ميسي أم فان ديك ..؟

كتب- محمد العولقي

لكي تفوز بجائزة الكرة الذهبية، لابد أن تكون أولا ليونيل ميسي، ويشترط ثانيا أن تكون لاعبا إما لبرشلونة أو لريال مدريد، هذه الحقيقة الساطعة في كبد السماء، فهمها الهولندي فان ديك قلب دفاع ليفربول الإنجليزي متأخرا جدا جدا ..

فقبل أيام على إعلان هوية الفائز بالكرة الذهبية لهذا العام، كان فان ديك يظن أنه يمسك بكل خيوط الجائزة الفرانس فوتبولية، فاته فقط أنه أمام صحافة الميول والتعصب الأرعن لبرشلونة أو ريال مدريد، وهي صحافة حربائية غدارة ناكرة للجميل والمعروف معا، ولا تهتم كثيرا بمدافع عملاق، تسلق فريقه على كتفه ليفوز بدوري أبطال أوروبا في وجود ميسي بشحمه ولحمه..

ظل فان ديك على قناعة بأن إنجازه الكبير في دوري أبطال أوروبا، ثم السوبر الأوروبي، تأشيرة مرور نحو قلب كل صحفي نظيف وشريف لم يأخذ ضميره إجازة بمرتب..

فات على فان ديك أنه أمام صحافة التعصب والتلون لفريقي برشلونة وريال مدريد، وفات عليه أنه في زمن لا يرى فيه رجالات الصحافة من مهنيين ودخلاء سوى لوني البلوجرانا و الميرنجي ..

كنت ولازلت في زمن بزنس الجائزة أسأل: على أي مقياس تمنح فرانس فوتبول كرتها التي تثير جدلا منذ أن صار لكوكب الأرض قطبيها ميسي ورونالدو ؟ وهل الإنجازات أهم أم الأداء الفردي ..؟ سؤال يمكن لإجابته الموضوعية أن تضع مدافع ليفربول، وقائد منتخب هولندا فيرجيل فان ديك أولا قبل ميسي بمراحل كثيرة سواء احتكم المحكمون للإنجازات أو لتأثير الأداء الفردي، فالأمر في كلتا الحالتين سيان ..

ولكي تكتشف فارق التأثير الفردي والجماعي بين المهاجم المعشوق والمدافع المرموق، انزعهما من تشكيلة وشاكلة برشلونة وليفربول، وشاهد الفارق في التأثير بعين خبير يعرف ويستوعب كيف يستقيم البناء الشامخ على أرضية صلبة..

الموسم الماضي، خاض برشلونة كلاسيكو الذهاب أمام ريال مدريد بدون ميسي، وفاز البرشا خمسة صفر، ميسي نفسه كان حاضرا في مباراتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ليفربول، عمل العجب ذهابا، لكنه توفي إيابا في أنفيلد، وكان سببا في إقصاء فريقه ..

على عكس فان ديك، كان أساس وأس بناء ليفربول ومحور نجاحه محليا وأوروبيا، ولو غاب في مباراة تفككت منظومة ليفربول الدفاعية، وربما تلاشت مثل خيط دخان، قد تبدو المقارنة بين مدافع ومهاجم غريبة، وربما غير مستساغة لمن ينظر فقط لنصف الكوب الفارغ، لكنها في الواقع مقارنة علمية وعملية تضع الفواصل بين مدافع منع عن فريقه ضعف ما سجله المهاجم، كما سجل في المباريات الصعبة بطريقة فاقت المهاجمين أنفسهم..

وإذا كان عشاق ميسي يرونه يمثل نصف قوة برشلونة، ففان ديك بكل حيادية وتجرد من هوس التعصب الأعمى، يساوي ثلاثة أرباع قوة ليفربول، إذا كان الصحفيون قد صوتوا لميسي، لأنه بصم على إنجاز فردي في دوري الأبطال، ففان ديك منع عن مرمى ليفربول ضعف ما سجله ميسي من أهداف..

وإذا كان منطق الكرة الذهبية يعتمد على الإنجاز، فهل فوز ميسي ببطولة لاليغا الإسبانية، أفضل وأغلى من فوز فان ديك بدوري أبطال أوروبا ..؟، للأسف أن زمن الاعتماد على الثوابت والمقومات الفردية والجماعية انتهت في عصر شيطنة الكرة الذهبية، بل إن تلك المصفوفات والمقاييس انقرضت، وباتت عملة قديمة والتعامل معها بدعة، وكل بدعة ضلالة..

جاء زمن ميسي ورونالدو وبلا أوراق التقويم المنطقي وشربا ماءه، جاء زمن الشركات الدعائية التجارية التي تدفع مقابل الإبقاء على هذا العبط الذي تتحفنا به مجلة فرانس فوتبول منذ عشرة أعوام،
يمكنني أن أحلف اليمين أمام أقرب جامع بأن فان ديك كان سيحصد الكرة الذهبية لو كان لاعبا لريال مدريد وليس ليفربول، عندها سيمضغ المصوتون حجج الإنحاز الجماعي وتأثيره الفردي على الفريق، سنسمع من هؤلاء الخراطين عجبا قبل أن نبلغ رجبا..

سيفضح تاريخ الجائزة المتاجرين بسمعتها، عندما يفتش هواة الرصد ويتحرون عن حركة شراء الذمم وبيع الجائزة في مزاد ميسي ورونالدو دون ثوابت منطقية أو مقومات فلسفية ..

نحن نعيش زمنا يعبث فيه ميسي ورونالدو بكل قيم ومبادئ الكرة الذهبية، سنضحك ضحكا بحجم البكاء عندما يخرج ميسي أو رونالدو في أي موسم دون لقب كبير، ومع ذلك فالجائزة تنتظر الأكثر خيبة فيهما، وستستمر هذه الملهاة حتى يتقاعد الغريمان ويبلغان الأجلين معا..

العام الماضي، عام جد الجد، حيث تكشف بطولة كأس العالم نجم الذهب من النجم الفالصو، ذهبت الكرة للاعب مدريدي، وخرج الفرنسي أنطوان غريزمان بطل العالم إلى جانب لقبين أوروبيين مع الأتلتيك من مولد الجائزة وقفاه يقمر عيشا..

عام 2010، رموا الكرة الذهبية في حضن ميسي، مع أنه تمرمط مع منتخبه في جنوب أفريقيا، وانكسر أمام ألمانيا ولا انكسار نابليون في موقعة واترلو، حجبت الجائزة عن مستحقها الوحيد الإسباني أندرياس أنييستا، يا لها من مكافأة ..!

في العام 2012، تعرض الإسباني الآخر تشافي هيرنانديز لمذبحة مروعة، فقد تنكرت له الكرة الذهبية وراحت لميسي المفلس تماما ذلك العام، في حين كان تشافي نجما فوق العادة لبطولة الأمم الأوروبية والتي أحرز لقبها الماتادور للمرة الثانية تواليا..

وفي 2013، تعرض الفرنسي المسكين فرانك ريبيري لأكبر سرقة في تاريخ الجائزة، عندما فاز ذلك الموسم بخمسة ألقاب سمينة رفقة بايرن ميونيخ الألماني، بينها دوري أبطال أوروبا، ومع ذلك أهدوا الكرة الذهبية للبرتغالي كريستيانو رونالدو الذي خرج من مولد ذلك الموسم خالي الوفاض..

بعدها بعام واحد، عاد الخراطون وهم هذه الأيام كالنمل، وحرموا حارس ألمانيا مانويل نوير من الكرة الذهبية، ومنحوها زورا وبهتانا لرونالدو، مع أن نوير توج بكأس العالم في البرازيل، والبرتغال خرجت إلى الأوت مبكرا ..

والآن جاء الدور على فان ديك، استكثروا عليه الجائزة لأنه لا يلعب في ريال مدريد أو برشلونة، عاد الخراطون يمجدون اللقب الفردي من جديد، استدلوا به على بعرة البعير لتبرير الأثر والمسير، والدفاع عن أحقية ميسي بكرته السادسة..

وكم كان سيرجيو راموس مصيبا عندما قال: يجب على فرانس فوتبول تصميم جائزتين كل موسم، واحدة يتنافس عليها ميسي ورونالدو، والأخرى يتنافس عليها اللاعبون الغلابى الذين ليس لهم ظهرا قويا مثل ريال مدريد أو برشلونة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى