الأمر على أرسنال فحسب، إذاً لماذا يهتم هذا العدد الكبير من الأندية باللعب القصير من الخلف، ولماذا أصبح هذا التكتيك أكثر خطورة في الآونة الأخيرة؟
تُساهم عادةً القوى والأحداث الخارجية، مثل تغير قوانين اللعبة والتطورات في مجال العلوم الرياضية أو نظريات غير تقليدية لأحد عباقرة التدريب، في تغيير مسار التطور في اتجاه غير متوقع، ولكن يميل التطور في تكتيكات كرة القدم إلى اتباع نماذج واضحة إلى حد ما.
فيملك المدرب فكرةً تكتيكيةً ما، وينجح في استخدامها لفترة من الوقت، ثم تصبح هذه الفكرة أكثر شيوعاً حينما يرى الآخرون المزايا التي توفرها، ويقوموا بتقلديها، ولكن عند قيامهم بذلك، يبدأ المنافسون العمل على إيجاد وسائل وتكتيكات مضادة. وبعدها، إما يحدث نوع من التوازن، أو يظهر رد فعل جديد على رد الفعل الأول، وتبدأ الدورة من جديد على مستوى آخر.
بالنسبة لفريق يملك قدرات فنية أكبر من خصمه، فإن تمرير الكرة في العمق، للخروج بالهجمة من الخلف، يبدو دائماً أمراً منطقياً. قد بدأت كرة القدم كلعبة تعتمد على التمرير الأرضي، وبمجرد تحولها أكثر ناحية الاستحواذ، فمن المنطقي الاعتماد على التمرير القصير، بدلاً من إرسال كرات طويلة إلى الأمام، والأمل في أن يتمكن المهاجم من الفوز بالكرة.
خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت أندية ليفربول ونوتنغهام فورست يفضلوا اللعب على الاستحواذ، والبناء من الخلف. وبينما واجه الناديان قضايا مختلفة جداً خارج الملعب، إلا أن جزءا من سبب تراجعهم في التسعينيات كان إدخال قانون عدم قدرة الحارس على الإمساك بالكرة إذا مررها له زميله في عام 1992.

في أياكس وبرشلونة، عارض الراحل يوهان كرويف هذا القانون خوفاً من أن يجعل بناء الهجمة من الخلف أمر خطير جداً، إلا أنه تمادى في هذه الفكرة، من خلال تشجيع حارس مرماه للخروج من منطقة الجزاء، ليكون بمثابة لاعب دفاع إضافي.
ويذكر أن الأمر كان يستحق المخاطرة؛ على الرغم من أن بعض أخطاء حراس المرمى قد تكلف فريقه هدفاً أو اثنين خلال الموسم، إلا أن فائدته النهائية تفوق عيوبه، لتساعد في فرض استحواذ الفريق على الكرة.
في السنوات الأخيرة، بدأ رواج تكتيك البناء من الخلف في برشلونة تحت قيادة بيب جوارديولا. إلا أنه في بعض الأحيان وضع فريقه في بعض الصعوبات والمشاكل؛ مثلاً، في ديسمبر عام 2011، أمام ريال مدريد في البرنابيو، سجل كريم بنزيمة أسرع هدف في تاريخ الكلاسيكو، بعد أن مرر الحارس فيكتور فالديز تمريرة خاطئة مباشرة إلى أنخيل دي ماريا.
لكن فالديز لم يتراجع أو يهتز؛ في المرة التالية التي وصلته الكرة، مررها بهدوء لجيرارد بيكيه على بعد خمس ياردات فحسب من خط المرمى. حيث كان يؤمن لاعبو برشلونة بطريقة لعبهم، وعلى استعداد لقبول بعض التعثرات الصغيرة، لتنتهي المباراة بفوزهم بالكلاسيكو بنتيجة 3-1.
بالنسبة لهذه الفرق التي تجيد القيام بذلك، سيوفر تمرير الكرة من العمق مزيداً من السيطرة، فهم يمتلكون الكرة، ويمكنهم التحكم في تيمبو المباراة. وإذا حاول المنافس الضغط لمحاولة إعادة الكرة بتهور، سيخرج على الفور من شكله التكتيكي المعتاد، حيث يصبح لاعب أو اثنين خارج اللعبة تماماً..وهكذا لفترة طويلة اختار المنافسون الدفاع من خلال البقاء في مناطقهم وعدم الاندفاع.
ما حدث مؤخراً هو أن الفريق الذي لا يمتلك الكرة امتلك مزيداً من الجرأة والشجاعة؛ حيث تقضي الأجهزة الفنية ساعات طويلة من البحث في أنماط وتكتيكات لعب المنافسين، وقد يصبح تتبع هذه الأنماط أسهل كثيراً عندما تعرف نقطة الانطلاق، وهي حارس المرمى.
مع بعض الاستثناءات القليلة، لكن أي هذه المراكز أقل مهارة في التعامل مع الكرة، وأقل قدرة على مراوغة لاعب منافس، أو خلق تمريرة ذكية تحت الضغط: قلب الدفاع وحارس المرمى، أم لاعبي خط الوسط؟
وفي هذا السياق، من الغريب أنه مؤخراً بدأت الفرق في استهداف تلك المنطقة بالضغط؛ ربما يكون هذا بسبب تغيير القانون الذي ينص على أن الكرة في ركلة المرمى لم تعد بحاجة إلى مغادرة منطقة الجزاء قبل أن يلمسها لاعب آخر. سابقاً إذا تعرض المدافع للضغط، كان بإمكانه ببساطة أن يدخل المنطقة أثناء استلام التمريرة من الحارس، وبهذا تُعاد ركلة المرمى من جديد.
فكرة الضغط على المدافعين ليست جديدة؛ فمثلاً، على ملعب الاتحاد في ديسمبر عام 2017، حاول توتنهام منع مانشستر سيتي من البناء في الخلف، عن طريق الضغط على الظهيرين عند تنفيذ ركلات المرمى، ليجدوا أن الحارس البرازيلي إيدرسون تجاوز الضغط من خلال سلسلة من التمريرات الطويلة الناجحة، لينتصر السيتي بنتيجة 4-1.
ولكن على الرغم من هذا، وفي الوقت الحالي، تواجه أندية مثل أرسنال معضلة صعبة؛ فبعد اعتمادهم على تكتيك يحمل مخاطرة كبيرة، هل يمكن اعتبار الأخطاء جزء لا مفر منه بسبب هذا التكتيك، أم أنها تدل على وجود مشكلة في التكتيك ذاته؟
*تقرير مترجم لجوناثان ويلسون.