محرز.. الأمل الأخير لهزيمة “أوفر ثينكينج” جوارديولا

تحليل- أحمد مختار

مع الوقت، استعاد رياض محرز فورمة ليستر الإعجازية، لقد أعطته العروس الأفريقية ما كان يفقده طوال الموسم الماضي، عن الثقة الشديدة في النفس أتحدث، وهذا ما جعله يستعيد فورمته سريعا، ويتخذ القرارات الصعبة المعروفة عنه، ليعود لاعبا غير متوقع، من الصعب إيقافه أو حتى معرفة ما يدور برأسه.

جوارديولا أسس بنية تكتيكية مبهرة هجوميا، مع التأكيد على مشاكل الدفاع بعد رحيل كومباني وغضروف لابورت، والتي لن تحل إلا بقلب دفاع إضافي، لكن ما يقدمه محرز مع السيتي هذا الموسم يؤكد بوضوح أهمية الجزائري في تكتيك حامل لقب البريميرليج، لدرجة أنه صار النجم الأهم على الإطلاق داخل التشكيلة، ربما أهم من كيفين دي بروين في الوقت الحالي.

“حينما تستلم الكرة، مررها مباشرة إلى جارينشيا، الكرة الثانية يجب أن تكون للجناح”، يقول فيولا مدرب البرازيل 1958 هذا الكلام إلى ديدي الذي يقوم بعمل التحول السريع ناحية الجناح جارينشيا، اللاعب المهاري هو الأهم في تشكيلة السامبا، ومع الفارق بكل تأكيد، ينظر فريق ليستر إلى الدولي الجزائري رياض محرز، وكأنه منفذ كافة الأحلام، فيما يتعلق بالشق الهجومي في الثلث الأخير.

لعب ليستر بخطة 4-4-2 في موسم 2015-2016 الإعجازي، رباعي دفاعي لا يعرف التمرير، وفي الأغلب لا يبني الهجمة من الخلف بسهولة، لكنه يمتاز بثنائي محوري بارع في قطع الكرات، مع ثنائي آخر يمرر كثيرا للأمام، فوكس وألبرايتون هما المنفذان لمعظم هجمات الفريق، مع معاونة دائمة من درينكووتر في العمق، والياباني أوكازاكي في الهجوم.

مع التحول من الدفاع إلى الهجوم، يمرر اللاعبون كرات سريعة بشكل عمودي، والهدف في النهاية بين قدمي رياض، اللاعب الأمهر في التشكيلة، والنجم القادر على صنع الفارق في الفراغات، لذلك يحصل الجزائري على الطرف دائما، في أبعد نقطة ممكنة عن دفاع المنافس، حتى يقطع باستمرار في العمق بالتبادل مع الهداف جيمي فاردي. “اللعب دون فلسفة”، هذه هي خلطة كلاوديو رانييري نحو المجد، كل لاعب في مركزه دون الكرة، وبمجرد الحصول عليها، ينطلق الجميع في مهمة واحدة نحو شباك الخصم، من أجل إيصال الهجمة إلى من يجيد فن الإنهاء، رياض محرز مخرج طريقة الهجوم وفاردي مساعده.

يملك “حروز” القدرة على الارتجال، ولديه الشخصية التي تساعده على اتخاذ القرارات الصعبة في التوقيت المناسب، هكذا فعل مع ليستر تحت قيادة رانييري، وبدأ يستعيد هذه النغمة تدريجياً خلال بطولة أفريقيا الماضية ثم موسم السيتي الحالي، طريقة هجوم السيتي مؤخراً عبارة عن بناء من اليسار، وفرص من اليمين.

عادةً يتسلم الجناح الأيمن الكرة عند خط التماس، ثم يبحث عن دي بروين، والذي يتحرك بالفعل خلف الظهير الأيسر بسرعة كبيرة، حتى يصعب على لاعبي خط وسط المنافس مراقبته، ولأن كلاً من برناردو ومحرز يلعبان بالقدم اليسرى، فيمكنهم تمرير الكرة إليه بكل سهولة.

الجديد هذا الموسم أن محرز لم يكتف بهذا الدور الثنائي مع دي بروين، بل استغل تحركات زميله البلجيكي للأمام من أجل تفريغ العمق، حتى يكون بالحركة القطرية المباشرة من الطرف إلى مركز اللعب، من أجل التسديد أو التمرير البيني كما حدث في تمريرته إلى ستيرلينج التي أضاعها الجناح بغرابة لا يحسد عليها.

محرز هو الضمان الوحيد لنجاح خطة 4-3-3 هذا الموسم، وتحولها بانسيابية إلى 3-4-3 عند الاستحواذ، لأنه قادر على شغل مركز الجناح الأيمن منفرداً، ويمكنه التوغل من الطرف إلى العمق عند الحاجة، للقيام بدور المهاجم الإضافي بالتبادل مع أجويرو/ جيسوس داخل منطقة الجزاء وخارجها، مما يجعله حلاً رئيسياً أمام التكتلات سواء بالتسجيل أو الصناعة دون مشاكل.

في أفضل مباريات السيتي هذا الشهر، سواء أمام إيفرتون، اليونايتد، أستون فيلا، كان محرز عاملاً أساسياً في تألق فريقه، سواء بلعبه على الطرف كجناح صريح، من أجل دخول والكر إلى العمق، على مقربة من قلبي الدفاع ولاعب الارتكاز، أو حتى تحوله إلى العمق كصانع لعب صريح خلف المهاجمين، كما حدث بالشوط الثاني ضد إيفرتون.

عند اللعب برسم 4-3-3، محرز يتواجد على اليمين، يراوغ ويصنع ويسجل، يجعل والكر قادراً على القيام بالدور الدفاعي، كمدافع ثالث أو لاعب ارتكاز إضافي، وفي نفس الوقت يتمركز دي بروين أكثر بالعمق كلاعب وسط صريح، بجوار برناردو/ جاندوجان، وخلفهما رودري أسفل الدائرة، لذلك يكون السيتي أفضل بالكرة في الهجوم المنظم، ومن دونها على مستوى ضبط التحولات الدفاعية.

عند التحول إلى رسم 3-4-3: فإن محرز يصبح صانع اللعب الصريح في العمق، بجواره لاعب وسط إضافي سواء دافيد سيلفا أو برناردو، وخلفهما ثنائي محوري بالعمق، مع كانسيلو وميندي على الأطراف، بينما يعود رودري للخلف كمدافع إضافي بجوار فرناندينيو، وإيريك جارسيا/ ستونز/ أوتاميندي.

في آخر 6 مباريات لعبها محرز أساسياً، سجل الجزائري 4 أهداف بالإضافة إلى 3 أسيست.

قد يكون الاهتمام الزائد بالتفاصيل نقطة ضعف، وهذا ما يحدث مع فرق جوارديولا أحياناً، الفيلسوف ملتزم لأقصى درجة، وتجده يصرخ على الخط طالبا من لاعبيه الالتزام بالمكان. في إحدى المباريات، ترك هنري مكانه وذهب لليمين، حتى يلعب رفقة ميسي.

يقول الغزال، سجلت هدفا في الشوط الأول يومها، لكن بين الشوطين، استبدلني جوارديولا سريعا! عندما يضع جوارديولا الخطة، احترم الخطة، حتى وإن كنت لا تستوعبها بشكل كلي في البداية، مع الوقت وتوالي المباريات، سيأتي التفاهم والتفاعل المطلوب، حتى يصل الجميع إلى مرحلة التكامل.

بيب قريب الشبه بلاعبي الشطرنج، في الاهتمام الشديد بالتفاصيل الدقيقة، والتفكير المستمر في الخطوة قبل الإقدام عليها، لدرجة التعقيد الذي يصل إلى الشك على طول الخط.

من بين نقط الضعف لدى كاربوف على سبيل المثال في اللعب، الاهتمام النسبي بالمسائل الاستراتيجية العامة للعبة، مقابل الحصول على أفضلية تكتيكية محلية، يسمح بتدهور الموقف ما قد يكون السبب المباشر في الخسارة.

وإذا قارنا نقطة ضعفه بجوارديولا سنجد عوامل مشتركة واضحة، فبيب المولع بالتكتيك والخطط، يجعل لاعبيه دائما تحت طائلة المسؤولية، لا مجال للأخطاء، ولا حيز للفردية أو الارتجال، لذلك قد تتأثر شخصيتهم بالسلب، إذا لم تسر الأمور بمثالية، أو حدثت بعض المفاجآت، عكسر سير الخطة الموضوعة من طرف مدربهم.

شيء قريب من ظاهرة “الأوفر ثينكينج” أو كثرة التفكير وإعادته واستمراره لفترات طويلة من أجل حل المشاكل، مما يسبب ضرراً نفسياً ومتاعب أخرى في بعض الأحيان.

يؤكد محلل الجارديان، جوناثان ويلسون، نفس الفكرة تقريبا، عند تحليل مباراة مان سيتي وليون بالموسم الماضي، قائلاً: “يخرج لاعب عن النص، قد يكون خارج التشكيلة، ويصبح عرضة للخطر”.

هذا لا يعني أن السيتي بحاجة إلى شخصية مثل نيمار أو حتى إبراهيموفيتش، للانحراف وتجاهل المسؤولية الدفاعية، لكنهم في بعض الأحيان يفتقرون إلى القليل من الشخصية، أو أخذ القرار الشجاع عند غياب مدربهم أو وجود نواقص في خطته، من باب الحكمة الشهيرة، “إذا زاد الشيء عن حده، انقلب إلى ضده”.

لهذا السبب، والكلام لويلسون، قام كرويف نفسه بإحضار “خريستو ستويشكوف” في برشلونة ، ليضيف “عنصر الارتجال” حرفيا، عند تأزم الأمور، وهذا ما أداه ليو ميسي باقتدار في حقبة بارسا جوارديولا، ويمكن القول أن رياض محرز هو الوحيد القادر على القيام بهذا الدور في تشكيلة السيتي الحالية، لأنه أعلى اللاعبين مهارة، وقدرة تقنية، بالإضافة إلى تمكنه من هزيمة الدفاعات المتكتلة بفضل مراوغاته، وتحسنه أيضاً في نقطة اتخاذ القرار وعدم فقدان الكرة بسهولة، مما جعله أكثر حسماً أمام المرمى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى