برشلونة، ريال مدريد.. أين اختفى خط الوسط؟

تحليل- محمد يوسف

كل مباراة من مباريات الكلاسيكو تملك مكانةً خاصةً في تاريخ أعظم منافسة في عالم كرة القدم؛ العواطف الجياشة، التنافس الشرس، الأداء الكروي المميز، بجانب العداء السياسي كلها تندمج في مباراة من 90 دقيقة.

ومع اشتعال الأحداث في الإقليم الكتالوني، كان متوقعاً أن يكون هذا الكلاسيكو أيضاً واحداً من هذه المباريات التاريخية، خاصةً مع تقارب مستوى برشلونة ومدريد في بطولة الدوري، وحصدهم لـ 35 نقطة قبل المباراة، والذي كان بمثابة وعد لنا بأن هذه ستكون إحدى أكثر مباريات الكلاسيكو تنافسية وانفتاحاً في السنوات الأخيرة.

مشهد لملعب كامبنو قبل مباراة برشلونة وريال مدريد في ذهاب الدوري الإسباني

لكن، وعلى عكس التوقعات، بالتأكيد لن تخلد هذه المباراة في التاريخ، ولن يتذكرها أحد بنهاية هذا الموسم؛ مباراة مُخيبة للآمال، من ناحية النتيجة والأداء.

أول مباراة كلاسيكو تنتهي بدون أهداف منذ 17 عاماً، عندما هتفت الجماهير الكتالونية ضد لاعبهم السابق لويس فيجو عندما حضر لزيارة ملعب الكامب نو في نوفمبر عام 2002.

أين اختفى خط وسط البارسا؟

تشكيلة مباراة كلاسيكو الذهاب بين برشلونة وريال مدريد لموسم 2019

عند إعلان تشكيلة البلوجرانا، كان يلعب سميدو في الجهة اليمنى، مع دخول سيرجي روبرتو إلى وسط الملعب بجانب سيرجي بوسكتس وفرانكي دي يونج، مع جلوس إيفان راكيتتش على دكة البدلاء. لكن المفاجأة جاءت قبل بدء أحداث المباراة بربع ساعة، عندما تغيرت التشكيلة في الوسط، بنزول راكيتتش بديلاً لـ سيرجي بوسكتس!

ليجعلنا جميعاً نتساءل: هل هو تغير تكتيكي في اللحظة الأخيرة؟ هل كان خطأ؟ هل سيرجي مُصاب؟ أو هل قد تجرأ فالفيردي حقاً على استبدال لاعب الارتكاز الكتالوني بالكرواتي راكيتتش؟

في المقابل، كما صرح فالفيردي نفسه بعد المباراة أن بوسكتس كان مُصاباً بالحُمّى، ولهذا لم يتمكن من المشاركة. على أي حال من الأحوال، مع غياب بوسكتس وأرتور ميلّو، فإن خط وسط برشلونة أصبح في معاناة وأزمة شديدة، أكثر مما كان عليه من الأصل، وليزيد فالفيردي من المعاناة، لعب براكيتتش كلاعب محور ارتكاز، بجانبه سيرجيو روبرتو على اليمين والهولندي دي يونج على اليسار.

السؤال محير جداً في رأيي: لماذا بدأ فالفيردي بنيلسون سميدو العائد من إصابة، وأدخل روبرتو إلى خط الوسط، ولمساعدة إيفان راكيتتش على فك الحصار الذي فرضه لاعبي وسط الريال على خط وسط البارسا؟

برغم أن الوحيد الذي بإمكانه أن يلعب في مركز الارتكاز هو الهولندي الذي بدأ به على الجهة اليُسرى، والذي للمفارقة حاول كثيراً ونجح في تأدية الدور المطلوب في الأساس من الكرواتي راكيتتش!

مع أنه كان بالإمكان البدء بالهولندي كمحور ارتكاز، يسانده أرتورو فيدال، الذي يملك اللياقة والقوة البدنية الكافية لمواجهة ضغط لاعبي الريال المتوقع. لكن يبدو أن فالفيردي يفكر بمنطق جديد، أو بلا منطق من الأساس!

ضغط عالي وسيطرة للملكي

مباراة برشلونة وريال مدريد في ذهاب الدوري الإسباني موسم 2019

كان من المُتوقع أن يلعب زيدان على الضغط العالي من مناطق متقدمة من الملعب، باعتماده على رسم خططي أقرب إلى 4-4-2 دياموند، مع مشاركة إيسكو كلاعب وسط حر، وتوني كروس وفالفيردي على طرفي الدائرة، وفي الأسفل البرازيلي كسيميرو.

نجح الميرنجي في تطبيق الضغط العالي بالفعل على دفاع وخط وسط البارسا، وأغلقوا معظم زوايا التمرير، ليلعب راكيتتش وروبرتو تحت هذا الضغط، ليصبح الخروج بالكرة من منتصف ملعب البارسا أمراً صعباً، لكن تخطاه في عدّة لقطات الحارس الألماني شتيجن، الذي أدى دور الظهير الربعي الذي يرسل التمريرة الطولية في كرة القدم الأمريكية، بتمريرات طويلة لسواريز العائد إلى دائرة المنتصف ليسلم الكرة إلى روبرتو، والذي بدوره يتناقلها مع ميسي، الذي يعود بدوره هو الآخر للنزول إلى المنتصف للهروب من الرقابة الدفاعية التي فرضها عليه راموس وكسيميرو.

ولكن تمكن ميسي من كسر خطوط الضغط الذي فرضها الميرنجي بتمريراته البينية المعتادة، والتي تفنن جوردي ألبا في إضاعتها.

فرض الريال سيطرته على مجريات اللقاء، وحاول الوصول إلى مرمى الألماني شتيجن، من خلال فتح الملعب كالعادة، والاعتماد على الكرات العرضية، لكن مع خروج الفرنسي كريم بنزيمة بعيداً عن مناطق الخطورة القريبة من المرمى الكتالوني، لم يتمكن الميرنجي من خلق الفرص اللازمة للتهديف، واعتمد على تسديدات لاعبي الوسط من خارج منطقة الجزاء.

مشكلة مزمنة في النظام الكتالوني

ميسي في مباراة برشلونة وريال مدريد في ذهاب الدوري الإسباني موسم 2019

مشكلة ما يمثله هذا الكلاسيكو بالنسبة للنظام الكتالوني هو أنه مجرد حلقة أخرى في مسلسل مستمر منذ ثلاثة مواسم، مشكلة مزمنة في النظام. على الأقل امتلك زيدان شكلا تكتيكيا منظماً، حتى لو لم يحسن استغلاله، لأنه في ظروف معاكسة، البارسا دائماً ما يستغل فترات التخبط التكتيكي للريال في مباريات الكلاسيكو، ومباراة الموسم الماضي على الكامب نو ليست بعيدة عن الذاكرة.

لكن على الجهة الأخرى، لم يملك فالفيردي أي شكل تكتيكي، أو رؤية لما يحدث على أرض الملعب، معتمداً كالعادة على الحلول والمهارات الفردية لشتيجن وليو ميسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهو كما نرى في كل موسم، يؤدي هذا الاعتماد المبالغ فيه على اللمحات الفردية والفنية إلى نتائج كارثية أكثر من الموسم السابق له.

بالطبع، ربما تسبب غياب سيرجي بوسكتس بظهور خط وسط البارسا بهذا الشكل، لكن حتى إن لعب بوسكتس كانت المشكلة ستستمر، المشكلة هنا ليست في نوعية اللاعبين أو أدوارهم، المشكلة أن النظام القائم بأكمله لا ينبغي أن يكون نظاماً داخل أسوار قلعة الكامب نو. وهو ما يتكرر ظهوره باستمرار في مختلف البطولات والمواجهات.

فلم يكن في مخيلة أي شخص كيف تغير نظام الفريق، الذي بُني دائماً على خط الوسط، منذ أول كلاسيكو في هذا العقد عن آخر كلاسيكو فيه. ليصل إلى هذه الحال التي يبحث فيها الجميع عن أين اختفى خط الوسط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى