بروسيا دورتموند إنتر ميلان..عن الطريقة الإيطالية وغريزة البقاء

تحليل _ محمد عصام

“مواجهة الفرصة” في السيجنال إدونا بارك، هذا التعبير الأقرب لوصف أجواء ما قبل المباراة بعد سقوط برشلونة بالتعادل ضد نظيره سلافيا براج في وقت باكر من الليلة؛ ولما كان لهذا اللقاء من حسابات خاصة، جاء شوطا المواجهة وكأنهما مبارياتين مختلفتين تقلّب فيها بندول الأحداث من أحد طرفيه إلى الطرف الآخر.

التغيرات في صفوف الفريقين كانت طفيفة عن لقاء الجيوزيبي مياتزا، فسار كونتي على ذات المنوال بخطة 3-5-2، مع وضع ماتياس فيسينو بدلاً من روبيرتو جاليارديني، في محاولة لمنح دور هجومي لوسط الفريق يفتقده منذ إصابة ستيفانو سينسي، واعتماد كريستيانو بيراجي على الطرف الأيسر بدلاً من الغائب كوادو أسامواه.

قرر لوسيان فافري على الجانب الآخر العودة إلى خطة 4-2-3-1 بعد أن لعب بثلاثي خلفي في ميلانو، مع وضع جوليان فايجل في خانة الارتكاز بجانب البلجيكي أكسيل فيتسيل، واعتماد الرباعي الهجومي “سانشو، براندت، هازارد، ماريو جوتزه” في انتظار هدف أول في البطولة من أحدهم.

السمة المتكررة لدورتموند مع لوسيان فافري هي اللعب على الأطراف، وخلق مواقف زيادة عددية في هذه المناطق بصعود الظهيرين ودخول الجناحَين نحو العمق، مع مساندة صانع اللعب -ماركو رويس عادة وجوليان براندت بالأمس- لهما.

وجدت دورتموند هذا المساحة على اليمين بثنائية أشرف حكيمي-جيدن سانشو، ولم تجدها في أي مكان آخر من الملعب، لأن الكرات العرضية المقدَّمة من ذلك الجانب فشلت في الوصول إلى أقدام أصحاب القمصان الصفراء، مع احتشاد السيقان والأجساد الإيطالية باستمرار في الدفاع الإيطالي، وقلة عدد لاعبي دورتموند العازمين على التحرك بشكل قطري، أو القيام بانطلاقات في ظهر دفاع النيراتزوري.

الكثير من صناعة اللعب والتحضير، والقليل من الناتج في الثلث الآخير؛ هذا هو ما يتغذى عليه الأسلوب الإيطالي، ويحبّذ اللعب في مواجهته، لأنه يسّهل من عمل الطليان الدفاعي الذي يجيدونه في مواقف أصعب كثيراً.

لذا كان الفريق الإيطالي متحكماً في اللقاء، ناجحاً في غلق منافذه، وبشخصية التهمت شخصية خصمه، ونجحت ديناميكية كونتي الهجومية في اختراق دفاع دورتموند الهش عن طريق خطأ مبكر، سجّل منه لوتارو مارتينيز هدفه الأول، ومجدداً من تبادل كرات، وتحوّل أكثر أناقة حمل بصمات كونتي، سجل فيسينيو الهدف الثانٍ؛ وفي 40 دقيقة كان إنتر ميلان قد سجّل ذات النتيجة ذهاباً، وبدا أنه قد حطّم معنويات خصمه بالكامل.

ما علمتنا إياه الأعوام القليلة الماضية في البطولة أن المباريات تُحسَم فيها مع صافرة النهاية، فلم تعد نتائج الذهاب فاصلة فحسب، بل لم تعد نتائج الشوط الأول من ذات المباراة تعني شيئاً حتى ينتهي النصف الثانٍ.

غريزة البقاء تشتعل في تلك المواقف، إنها أقوى من أي تكتيك أو كلمات قد يستعملها المدرب لتحفيز فريقه؛ وإذا خسر دورتموند هذه المواجهة، على أرضه وبين جماهيره، فعليه حزم حقائبه للتوجه نحو اليوروباليج.

افتقد دورتموند للتمديد الطولي للملعب، بغياب المهاجم الصريح باكو ألكاثير، وبديله الذي لم يأتِ في السوق الصيفي، وشريكه ماركو رويس؛ لذلك في تلك الأوقات، فالشحن المعنوي والرغبة كانا الحل.

دورتموند مغاير مهدد بالإقصاء دخل بمزيد من الركض في عمق المنطقة، بانطلاقات فيتسيل الهجومية للضغط من الأمام، وبمشاركة الأظهرة الفعّالة هجومياً والتي وجدت أشرف حكيمي في مركز المهاجم واضعاً الكرة في الشباك في بداية الشوط الثانِ.

المزيد من الزخم، المزيد من التفوق في الصراعات الثنائية، والوصول أولاً إلى الكرة الثانية، وسرعة استرجاع الاستحواذ أمور دفعت فافري بوضع المزيد من الحطب إلى نار فريقه، فجاء تغيير باكو ألكاثير العائد من الإصابة بدلاً من ماريو جوتزه، ولم تكن أول ثوانٍ لدخوله متعلقة بمشاركة فنية فعّالة بقدر ما حملت حسن الطالع، فقدّم في أولى لمساته التمريرة الحاسمة لجوليان براندت ليضع هدف التعادل، ويعيد المباراة إلى بدايتها.

فريق الإنتر فاقد للتحكم وكأنه ريشة في عاصفة، ليرى كونتي الحل في تغييرات تسعى للتحفظ وحماية النقطة كما حدث ضد برشلونة، بوضع سينسي بدلاً من فيسينيو، ودخول لازارو بدلاً من بيراجي، مع نقل كاندريفا ناحية خط النار الأيسر، وفي النهاية دخول بوليتانو بدلاً من لوكاكو.

لم يستأصل كونتي الداء الذي ينتشر في جسد فريقه، داء التحطم النفسي أمام انتفاضة دورتموند، أو داء الجانب الأيسر المفكك، وتكرر الكابوس بهدف ثالث من نجم المباراة أشرف حكيمي لتكتمل “الريمونتادا”، وينتصر دورتموند لكبريائه.

كونتي رجل يرغب في التحكم في أدق التفاصيل، وهو أمر ينجح في الشوط الأول، وتذروه الرياح في الثانِ، وسواء كانت الأسباب في ضعف دكة البدلاء، مع الضغط البدني الهائل في التركيز المحلي على زحزحة العملاق الذي صنعه كونتي والذي يأبى أن يتزحزح عن لقب الكالتشيو، فقد وضع إنتر ميلان نفسه في موقف معقّد للغاية من صنع يديه، وعليه التدارك في تلك المجموعة المثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى