يوسف عبيد.. عندما يزأر الأسد في عرينه!

كتب- محمد العولقي

“حارس المرمى الجيد نصف الفريق “، مقولة تنطبق على معظم حراس المرمى في العالم، لكنها لا تنطبق على الحارس العماني يوسف عبيد، لا تجعل هذا يدهشك، ففي بطولة كأس الخليج التاسعة التي أقيمت في الرياض عام 1988، أثبت يوسف عبيد خطأ تلك المقولة..

لا داعي لأن تقطب جبينك عزيزي القارئ مرة أخرى، فيوسف عبيد أضاف لتلك المقولة جزئية مهمة لا تنطبق إلا على قلة من حراس مرمى المنتخبات الخليجية، في تلك البطولة التي شكلت انقلابا في مفاهيم كثيرة، أكد يوسف عبيد أن حارس المرمى يمكن أن يكون كل الفريق، وليس ربعه أو نصفه كما تشير تلك المقولة الشهيرة ..

ولأن يوسف عبيد كان كل الفريق العماني، فقد تم اختياره أفضل حارس مرمى في الدورة، وتقدم يوسف طابور المكرمين في اليوم الختامي، وهنا همس مدرب المنتخب العراقي الراحل عمو بابا في أذن يوسف:” كنا نتباهى بحارس مرمانا رعد حمودي، ونصفه بأنه نصف الفريق، إلى أن أثبت يا يوسف أن الحارس يمكن أن يكون كل الفريق”، رفع يوسف عبيد رأسه وجالت عيناه بالملعب التحفة (ستاد الملك فهد الدولي)، كان يعلم تماما أن هذا الملعب العملاق سيخلد تلك اللحظة التاريخية، وستدخل أرشيف بطولات كأس الخليج ولن تغادرها أبدا ..!

وعندما يتقدم يوسف عبيد على عمالقة حراس تلك البطولة، على غرار العراقي فتاح نصيف والسعودي عبدالله الدعيع والبحريني الأسطورة حمود سلطان والكويتي سمير سعيد والإماراتي عبدالقادر حسن، فهذا إنجاز شخصي يرفع من حجم العمل الكبير الذي قدمه الحارس العماني ..

يوسف عبيد في مواجهة الإمارات بخليجي 9 بالرياض 1988

قد يستغرب أحدكم ويسأل: كيف يفوز يوسف عبيد بالقفاز الذهبي في الدورة، وقد دخل مرماه تسعة أهداف في ست مباريات ..؟

الإجابة ببساطة شديدة : لأن يوسف عبيد أنقذ مرماه من أهداف مؤكدة تفوق ما دخل مرماه بأرقام مهولة، ورغم أن يوسف عبيد تألق كثيرا في المباريات الست وحمى عرينه بفدائية، إلا أنه يمكن القول إن مجد هذا الحارس صنعته مباراتان خالدتان في تلك الدورة، الأولى: مباراة يوم الرابع من مارس، وتحديدا أمام منتخب العراق العائد وقتها من نهائيات كأس العالم بالمكسيك، والمتأهل إلى نهائيات أولمبياد سيول 1988، في هذه المباراة الصعبة خاض يوسف عبيد تحديا مثيرا للدهشة، عندما أفشل كل محاولات الهداف الطائر أحمد راضي، كاد هذا الأخير يجن وهو يشد شعر رأسه متسائلا: من أين لمنتخب عمان هذا الحارس المجازف الذي يحمل قلبه بين كفيه ..؟

سدد نحلة العراق حبيب جعفر وابلا من الكرات المركزة، أحبطها يوسف عبيد بفضل ليونته وسرعة ردة فعله، كانت المباراة تقريبا في اتجاه حارس مرمى عمان، خصوصا بعد أن سجل لاعب الوسط العماني ناصر حمدان هدف التعادل، ردا على هدف العراقي المتألق علي حسين، كشر العراقيون عن أنيابهم في الشوط الثاني واحتلوا نصف ملعب منتخب عمان، وظل يوسف عبيد برباطة جأشه صامدا صمود برج الصحوة ..

كان يزأر كالأسد في عرينه لا يلوي على شيء، تدخلاته كانت صارمة، مجازفاته كانت محسوبة بالمنقلة والبيكار، لم يهدأ في مرماه، وهو يشاهد لاعبي العراق وقد خيموا في منتصف ملعب عمان دون جمارك ..

بدا من الوهلة الأولى أن طاقة لاعبي عمان قد نفدت تماما، تسرب الإعياء البدني إلى قوى اللاعبين، وبدأ التركيز الذهني ينحدر رويدا رويدا، وهنا تحمل يوسف عبيد كل الضغط النفسي والبدني، وقرر خوض التحدي وحيدا في المعركة، انتهت المباراة بالتعادل، ولم يصدق العراقيون أنهم بدأوا الدورة بطريقة مزعجة للغاية..

صوب العراقيون أنظارهم نحو حارس عمان يوسف عبيد، ثم انتقلت الدهشة إلى لسان مدربهم عمو بابا قائلا :” كانت المباراة بين منتخب العراق وحارس مرمى منتخب عمان”،
وأضاف بصوت متهدج : “أرفع القبعة لهذا الحارس الذي وقف في وجه ترسانة العراق الهجومية “.

المباراة الثانية : مباراة يوم العاشر من مارس، في هذا اليوم أعاد العمانيون كتابة تاريخهم في دورات كأس الخليج، أو قولوا كتبوا أول سطر في مدونة ملحمية سيتوارثها فيما بعد جيل جديد جد مبدع، فاز منتخب عمان على منتخب قطر بهدفين لواحد، كان الفوز الأول في تاريخ مشاركات منتخب عمان، هذا الفوز فتح شهية العمانيين بعد ذلك، فانتقلوا من مربع المشاركة للاحتكاك، إلى المشاركة للمنافسة، ونفض الغبار عن المركز الأخير الذي لازمهم طوال ست دورات خليجية كاملة ..

بعد ذلك الفوز المدوي، تغيرت المعادلة الخليجية تماما، فبعد أن كان منتخب عمان مجرد سمكة حمراء وسط أسماك قرش الخليج، تحول منذ 17 عاما إلى حوت يلتهم تلك الأسماك بالهناء و الشفاء ..

المنتخب العماني بخليجي 10

وإذا كان المهاجمان الكبيران يونس أمان وغلام خميس هما من ردا صاع القطري منصور مفتاح بصاعين، إلا أن الفضل الأول في هذا الانتصار بعد الله سبحانه وتعالى يعود للحارس يوسف عبيد، قدم الحارس العماني مباراة أكروباتية تسر الناظرين، أظهر خلالها الكثير من مهاراته في التصدي للكرات الهوائية والانفرادات التامة، وأفشل كل غزوات حسن جوهر وخالد سلمان وعادل خميس وإبراهيم خلفان ..

كان أهم متغير في تلك المباراة التاريخية لحظة تسجيل غلام خميس لهدف عمان الثاني، عندها تقدم الحارس يوسف عبيد من غلام قائلا: ” انتهت مهمتكم في الهجوم، دعوا مهمة الدفاع عن هذا الانتصار لي أنا وحدي”، وفعلا تمكن يوسف من إحباط كل المحاولات القطرية، وسمح لشوارع مسقط أن تظل مستيقظة حتى الصباح ..

شرب العمانيون نخب انتصارهم الأول في دورات الخليج، غنوا للنخبة العمانية طويلا، وتغنوا أكثر بعبقرية حارسهم الفدائي يوسف عبيد، ما رأيكم الآن : هل تصدقون أن الحارس يمكن أن يكون كل الفريق وليس نصفه ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى