ليفربول مانشستر سيتي…خطأ جوارديولا أم انتصار آخر لـ “الإنتروبيا”؟

تحليل- محمد عصام

ماذا يحدث إن سقطت نقطة من الحبر في كأس ماء؟ الإجابة أنها تنتشر وتتوغل، وتختلط تدريجياً بذرات الماء حتى تصل إلى كل أركانه؛ إنه المثال الأشهر لمفهوم “الإنتروبيا”، أو ميل كل الأنظمة في عالمنا لزيادة العشوائية فيها.

ذات المفهوم ينطبق على ليفربول، الفريق يبدع في استغلال “الإنتروبيا” لصالحه؛ ليس هناك تفاصيل معقدة في كرة يورجن كلوب، ليس هناك عبقرية مفرطة فيما يقدمه الفريق، لكنه ينتصر مراراً وتكراراً، بالبساطة وحتى “العشوائية” أحياناً.

الأرق المستمر لغريمه بيب جوارديولا، وهو على النقيض التام منه رجل النظام، رجل التحكم في التفاصيل والهوس، إنه المنظومة الأمنية التي تتدرب لسنوات وسنوات بكل عناية، قبل أن يأتي مجموعة من الشباب الفوضوي لينتفض ويتفوق عليهم.


“تشكيلة مانشستر سيتي – ليفربول”

ظهر إعداد جوارديولا الخاص لهذه المباراة منذ إعلان تشكيلة الفريقين، حيث عاد رودري في اللحظات الآخيرة ليدخل أساسياً مباشرة، وقرر اعتماد رسم تكتيكي أقرب لخطة 4-2-3-1 بوضع كيفين ديبروين في مركز رقم 10، والتحول الدفاعي لخطة 4-4-2، حيث يتخذ السيتزنز شكلاً أكثر تسطحاً، بخط وسط موازٍ للدفاع.

منذ صافرة البداية والسيتي يعلم جيداً أن لا خيار لديه سوى التنافس على الثلاث نقاط كاملة، رغم الغيابات، ورغم قلعة الأنفيلد؛ فارق الست نقاط فرض عليهم الهجوم والضغط منذ أولى الدقائق.

خمس دقائق كاملة لم يتمكن فيها ليفربول من إكمال مجموعة من التمريرات المتلاحقة المنظمة، قبل أن يسجل نفس فريق ليفربول هذا في الدقيقة السادسة.

نعم، إنها اللامنطقية التي يعبث بها الريدز مع خصومه مجدداً؛ هدف أول يغير من ديناميكية تلك المباريات حتماً، لأن السيتي الآن أصبح مطالباً بلعب المباراة مجازفاً لمدة أطول مما كان ينوي.

استعاد السيتي رباطة جآشه، وبدأ شن المحاولات مجدداً، نفس النظام في تناقل الكرات، نفس الخطة التي رسمها بيب للاعبيه؛ وفي الدقيقة الثانية عشر، قدّم أرنولد تمريرة قطرية مذهلة نحو الظهير الآخر روبيرتسون الذي قدّم بدوره عرضية لا تصدق نحو صلاح أنهاها في الشباك؛ ظهيرا ليفربول مجدداً، السلاح الذي يعرفه الجميع لكن لا يبدو أحد قادراً على إيقافه.

ربع ساعة مرت، وصل فيها ليفربول مرتين، سدد مرتين، وتقدم بهدفين؛ بينما وصل السيتي ست مرات بلا نجاح يذكر.

نسبة الأهداف المتوقعة في الشوط الأول: ليفربول 0.59 –مانشستر سيتي 0.68″

“نسبة الأهداف المتوقعة في الشوط الأول: ليفربول 0.59 –مانشستر سيتي 0.68”

السيتزنز المتأخر بهدفين كان تحت شعور قسوة النتيجة رغم الدراسة والتحضير، وحتى التفوق في نسبة الأهداف المتوقعة طيلة الشوط؛ لكن الأدرينالين المندفع في عروق الريدز أقوى من النظام المحكوم بعناية، وثلاثي هجوم ليفربول الذي لا يكل لم يكتفِ بوضع التحدي الدفاعي على السيتي بركضه، بل طرح السؤال الأصعب على وقت هجوم السماوي، وهو كيفية اجتياز خط الضغط الأول الشرس، والذي أضاع السيتزنز أغلب دقائق الشوط في محاولة حل هذه المعضلة.

على النقيض فإن معدلات ضغط هجوم السيتي بكل من أجويرو وديبروين سمحتا لدفاع ليفربول بخروج الكرات بسلاسة، مع قرارات غريبة من أجويرو في الثلث الآخير من الملعب للتخلص من شبح التسجيل في أنفيلد؛ وفي تلك التفاصيل الجانبية، لُعبَت المباراة.

بدأ الشوط الثاني، واستمر ليفربول في فرض الشغب والفوضى، حين سجّل مجدداً في الدقيقة الواحدة والخمسين دون أن يقدّم بداية تمهد لذلك، وهنا بدأت قطرة الحبر تختلط بالماء تماماً، ويستقر لون المزيج.

لأن الفارق النفسي ظهر جلياً في الدقائق التالية، ليفربول لا يشعر بالضغط حين يستقبل الفرص، وحتى الأهداف، ويلعب للدفاع عن تقدمه؛ لكن مطاردة السيتي المستمرة للنتيجة دون عائد، بل استقبال المزيد، أرهقتهم، وأحبطتهم تماماً، وتهشم السيتي نفسياً في تلك الفترة.

قرر كلوب أنه حان وقت التأمين الدفاعي، وغلق الجبهة الأقوى لدى السيتي سترلينج-أنجلينو والتي مازالت تحاول صناعة الفارق، فقام بنقل ماني يميناً، مع دخول ميلنر على اليسار بدلاً من القائد جوردان هندرسون.

مرت الدقائق على بيب سريعة، وقف فيها يراقب فريقه يصنع فرصاً ويضيعها بكامل الإحباط، حتى خارت عزيمة ليفربول في الركض، فقام بسحب أجويرو آخيراً ووضع البديل الوحيد جابرييل خيسوس.

نشطت الأمور قليلاً بعد التغيير، وقلّص السماوي الفارق تحت غضبة كلوب على الحكم الرابع لأن الهدف جاء من ذات الثغرة على يمين دفاعه، والتي كان يجهّز تغييراً –تشامبرلين- تعطل بقرار الحكم لإغلاقها.

“جوندوجان في الشوط الأول نجح في استخلاص واحد من أصل 5”

“جوندوجان في الشوط الأول نجح في استخلاص واحد من أصل 5”

دبت الحياة في صفوف السيتي، وتراجع ليفربول للتأمين، وهنا وقع بيب في الخطأ، فلم يقدّم المزيد من الحلول من دكة البدلاء؛ جوندوجان سيء، ديبروين يعاني، محرز وكانسيلو وحتى الشاب فودين على الدكة جميعهم قادرون على تقديم الإضافة، لكن تلك التفضيلات التي تتكون بمرور السنين منعته من استخدام كامل إمكانيات فريقه لتقديم المزيد من قوة الدفع على أرضية الملعب، فجلس قانعاً يراقب مرور الدقائق.

أما كلوب، فقرر بكل سعادة أن يضع المزيد من الأسمنت على ثغرة جانبه الأيمن، فدخل جو جوميز بدلاً من محمد صلاح في الخمس دقائق الآخيرة.

في النهاية فإن فريق ليفربول الحالي صنع ريمونتادا على برشلونة بلا صلاح أو فيرمينيو، مع إصابة روبيرتسون في شوط اللقائيَن الأهم، ولم يقم بذلك لأنه الأكمل فنياً، أو صاحب دكة البدلاء الأقوى على الإطلاق؛ لكن لأنه يؤمن باستغلال الفرص، وتحويل الهجمة، ومشروع الهجمة إلى أهداف؛ إنها “الهيفي ميتال فوتبول” والفوضى التي تغلف ملعب الأنفيلد، إنها صوت الشعوب المنتفضة، وإنها “الإنتروبيا” الكروية التي تنتصر مجدداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى