ديمتري باييت.. قط مارسيليا ذو الأرواح السبعة

كتب- أحمد مختار

ربما لا تكون الحكاية القديمة عن القط صاحب التسع أرواح صحيحة تماماً، لكن من المؤكد أن هناك شيئاً من جوانب القطط بالنسبة لديمتري باييت، من نجومية مفرطة في سان إتيان إلى ليل كبديل بعد رحيل البلجيكي هازارد المنتقل إلى إنجلترا حينها، أول فترة له في مارسيليا بكل ما فيها من إبداع ونجومية، جعلته يدخل قائمة الديكة في أكثر من مناسبة، إلى تعويذة سيئة بالنهايات مع وست هام يونايتد.

لم يفشل الفرنسي في إنجلترا أبداً لكنه تعرض لأذى نفسي غير عادي، ومشاكل لا حصر لها مع جماهير النادي اللندني، لأنه تجرأ وطلب الرحيل حتى إذا كلفه الأمر الشهرة والبريق والمال، وكأنه سمكة لا تطيق العيش بعيداً عن الماء، واللون الأزرق هنا يدل على مدينة مارسيليا ولا شيء غيرها.

هكذا هي قصة حياة ديمتري باييت باختصار شديد، في افتتاحية صحيفة “جارديان” عن الكرة الفرنسية هذا الأسبوع.

سواء كانت قصة القط بالسبع أو التسع أرواح، فإنه يرتبط بشكل أو بآخر بما يقدمه ديمتري باييت، حيث إنه يواصل التألق في أي مكان وأي زمان، تحت الضوء وبعيداً عنه، داخل البريميرليج وخارجه، رفقة مارسيليا بييلسا وتحت قيادة مارسيليا بواش، وفي كل الأحوال يجده الجمهور كصانع لعب مهاري لديه لمسة سحرية ويعرف طريق المرمى بقدمه التي لا تخطئ بسهولة، وكأنه لا يتوقف عن الإبداع أينما حل وارتحل.

بعيداً عن باريس سان جيرمان الذي يلعب في واد بمفرده، بميزانية خيالية ونجوم وإمكانيات وأموال، فإن مارسيليا بطل الدوري الفرنسي الطبيعي هذا الموسم، تحت قيادة فيلاش بواش، البرتغالي العائد بقوة بعد فترة طويلة من الانكسارات، وبنجومية مفرطة للنجم باييت، الذي يستحق المديح جنباً لجنب مع موسى ديمبلي نجم ليون ووسام بن يدر مهاجم موناكو، ولنضع مبابي ونيمار وإيكاردي ودي ماريا وكل هؤلاء في مكان بمفردهم.

شارك باييت هذا الموسم في 23 مباراة مع مارسيليا في كل البطولات، سجل 11 هدفاً مع 5 أسيست، ليعيد إلى الأذهان موسمه الأسطوري مع الفريق الجنوبي بعد عودته من إنجلترا، خلال فترة 2017-2018، حينما وصل إلى نهائي الدوري الأوروبي، وصنع 23 هدفاً دفعة واحدة، بالإضافة إلى تسجيله 10 أهداف خلال 47 مباراة، لكنه لم يسافر مع الديوك إلى روسيا 2018، بسبب تعرضه لإصابة سخيفة حرمته من حمل لقب كأس العالم رفقة زملائه.

قصة ديمتري محيرة ومختلفة وشيقة لأقصى درجة، لأن هذا اللاعب عُرف دائماً بمزاجيته الحادة، وميله إلى اللعب بعيداً عن الضغوطات، لذلك كان طبيعياً للغاية إصراره على مغادرة الدوري الإنجليزي الممتاز رغم تألقه اللافت مع وست هام، وإصراره على العودة إلى مارسيليا، حتى إذا كلفه الأمر أموالا أقل وشهرة باهتة، قياساً بما وجده من أضواء وإعلام وكاميرات بالبريميرليج.

لا ريونيون أو جزيرة ريونيون، واحدة من أقاليم ما وراء البحر الفرنسية، وجزيرة تقع شرق مدغشقر ضمن الأجواء الأفريقية، لكنها خاضعة إداريا وقانونيا لفرنسا، لذلك يحلم كل طفل صغير في هذه المنطقة بأن يتألق في مجال كرة القدم، حتى يستطيع السفر إلى أوروبا، كما فعل أكثر من نجم مثل جان ميشيل فونتيه، جيرمي موريل، مانداني، وأخيرا ديميتري باييت، اللاعب الأهم على الإطلاق في تاريخ هذه الجزيرة خلال السنوات الأخيرة.

بدأ باييت تعلم الكرة في فريق سانت فيليبي، أحد الفرق المعروفة في الجزيرة، والذي يهتم كثيرا بتطوير اللعبة داخل القارة الأفريقية، من خلال معلمين ومدربين فرنسيين، تتلمذ باييت تحت قيادتهم، واستفاد كثيرا من الطرق التقنية الحديثة التي يوفرها هذا الكيان، لتتم عملية صقل موهبة الصغير، وينتقل سريعا إلى ناد آخر بالجزيرة، قبل أن تلتقطه سريعا أعين لو هافر، المدرسة الكروية الأشهر على الإطلاق في فرنسا.

رياض محرز، مانداندا، بول بوغبا، ميندي، لاسانا ديارا، وأسماء أخرى تألقت في سماء الكرة الفرنسية، كلها بلا استثناء تعلمت كرة القدم في أكاديمية لو هافر، وباييت أيضا حصل على فرصته مع لو هافر، ليقول عن هذه الفترة المهمة في مسيرته، “كنت صغيرا للغاية، هناك تعلمت مبادئ اللعبة فيما يخص التمرير والتمركز وتنمية المهارة الفردية وكيفية استغلالها جماعيا مع الفريق، لقد تحولت من لاعب شارع إلى لاعب فريق كرة قدم”.

كل شيء تغير في حياة اللاعب بعد قدوم مارسيلو بييلسا إلى فرنسا، وقيام اللوكو الأرجنتيني بقيادة فريق مارسيليا، لتتحول مسيرة النجم إلى طريق مغاير، ويتحدث بكل فخر عن معلمه مؤكدا أنه الشخص الذي حوله إلى لاعب أفضل، وجعله أقوى على الصعيدين البدني والتكتيكي.

قدم ديميتري نفسه كلاعب مهاري لكنه فردي للغاية، لا يمرر كثيرا إلى زملائه، ويبالغ في الاحتفاظ بالكرة، مع نزعة هجومية واضحة دون أي واجبات دفاعية، ليشارك في الألفية الجديدة وكأنه صانع لعب من حقبة التسعينات، كلاسيكي للغاية على خطى خوان رومان ريكلمي، لذلك حصل على إعجاب الجماهير لفترة زمنية وجيزة، مثله مثل الموهوب الآخر جوركوف.

عرف بييلسا من أين يستفز هذا اللاعب، ليعمل معه على أساسيات التمركز، وكيفية الضغط العالي على دفاعات المنافسين، مع استخدام أحدث الدراسات الخططية في تقييم أرقامه الدفاعية ومقارنتها بمردوده الهجومي، ليصبح صانع لعب متكاملا، يسدد من بعيد، يصنع الأهداف ويسجلها، مع وعي كامل بأبجديات مركزه الجديد، من خلال عودة مستمرة لمساندة الوسط، ومحاولات قوية لخطف الكرات قبل أن تصل إلى نصف ملعب فريقه، ومنها زادت شهرته سواء في إنجلترا أو منتخب فرنسا، وأخيراً بعد عودته إلى مارسيليا من جديد.

استعاد باييت بريقه المفقود مع فيلاش بواش هذا الموسم، من خلال حصوله على الحرية الكاملة داخل الملعب، وتفرغه تماماً من المهام الدفاعية، ليلعب في كل أماكن الهجوم، سواء كجناح أيمن أو جناح أيسر أو حتى صانع لعب حقيقي بالمركز 10 خلف المهاجم الصريح، ويراهن المدرب البرتغالي على رسم مزيج بين 4-3-3 و4-1-4-1، مع تواجد ثلاثي صريح بالمنتصف وفي الأمام رأس حربة واحد، وتحته ثنائي من الأجنحة.

ستروتمان، سانسون، وفالنتين رونجيه، ثلاثي وسط أمام رباعي الدفاع، بينما يتواجد باييت في اليمين واليسار والعمق، حسب مسار الهجمة وطريقة تمركز زملائه، لذلك يوظفه مدربه كجناح مركزي وصانع لعب طرفي، بالإضافة إلى قيامه بدور الرقم 10 الوهمي الذي يتبادل مركزه مع المهاجم المتقدم سواء كان بينديتو أو جيرماين.

يحتل مارسيليا حالياً المركز الثاني في ترتيب الدوري الفرنسي برصيد 49 نقطة، بفارق 11 نقطة كاملة عن المتصدر باريس سان جيرمان، لكنه متقدم بفارق 8 نقاط عن رين صاحب المركز الثالث، مما يعني إمكانية مشاهدة هذا الفريق بدوري أبطال أوروبا الموسم القادم، شرط أن يواصل باييت تألقه ويستمر فيلاش بواش في قيادة المجموعة نحو المسار المنشود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى