ريال مدريد وبرشلونة.. كلاسيكو الرقص على جحيم الكراسي الموسيقية!

تحليل – محمد العولقي

اعتادت مباريات الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة على اعتناق الومضات الفنية الفردية لصناعة الفارق، ربما كانت قاعدة ثابتة لم تنكث بوعودها إلا في النادر، والنادر لا حكم له.. يأتي التكتيك في مباريات الكلاسيكو غطاء في خدمة الفرديات التي تصنع الفارق، ولم يكن التكتيك يوما الخيار الأول في فلسفة مدربي ريال مدريد وبرشلونة، إلا في النادر أيضا..

لن يكون كلاسيكو الأرض بين الغريمين والعدوين اللدودين في ملعب سانتياغو برنابيو يوم الفاتح من مارس، إلا صورة طبق الأصل للفاعلية الفنية بالدرجة الأولى مهما اختلف تكتيك المدربين .. لطالما ارتبطت مباريات الكلاسيكو بالجزئيات الفردية التي يصنعها لاعبون على درجة عالية من الإلهام الفني، و لطالما شهدت تلك المباريات زخما هجوميا غير منقطع النظير، بدليل أن كتب الأرشفة بين الفريقين تحتفظ بأرقام صاخبة ونتائج باهرة تنتصر لتلك النزعة الهجومية المصاحبة لكلاسيكو الأرض..

و إذا كان كيكي سيتين مدرب برشلونة يبحث عن التوافق الفني داخل شاكلة الفريق، إلا أنه يعلم تماما أن الفرديات الفنية يجسدها في أبهى صورها ليونيل ميسي، اللاعب المدهش الذي طالما كان منتجا في مباريات الكلاسيكو..

دون شك لن ينشغل سيتين بالإطار التكتيكي للفريق أمام ريال مدريد، لكنه دون شك سينشغل كثيرا بضرورة تحرير ميسي من كل رادارات ريال مدريد..

ليونيل ميسي

زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد يصب كل تفكيره في كيفية منح إيسكو وكريم بنزيمة وفينيسيوس جنيور المساحات الكافية انطلاقا من قناعة زيدانية تقول: لا أحد يمكنه إضاءة الهجوم و العبث بدفاع برشلونة البطيء سوى فنيات و فرديات وسرعة فاعلية الرواقين..

وعلى هذا الأساس سيضطر زيدان مرغما على اعتناق شاكلة جماعية تمنح ثلاثي المقدمة النفس الهجومي اللامحدود، انطلاقا من الثلث الأخير لملعب برشلونة.. انشغل زيدان كثيرا بضرورة تجهيز البلجيكي سيء الحظ آدين هازارد للقيام بكل الواجبات الفنية أمام دفاع برشلوني مضطرب ويعاني من ترهل في رد الفعل، لكن إصابة هازارد أمام ليفانتي غيرت كل خطط زيدان الفنية وليس التكتيكية..

ليس هناك صراعا تكتيكيا بمعنى الكلمة بين زيدان وسيتين، لكن هناك سباق فني محموم على تذليل كل العقبات أمام فلسفة اللعب المفتوح.. وعندما نقول فلسفة اللعب المفتوح، فهذا يدل على مؤشرين:

الأول: زيدان وسيتين سيرغمان على إطلاق العنان لشاكلة واحدة قوامها 4/3/3 وربما 4/4/2.. والثاني: ستبقى الحلول الفردية هي المحرك و المحرض على اعتناق الامتداد الهجومي..

وهذا الضرورة يعني أن مفاتيح الحسم يمكن اختزالها في فنيات و مهارات ليونيل ميسي من برشلونة و الرواقين من ريال مدريد، ولأن غياب هازارد أدخل زيدان في ورطة فنية فإنه ربما يعالج غياب هذا الثقل الفني بالاعتماد على مهاجمين متحركين، وهذا يعني أن الصيغة التكتيكية للريال قد تتحول إلى 4/4/2..

في تصوري أن كلاسيكو سانتياغو برنابيو سيكون فرصة لمشاهدة لعبة الكراسي الموسيقية بين ريال مدريد وبرشلونة، لا أحد يعلم من سيرقص على صفيح الجحيم ليلة الموقعة التي قد تحدث زلزالا في جدول ترتيب لاليجا؟

ميسي يا جماعة..

بالفعل كان يمكن لموسم برشلونة أن يكون معتما تماما، لولا إضاءات القائد ليونيل ميسي، كما لو أنه البدر الذي يعيق قدوم الليلة الظلماء.. وإذا كان برشلونة هجوميا قد خسر رنين الوتر الهجومي لويس سواريز، ففي الواقع أن عبئا إضافيا سقط على رأس ميسي..

ميسي لم يعد الآن مطالبا فقط بتسجيل الأهداف من العمق أو من تعرجاته المائلة، أصبح ميسي مطالبا بفك كل ألغاز الخصوم، فهو عندما يتقمص دور صانع الألعاب من العمق يثير عنصرا من الوسط لينضم إلى العمق مع جريزمان، وهذا التغير المفاجئ في تفكير ميسي يضرب دفاعات الخصوم في مقتل، وهو تغير تكتيكي أتاح الفرصة أمام أرتو فيدال أن يتحول من جلاد لا يرحم في الوسط، إلى مهاجم شاعر يتلو بعض قصائده الغجرية في منطقة جزاء الخصوم..

سنرى ميسي في سانتياغو برنابيو نسخة مختلفة تماما عن تلك النسخة التي كان دورها فقط لدغ شباك ريال مدريد و الإنهاء المدهش للهجمات.. سنشاهد في البرنابيو ميسي الوقور الذي يتلذذ بالتمريرات الحاسمة من العمق، كما لو أن في قدميه مقياسا حراريا بالغ الدقة..

ومع أن المعني الأول بمراقبة ميسي سيكون دون أدنى شك محور الهدم في ريال مدريد البرازيلي كاسميرو ، إلا أن زيدان يدرك تماما أنه بحاجة إلى رقيب فوق العادة يتمتع بذهنية عالية، تمنع ميسي من التفكير أو رفع رأسه في الثلاثين مترا الأخيرة..

أصبحت خطورة ميسي متعددة في غياب سواريز ، فهو وزير التموين الذي يغذي احتياجات هجوم برشلونة ، وهو المنقذ الذي يظهر في الأوقات الصعبة لحسم الجدل بعقلية فذة ، وهو القائد الذي يركض كثيرا ويعود إلى الدفاع لتشكيل الزيادة العددية في نصف ملعب برشلونة..

من دون شك سيكون هناك تناوب على رقابة ميسي من ثنائي المحور كاسميرو و فالفيردي ، من هنا قد تتراجع أدوار كاسميرو الهجومية ، ولن يكون حاضرا داخل منطقة جزاء برشلونة إلا في الركلات الركنية و الركلات المنحرفة يسارا أو يمينا في الفاولات..

صداع في رأس زيدان..

زين الدين زيدان

دخل ريال مدريد مرحلة شك خطيرة في الوقت الذي يكون فيه التعويض صعبا للغاية ، لهذا ستكون مباراته أمام غريمه المتصدر، الفرصة الأخيرة لاستعادة كل التوازن الذي خسره أمام سلتا فيجو و ليفانتي على الترتيب ..

زيدان في حيرة من أمره بعد ما تأكد غياب هازارد عن الكلاسيكو ، هل يدفع بإيسكو و بنزيمة في العمق ، ويشرك جاريث بيل لاعبا في الوسط لمنح صيغة 4/4/2 الخبرة الكافية؟ أم يكتفي فقط بكريم بنزيمة مهاجما في العمق ، ويشرك فينيسيوس جونيور في الرواق الأيسر ، وفقا و شاكلة 4/3/3 المعتادة؟

من دون شك بات عمق دفاع ريال مدريد صداعا في رأس زيدان ، وهو لكي يحل هذه المعضلة يلزمه خط وسط حيوي، يضرج بين محور يجيد عنصر التغطية و محور آخر يجيد عملية البناء الهجومي الخاطف ..
إذا كان الانطباع الأول يشير إلى قوة كاسميرو في محور الهدم ، فهل يكون هذا مؤشرا على أن فالفيردي سيكون محور البناء من العمق؟

في هذه الحالة سيرغم زيدان على إجلاس لوكا مودريتش أو توني كروس على مقاعد البدلاء ، والسبب ببساطة أن شاكلة 4/4/2 لا تحتمل تواجد الرباعي دفعة واحدة في المباراة ، لأن هذا يضر كثير بفاعلية الرواقين ، والمعروف أن زيدان يتبنى دائما استراتيجية الأروقة ..

ربما سيختار زيدان التضحية بتميمته مارسيلو الضعيف دفاعيا ، و الزج بالفرنسي فيرنار ميندي أساسيا بحثا عن الصلابة الدفاعية كما ينشدها راموس و فاران دائما ، لكن المؤكد أن زيدان سيفتش كثيرا عن فنيات الرواقين، مع منع برشلونة من التنفس في عمق الوسط ..

سيتين.. هاجس الهشاشة الدفاعية..

كيكي سيتين

سيتين أيضا يمتلك نفس أسلحة المناورة ، فهو قادر على منح ميسي و جريزمان كل واجبات الهجوم من العمق ، وقادر أيضا على تحصين الوسط بأربعة لاعبين لسد ثغرة عمق الدفاع .. وإذا كان سيرجيو بوكسيتس هو سلاح الهدم في محور الوسط ، فهل يكون فرانكي دي يونج هو محور البناء الهجومي؟ ما هو الدور الذي ينتظر فيدال و أرتور و راكيتتش و سيرجي روبرتو؟

واضح من الرسم التكتيكي لكيكي سيتين أنه يرى في العمق قارب النجاة من موقعة فريق يتحصن بأفضلية الأرض و الجمهور.. وهذا بالطبع ليس مفاجأة تكتيكية من نسج خيال سيتين ، لأن سيتين ما كان له أن يحشد قوته الضاربة في العمق إلا لسببين جوهريين:

الأول: إيمان سيتين بأن المباراة ستكون معركة وسط الملعب ، ومن سيمتلك العمق قادر على زحزحة كل قنوات المرور .. الثاني: سيتين مجبر على إهمال الرواقين وعدم منحهما أدوارا هجومية كبيرة ، فبديل جوردي آلبا في اليسار ليس بنفس الفاعلية الهجومية للمصاب آلبا ، كما أن سميدو في اليمين يفشل دائما في النواحي الدفاعية ..

الأهم عند سيتين ليس بالطبع الشاب الصغير فاتي ، فهو لاعب لا يعطي الإضافة إلا في شاكلة 4/3/3 ، لكن سيتين لا يريد أن يفتح الوسط لأن خط دفاعه يعاني كثيرا أمام كل فرق لاليجا، رغم أنه يتوافر على حارس مرمى من أجود ما يكون ، الأمر هنا متعلق بالألماني العملاق تيرشتيجن ..

كما لو أن مشاكل برشلونة وريال مدريد متطابقة تماما خلال هذه الفترة ، بدليل هذا التناوب الغريب ، مرة ريال مدريد يكون في القمة ، ومرة برشلونة ، مرة برشلونة يعاني ومرة ريال مدريد ، لكن الفارق الوحيد بين ريال مدريد وبرشلونة يكمن فقط في ليونيل ميسي دون غيره ..

لاشك أن ريال مدريد يفتقد كرستيانو رونالدو كثيرا جدا في الكلاسيكو ، فهو الوحيد الذي وقف الند للند مع ميسي ، وهو الوحيد الذي كان يظهر في الأوقات الحرجة والصعبة ..
هل هذه الحقيقة تعطي انطباعا بأن المباراة ستكون بين ريال مدريد و ميسي؟
الإجابة رغم غرابتها .. ربما ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى