الهلال – أوراوا .. عملية عنق الزجاجة ..!

تحليل: محمد العولقي

“كرة القدم مثل الغولف .. إذا أردت أن تبلغ الهدف .. لابد من تحريك الكرة رويدا رويدا و بإتقان وتركيز شديدين .. لأن المسافة الفاصلة بين الكرة و حفرة الهدف مليئة بالمطبات والعراقيل .. وعليك اجتيازها ليس بنجاح فقط .. ولكن بعدد قليل من الضربات”.

هذه مقولة خالدة أطلقها المدرب البرتغالي كارلوس كيروش عندما أشرف ذات يوم على تدريب فريق ريال مدريد.

تذكرتها وأنا أتابع مباراة الهلال السعودي و أوراوا ريد دايموندز الياباني في ذهاب نهائي دوري أبطال آسيا، على ملعب جامعة الملك سعود بالرياض.

فاز الهلال أخيرا على أوراوا بهدف الدقيقة 60 وعن طريق ضربة رأس من مهاجمه البيروفي أندريه كاريلو ، وبعد إعداد مدهش من الظهير الهلالي الأيمن الممتاز محمد البريك، وساهم تموضع الحارس الياباني الخاطئ في ولوج الهدف ، لكن بعد أن كادت قلوب جمهور الهلال تتوقف من شدة الهلع والرعب.

الذين حللوا المباراة بإسهاب صبوا جام تركيزهم على السيطرة الهلالية شبه التامة ، لكن يبدو أن هؤلاء الذين يقرأون الكتاب من عنوانه فقط فاتهم الكثير ، فلم يلتفتوا إلى جزئيات بسيطة نسج خيوطها فريق أوراوا ولعب عليها للخروج من محيط الرعب بنتيجة معقولة، تجعل حظوظه كاملة عندما يحين لقاء الإياب في طوكيو يوم 24 نوفمبر الحالي.

جزئيات بسيطة استحوذ عليها أوراوا شوطا كاملا رغم قتامة الأسلوب ، لكنها تخلت عن الفريق في الشوط الثاني، لأن مدرب الهلال طبق قاعدة كيروش بحذافيرها ( الوصول إلى منطقة جزاء أوراوا بأقل عدد من التمريرات ).

ربما بدأ للعيان أن فريق أوراوا الياباني كان جامدا تماما ولم يبادل الهلال عمليتي الكر والفر ، لكن الواقع أن الفريق الياباني قدم مباراة تكتيكية بالغة الغرابة حتى الدقيقة 60 ، وهي الدقيقة التي عرف من خلالها كاريلو من أين تؤكل كتف أوراوا.

عشت ليلة المباراة على النقيضين في محاولة لفك طلاسم الفريقين، مدرب يندفع للأمام، وآخر يتحفظ في الدفاع بطريقة مستفزة، في النهاية ابتسم مدرب الهلال، ليس لأنه فاز بهدف مسمار جحا فقط، ولكن لأن فريقه حافظ على نظافة شباكه للمرة الأولى منذ ست مباريات تقريبا ، وهذه ربما كانت حسنة رازفان لوشيسكو الوحيدة التي يمكن البناء عليها في مباراة الإياب الصعبة.

* مفاجأة عطيف

ارتبط لوشيسكو بطريقة لعب فريقه المعتادة 4/2/3/1، كان مبدأها الأول سرعة الامتداد مع أهمية الارتداد عند فقدان الكرة، وتشكيل كثافة في عمق الوسط الدفاعي لستر عيوب قلبي الدفاع ..

كان لاعب وسط الارتكاز عبدالله عطيف هو حجر البناء الذي بنى عليه لوشيسكو تصوره ، ومن حسن حظ عطيف بالذات أن الفريق الياباني اختار الضغط على حامل الكرة اعتبارا من ثلث ملعبه، وليس من منتصف ملعب الهلال كما فعل السد القطري.

وهذا الطرح السلبي في مفكرة تسويوشي أوتسوكي مدرب أوراوا جعل عطيف يلعب بهدوء وروقان بال، فكان هو المتحكم في إيقاع اللعب ، تبدأ الهجمة من قدمه ابتداء” من قوس منطقة جزاء الهلال، وليس من قدم علي البليهي كما عودنا لوشيسكو دائما.

احتاط الهلال كثيرا من خطورة منافسه، وبدأ يعي أن التوازن بين الدفاع والهجوم حلا يمنع تكرار ما حدث للهلال أمام نفس الفريق، وفي نفس الدور قبل عامين، حين استقبلت شباك الهلال هدفا أضاع الحلم إيابا في طوكيو.

وعندما منح لوشيسكو فريقه الامتداد الهجومي المطلوب، فلأنه أولا كان يتسلح بعاملي الأرض والجمهور، وثانيا بضرورة تحقيق الفوز بأي ثمن، شريطة أن لا يلدغ من الجحر الياباني مرة ثانية.

الشمع الأحمر ذاب أخيرا 

اختار تسويوشي أوتسوكي مدرب أوراوا شاكلة قاتمة تماما تتأسس على التوزيع 5/4/1 ، توزيع يهدف إلى نشر آليات الفريق في منتصف ملعبه ، في حين ترك مهمة مناوشة دفاع الهلال للبرازيلي المهاجم فابريسيو.

اعتمد مدرب أوراوا في طرحه على هدفين تكتيكيين:

الأول: استنزاف قدرات لاعبي الهلال بدنيا ونفسيا
والثاني: امتصاص عاملي الأرض والجمهور من خلال إماتة الكرة كثيرا في منطقته والبحث عن أخطاء تكتيكية زرقاء تستهلك الوقت وتضغط على أنفاس وأعصاب الهلاليين.

لكن هذا الطرح رغم قيمته التكتيكية بدأ ناقصا من تصور مهم يتعلق بالشق الهجومي ، فكيف لفريق أوراوا أن يلعب في منطقة ملعبه طوال تسعين دقيقة دون أن يعمل حسابا للتفاصيل البسيطة ، أهمها التركيز دون شك ..؟

حقا لقد نجح المدرب الياباني في تسييج منطقة الوسط، و سد كل منافذ منطقة الدفاع بالشمع الأحمر ، لكنه في الأخير استقبل هدفا بسبب غياب التركيز فذاب شمعه الأحمر، لأن الهلال رفع من حرارة هجومه.

ثم منحه الحكم العراقي علي صباح هدية ثمينة عندما ألغى هدفا هلاليا جميلا سجله المبدع سالم الدوسري بداعي التسلل، مع أن الإعادة المتكررة أبثتت أن الدوسري كان في موقع سليم قبل تمرير الكرة نحوه.

ضبط مدرب أوراوا مقاسات فريقه للخروج بالتعادل في الرياض، وعندما جند كتيبة دفاعية بحتة لسد كل المنافذ انهار أهم رجالات المدرب، الأمر هنا يتعلق بحارس المرمى هاروكي فوكوشيما والذي ارتكب حماقة في الدقيقة 60 بخروجه الخاطئ لرفعة محمد البريك، فحولها أندري كاريلو إلى هدف يتيم لم يخرج المباراة من عنق الزجاجة (غاب التركيز فحدث الخطأ الذي ولد الهدف الوحيد).

تخلى مدرب أوراوا قليلا عن التكدس الدفاعي بعد هدف الهلال ، فبدأ عملية تنشيط هجومي من خلال الدفع بورقتيه الهجوميتين كينيو سوجيموتو و تومويا يوجاجين ، لكن ذلك النشاط الملحوظ قابله تماسك هلالي في العمق ، ففي ظل عقلية دفاعية بحتة بقي فريق أوراوا بلا حيلة وبلا أنياب هجومية.

مرونة هلالية .. وقتامة يابانية ..

ظهر فريق الهلال معظم فترات الشوط الأول بطيئا جدا في نقل الهجمة إلى منطقة جزاء أوراوا ، كان التحضير طويلا ومملا أتاح الفرصة للاعبي أوراوا شغل المساحات وخلق الكثير من المطبات أمام الثلاثي جوميز و جيوفينكو و كاريلو.

كان الهلال في أمس الحاجة لأن يعتنق نصيحة كارلوس كيروش .. الوصول إلى منطقة جزاء أوراوا بأقل عدد من التمريرات، وهذا لن يحدث إلا إذا قام لاعبو الهلال بتسريع إيقاع اللعب وتحرير ياسر الشهراني و محمد البريك من الواجبات الدفاعية المبالغ فيها.

ولأن الفريق الياباني أقام جمركا في الوسط الدفاعي تحديدا، فإن هذا التكتل حرم لاعبي الهلال من المساحات المطلوبة، وهو أمر فاقم من تسرع اللاعبين ومن ثم اللجوء للعب التقليدي السطحي الذي لا يؤكل هدفا.

لأكثر من ثلاثين دقيقة ظلت تحركات مهاجمي الهلال بدون كرة سيئة للغاية، لهذا لم يجد الدفاع الياباني وحارسه معاناة في التعامل مع بعض المناوشات التي كان بطلاها سالم الدوسري و كاريلو.

و إحقاقا للحق كان مدرب الهلال لوشيسكو قارئا جيدا للشوط الأول السلبي تماما، ولقد استفاد كثيرا من سلبية المرونة وعدم مفاجأة الخصم المتكتل، لهذا أحدث متغيرا تكتيكيا رائعا، منح فريقه الطراوة والليونة المطلوبتين في الوقت المناسب.

أقدم لوشيسكو في لحظة تجلي على منح الرواقين ياسر الشهراني ومحمد البريك مهاما هجومية، على أن ينضم سالم الدوسري وكاريلو إلى الداخل، بهدف فك طلاسم دفاع أوراوا والعبث بكثرته الليمونية.

ليس هذا فحسب .. لقد أطلق سراح ثنائي الارتكاز وبالذات عبدالله عطيف، ومنحهما أدوارا هجومية ساهمت في محاصرة فريق أوراوا في مساحة قبر.

لقد أحدث هذا التغيير في النهج التكتيكي سرعة وديناميكية زرقاء انعكست على مستوى صناعة الفرص ، كان هذا الفرز التكتيكي قد حرر الكثير من المساحات في الرواقين، في حين تنفس جوميز أخيرا وبدأ يفتح العمق أمام القادمين من الخلف جيوفينكو و كاريلو والدوسري.

أحدث هذا النهج سيطرة هلالية مطلقة مليئة بالكثير من الفرص الخطيرة التي ضاعت بغرابة، إما بسبب تألق الحارس الياباني ودفاعه، أو لرعونة مهاجمي الهلال وغياب اللمسة الأخيرة الحاسمة.

قلت إن تغيير النهج الهلالي خلق فوضى في منطقة جزاء أوراوا، حيث كان الزحام البشري الكثيف يتكئ على أزدواجية واتكالية في الطرح التكتيكي للفريق الياباني ، وهو خيار فوضوي أنهى الانضباط الدفاعي التكتيكي الذي بدأ به أوراوا المباراة.

تلقى البريك جرعة نشاط غير عادية فجعل من الرواق الأيمن منطقة مشتعلة بالكثير من التحويلات الخطيرة ، فكان من ثمار هذه الحرية أن أندري كاريلو استعاد مزاجه العالي، ليلعب دورا هجوميا في عمق الدفاع الياباني ، ومن هذا المتغير التكتيكي جاء هدف المباراة الوحيد وفي توقيت مثالي بالنسبة للاعبي الهلال.

صال لاعبو الهلال وجالوا بعد الهدف، وخلقوا الكثير من الفرص السانحة للتسجيل، تفنن جوميز وجيوفينكو و الدوسري في إهدارها بغرابة.

في الدقيقة 72 أفسد الحكم فرحة لاعبي الهلال بالهدف الثاني الذي سجله سالم الدوسري ، لكن الإعادة المتكررة أكدت أن فرحة لاعبي الهلال لها ما يبررها ، لقد كان هدف سليما لا غبار عليه دون شك في هذا.

وشهدت العشر الدقائق الأخيرة تألقا لافتا للحارس فوكوشيما حامي عرين أوراوا، الذي تصدى لكرات جيوفينكو وجوميز والبليهي بفدائية يحسد عليها.

منحت تبديلات لوشيسكو رغم تأخرها فريق الهلال المزيد من الهيمنة الميدانية ، فقد شارك محمد كنو المصاب على حساب عبدالله عطيف، وشارك نواف العابد على حساب جيوفينكو ، هذا الأخير الذي أهدر في الدقيقة 81 هدفا مؤكدا على إثر عرضية جميلة من الدوسري حولها جوميز بذكاء نحو جيوفينكو المندفع من الخلف دون رقابة، فسددها بقوة إلى جوار القائم الأيسر مفوتا على فريقه آخر فرصة حقيقية للتسجيل.

منطقيا أنجز الهلال نصف المهمة ، ويبقى النصف الآخر معلقا بمباراة العودة في طوكيو ، الفوز الهلالي الصغير لم يخرج المباراة عن مسارها الهتشكوكي ، فمن الواضح أن هناك بقية مشوقة لعملية عنق الزجاجة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى