ليفربول.. أخاف عليك منك!

كتب- محمد العولقي

أصبح عشاق كرة القدم من محايدين ومتعصبين في المعمورة قاطبة، مخيرين بين مشاهدة كرة قدم جميلة بأقدام تعزف على أوتار الأرقام القياسية، أو المضي على مضض لمشاهدة كرة باردة وإن حملت بين الحين والآخر قليلا من المتعة العابرة ..

كرة القدم الجميلة التي تتلاقح فيها أفكار المدرب مع فنيات اللاعبين وتنتزع الآهات انتزاعا، لا يقدمها هذه الأيام سوى فريق ليفربول الإنجليزي، مع كامل الاعتذار لريال مدريد وبرشلونة، فاجتهاداتهما في لاليجا محل تقدير، لكنهما أبدا لا يقدمان متعة ثابتة كما يفعل ليفربول هذه الأيام..

أصبح عشاق كرة القدم حول العالم يبصمون بالأصابع والأقدام والحواس على حقيقة واحدة يرونها هم على عكس ما أراها، حقيقة تقول بلسان حال الأرقام : لقب دوري البريميرليج في جيب ليفربول..

المتفائلون يحتفلون مبكرا جدا، ويجمعون وهم يشاهدون الدوري الإنجليزي أسبوعيا على حقيقة أخرى مفادها : اللقب الذي استعصى على ليفربول 30 عاما، أصبح اليوم أقرب إلى الريدز حتى من حبل الوريد..

وعندما يجمع خصوم ليفربول ويسلمون بالأمر الواقع قبل حوالي 15 جولة على نهاية الموسم في إنجلترا، فهم يجزمون أن مسافة الست عشرة نقطة التي تفصل ليفربول عن أقرب مطارديه (مانشستر سيتي)، كبيرة جدا ويصعب اختزالها في ظل ثبات نتائج ليفربول وعزمه ألا يمشي وحيدا بعد الآن..

ربما أكون أول من يخالف تلك القاعدة التي تسعى لتخدير لاعبي ليفربول ونزع رغبة مواصلة الانتصارات دون انقطاع، السبب ببساطة أنني أخاف على ليفربول من ليفربول نفسه، لا تجعلوا هذه الحقيقة تدهشكم في ظل الكرة الجميلة والخلابة وفعاليتها الهجومية التي لا تتوقف عجلتها عن الدوران مع ليفربول هذا الموسم، ففي الواقع أن الماضي القريب يحمل في أرشيفه مواقف بايخة جدا، استعان بها ليفربول للقضاء على حلمه بالعودة مجددا إلى زعامة الكرة الإنجليزية، وبالتالي تعكير مزاج مدينة تظل تغني لفارسها الشطرنجي بعد كل مقلب بدموع الخيبة ” لن تمشي وحيدا”، ولأن الذكرى الحمراء الفاقعة قد تنفع بعض محبي ليفربول ممن يضعون أيديهم على قلوبهم، وأنا أولهم دون شك، فالأحرى أن يقرأ الألماني رجل الفيزياء يورجن كلوب خريطة تلك المقالب الليفربولية، وهي مقالب أوقفت قلوبا حمراء تتألم طوال السنوات الثلاثين العجاف..

كان ليفربول يتقدم الركب الموسم الماضي، ويبتعد عن مطارده مانشستر سيتي بفارق 13 نقطة، يومها قال النقاد عن ليفربول ما لم يقله قيس عن ليلى، فجأة عاد ليفربول لعادته القديمة، فرط بشكل دراماتيكي لا يصدق في خمس مباريات دفعة واحدة، وعندما استفاق في الجولة الأخيرة، وجد أن فارق النقطة البيضاء قد حرمته اللقب في اليوم الأسود ..

وقبل سبع سنوات كان اللقب تقريبا في جيبه، وكل ما كان يحتاجه من مباراته الأخيرة أمام تشيلسي مورينيو مجرد نقطة في الأنفيلد، لكن النقطة تبخرت بعد تعثر القائد ستيفن جيرارد، وفاز تشيلسي ، وطار اللقب من الأنفيلد إلى ملعب الاتحاد، معقل فريق مانشستر سيتي، وللذين يستبقون الحدث، وينظرون لنصف الكوب المليان لليفربول، ماذا عن نصف الكوب الفارغ ..؟، الإجابة بكل ما تحمل من تعبيرات تراجيدية، يمكن قراءتها من واقع صورة مؤثرة لم ولن تبارح مخيلة من يخشون على ليفربول من ليفربول نفسه، الصورة تتعلق بنجم ليفربول ستيف ماكمانمان في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، حيث يقف على خط ملعب أنفيلد وهو يرفع الرقم واحد بسبابته، والمعنى أن بين لقب الدوري وليفربول مجرد دقيقة واحدة لا غير ..

حتى تلك الدقيقة كان ليفربول متقدما على أرسنال على ملعب الأنفيلد في الجولة الأخيرة بهدف، لكن الصاعقة قادمة لا محالة، فقبل أن يخفض ماكمانمان سبابته سجل أرسنال هدف التعادل، فانقلبت أفراح مدينة ليفربول إلى أتراح ..

لم تبرح جماهير ليفربول مدرجات ملعب الأنفيلد، كان المشهد الجنائزي مؤثرا بالفعل، انسكبت دموع العشاق غزيرة حراء دون أن تجد العيون الباكية من يمسح عنها دموع المرارة، كان سرادق العزاء مؤلما وإن حملت الحناجر الباكية لحنا خالدا لا يغيب في الضراء أبدا، فالفارس الليفربولي لن يمشي وحيدا حتى في أوج المآسي التي يصنعها لاعبوه بأقدامهم لا بأقدام المنافسين، يرتدي ليفربول شعار التنين الخرافي، وهو شعار يضعه على مسافة واحدة من مقالب التنين الظريف جريسو، الذي يتقن عمله، ثم يفسده كليا في الرمق الأخير بنيران مستعرة تنطلق من صدره رغما عنه، مع العلم أنه ظل يحلم بأن يرتدي يوما ما قبعة رجال الأطفاء دون فائدة ..

وللمزيد من العبرة والاعتبار، على لاعبي ليفربول النظر دوما إلى الأمام مع مراعاة تلك الجزئيات الصغيرة المظلمة، والتي تظهر عيوب ليفربول في أوقات قاتلة يصعب تفاديها أو تعويضها، حيث يحرق ليفربول أحلامه في لحظة نشوة وانفعال، تماما مثلما يفعل التنين جريسو مع رجال الإطفاء، عن نفسي لن أغتر بالفارق النقاطي بين الليفر ومنافسه السيتي على الأرجح، ولن أبيع فراء الدب قبل اصطياده، حتى لو بدا لكم أن الفارق النقاطي الذي يفصل ليفربول عن منافسه المباشر مانشستر سيتي كبيرا ومهولا، هذا لأنني اكتويت ولدغت كثيرا من مقالب ليفربول الساذجة مثنى وثلاث ورباع وثلاثين، مع أن المؤمن لا يلدغ من الجحر الواحد مرتين ..

وآخر قولي مثلما قلت أولا : الفريق الوحيد القادر على هزيمة ليفربول هذا الموسم، وانتزاع اللقب من أنياب التنين الأحمر، هو ليفربول نفسه ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى