سؤال المليون ..!

كتب- محمد العولقي

أعترف بأنني حائر بين قلبي وعقلي، أقول ذلك بمناسبة الحديث عن الزملاء الإعلاميين الذين يرصدون الحدث الخليجي ويحللونه ويغربلونه ..

قلبي معهم في مهمة التنقيب عن أخبار مهنة المتاعب، وعقلي لا يؤيدهم عندما يحشرون أنفسهم بين بصلة المباريات وقشرتها ..

ولأن العواطف تنبع من القلب، فإنني بعواطفي لا أنسى ولا أجحد الدور الكبير الذي يلعبه الزملاء في ملعب خليجي أخباره مشتعلة كالجمر، ولا أنكر أن تنافسهم الساخن في تقديم الوجبات الشهية والدسمة، يحفزني على مطاردة المواقع الرياضية بحثا عن التنوع الذي يثري الفكرة ..

وإذا كنت أؤيدهم بعاطفة قلبي بحكم الانتماء لنفس المهنة المقدسة التي تحتاج دائما إلى ضمير حي، وأخلاق فرسان يبحثون عن التخصص، إلا أنني في نفس الوقت لا أستطيع بعقلي تأييدهم في دخول معترك التحليل الفني للمباريات دون ضوابط ..

هذا لأن التغطيات دائما تأتي سردية، تقليدية، كلاسيكية، خالية من كل أدوات التحليل الفني الشامل والكامل ..

أعترف أنني متحمس لقراءة كل التغطيات الإعلامية لبطولة خليجي 24 بالدوحة، أقف مع جميع الزملاء على خط واحد، ومجمل كتاباتهم الاجتهادية في مجال التحليل الفني للمباريات حقوقها محفوظة ومحل تقدير، ووفق هذا التعاطف المهني أقول لهم : نعم أقدر جهدكم السردي البعيد كل البعد عن التحليل، وبعقلي أقول لهم : لا يا حضرات السادة الزملاء الأجلاء تغطياتكم للمباريات سردية سطحية، خالية تماما من كل أدوات التحليل الفني للمباريات ..

التحليل الفني بحره غويط وعميق، ولكي تكون محللا بارعا يجب أن تمتلك ناصية هذا العلم الصعب، يجب أن تكون سباحا ماهرا في قراءة ما بين سطور المباريات، وإلا فإن هذا البحر المترامي الأطراف سيبتلعك، أو على أقل تقدير سيقدمك للمهتمين بأمر الشاكلات وبلاويها الزرقاء ساذجا، لا تعرف ثلث الثلاثة كم ..؟..

بمقدور كوكبة الزملاء المشاركين في تغطية خليجي 24 أن يجعلوا من خليجي الدوحة الغناء نقطة تحول نحو إعلام رياضي يؤمن بالتخصص، لكن ليس قبل أن يؤمن كل صحفي يرصد مباريات القدم، أن يختار حسب موهبته وإمكاناته الفكرية والثقافية : إما مطاردة الخبر بأمانة، أو احتراف التحليل الفني بكل حمولته الثقيلة، هذا لأن زمن الإعلامي (الكوكتيل) القابل للطرق والسحب ولى إلى غير رجعة، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه ..

ولأن حملة الأقلام (قديما) واللابتوبات (حديثا، ينتمون لميدان إعلامي مفتوح، يتطلب التنافس الشريف المصحوب بإثارة القضايا الشائكة، فهذا يعني تذكير الزملاء أنهم قادة الرأي السليم وضمير الحركة الرياضية الخليجية المصحوبة بالبركة..

لا أود أن ينصب كل إعلامي رأيه على عباد الله على أنه تحليل فني لا يتطرق إليه الشك، كما لا أود أن يتحول الصحفي إلى أبي العريف أو مخبر، فيوزع التهم جزافا على مدربين محترفين، ثم يطالب المدرب الذي شاب رأسه وشيب في ميدان الحذق التدريبي بتغيير طريقة اللعب، أو الاعتماد على محاور دخانية من بنات أفكار أخينا أبي العريف، والذي يرى في نفسه (فشفشي يعرف كل شيء)..

من حق الإعلامي أن يبحث في مفكرة المدرب، ومن حقه أن ينقب عن الأخطاء الفنية والتكتيكية بالعدسات المقعرة والمحدبة، ومن حقه أن يقول رأيه إذا كان ضليعا بخطط وأساليب اللعب، لكن التدخل السافر في الشأن الفني دون تخصص أو إلمام مرفوض جملة وتفصيلا ..

نعم هذا التدخل غير المنطقي مرفوض، خصوصا عندما يتناوله مراهق أو دخيل ضاقت به ميادين الحياة، فرمته إلى عالم الصحافة الرياضية مخللا ( عفوا محللا)، على حين غفلة من فرسان المفردة التحليلية ذات الكعب العالي ..

ولا يمكن إغلاق هذه المساحة دون تقديم واجب النصيحة للزملاء الإعلاميين في الدوحة، حتى لو جاءت هذه النصيحة محملة على كبسولة صاروخ عابر للقارات: في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها المدربون قبل وعقب كل مباراة في خليجي 24، أنصح بعض الزملاء النابهين بتجنب الأسئلة الشائعة التي ترفع الضغط، فليس من الكياسة المهنية وبعد معاشرة 24 دورة خليجية أن يكون السؤال غبيا ولا يضيف شيئا ..

هذه الملاحظة استرعت حواسي وقرون استشعار المهنة وفرضها علي عقلي – وليس قلبي – تكرار سماع نفس الأسئلة التي سمعتها في كل دورة وفي كل مباراة، وهي ملاحظة شديدة الأهمية، تثير في النفس الأمارة بالسوء الكثير من الأسى والتبرم والحنق والسخط ..

أما وقد بات المغطى مكشوفا على الهواء في المؤتمرات الصحفية الخاصة بمباريات خليجي 24، فمن الأفضل للزملاء الذين يكررون الأسئلة ذات الجهل المركب أن يتوقفوا عن تصدير مثل تلك الأسئلة الروتينية البائسة والمخجلة ..

أما لو كان بعضهم من هواة الثرثرة ومدمني الفرفشة والمظهرة والغشمرة، فلا بأس أن يعدوا من الواحد إلى المليون قبل طرح السؤال على المدرب أو اللاعب، أما لماذا إلى المليون، وليس إلى المائة مثلا؟، فحتى يكون المؤتمر الصحفي قد انتهى على خير.. دون أن نسمع مثل تلك الأسئلة المكررة الساذجة التي توجع القلب والعقل معا ..!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على محمد بنيس إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى