خيسوس ودي بروين مثالا.. كيف ساعد “الأوفرثينكنج” جوارديولا في البرنابيو؟

تحليل- أحمد مختار

كان مانشستر سيتي يحتاج إلى فوز بهذا الشكل، أن تهزم سيد أسياد الشامبيونزليج على أرضه وبين جماهيره، وأن تعود من الخسارة بهدف إلى الفوز بهدفين في آخر الدقائق، كلها أمور افتقدها السيتي هذا الموسم بالأخص، كذلك جوارديولا الذي تفوق تكتيكياً على زين الدين زيدان، ليعود من الباب الكبير، في سانتياجو برنابيو، الملعب الذي يعرف خلاله من أين تؤكل الكتف.

كرة القدم لعبة التفاصيل، السيتي كان أفضل معظم فترات المباراة، لكن كان يمكن للريال الفوز أيضاً، خاصة إذا سجل راموس الفرصة التي جاءت بعد هدف التقدم مباشرة. وقتها لم يكن يجرأ أحد على قول هذه المقدمة، الخاصة بتفوق جوارديولا وفريقه على زيدان وكتيبته خططياً، لكن هذا ما حدث فعلاً بعيداً عن حسابات الفوز والخسارة.

أوفر ثينكنج

بيب جوارديولا

قد يكون الاهتمام الزائد بالتفاصيل نقطة ضعف، وهذا ما يحدث مع فرق جوارديولا أحياناً. الفيلسوف ملتزم لأقصى درجة، وتجده يصرخ على الخط طالبا من لاعبيه الالتزام بالمكان. في إحدى المباريات، ترك هنري مكانه وذهب لليمين، حتى يلعب رفقة ميسي. يقول الغزال، سجلت هدف في الشوط الأول يومها، لكن بين الشوطين، استبدلني جوارديولا سريعا! عندما يضع جوارديولا الخطة، احترم الخطة، حتى وإن كنت لا تستوعبها بشكل كلي في البداية، مع الوقت وتوالي المباريات، سيأتي التفاهم والتفاعل المطلوب، حتى يصل الجميع إلى مرحلة التكامل.

بيب قريب الشبه بلاعبي الشطرنج، في الاهتمام الشديد بالتفاصيل الدقيقة، والتفكير المستمر في الخطوة قبل الإقدام عليها، لدرجة التعقيد الذي يصل إلى الشك على طول الخط. من بين نقط الضعف لدى كاربوف على سبيل المثال في اللعب، هو الاهتمام النسبي بالمسائل الإستراتيجية العامة للعبة. مقابل الحصول على أفضلية تكتيكية محلية، يسمح بتدهور الموقف ما قد يكون السبب المباشر في الخسارة.

بيب جوارديولا

وإذا قارنا نقطة ضعفه بجوارديولا سنجد عوامل مشتركة واضحة، فبيب المولع بالتكتيك والخطط، يجعل لاعبوه دائما تحت طائلة المسؤولية. لا مجال للأخطاء، ولا حيز للفردية أو الارتجال، لذلك قد تتأثر شخصيتهم بالسلب، إذا لم تسر الأمور بمثالية، أو حدثت بعض المفاجآت، عكسر سير الخطة الموضوعة من طرف مدربهم. شيء قريب من ظاهرة “الأوفر ثينكينج” أو كثرة التفكير وإعادته واستمراره لفترات طويلة من أجل حل المشاكل، مما يسبب ضرراً نفسياً ومتاعب أخرى في بعض الأحيان.

اقترنت وجهة النظر هذه بجوارديولا لتفسير أسباب سقوطه في الشامبيونزليج مؤخراً، سواء مع مانشستر سيتي في آخر موسمين، أو حتى رفقة بايرن في 3 أعوام، لكن الحقيقة أنها تحتاج فعلاً لإعادة نظر أو تفسير، لأن “الأوفرثينكنج” يفعله جوارديولا في كل مباراة، كبيرة كانت أو صغيرة، في الشامبيونزليج أو البريمرليج أو حتى كأس كارابوا، لأنه رجل مفعم بالتفاصيل ويعشق تحليل خصومه بشكل مفصل، مع وضع خططه وتبديلاته وفق قراءته لنقاط قوة لاعبيه وخصمه أيضاً، لذلك فإن التفسير السابق يعطي جزء من الحقيقة لا كلها، والدليل ما قدمته مدونة “الأتليتك” قبل أيام من موقعة الريال والسيتي.

ماذا قالت الأتليتك؟

“أتليتك” صحيفة إنجليزية تهتم بأدق التفاصيل عن اللعبة، لذلك قام محررها “سام لي” ببحث كروي رائع عن طريقة إعداد جوارديولا لمباراة الشامبيونزليج ومدى تسبب “الأوفرثينكنج” أو “الأوفركوتشينج” كما شرحنا بالفقرة السابقة في خسارته، ليقوم بعمل مقابلات تكتيكية مع عدد من لاعبي ومساعدي بيب السابقين والحاليين، لمعرفة طريقة تجهيزه للمواجهات، وهل يختلف الأمر فعلياً عندما يتعلق بمباراة في دوري الأبطال؟

يقول توماس مولر، لاعب بايرن :”من أجل ممارسة هذا النوع من الهيمنة الذي كان لدينا تحت قيادة بيب جوارديولا معظم الأوقات، كان يجب عليك أن تعمل بجد في التدريبات. هذه هي المشكلة. الأمر مرهق عقلياً بشكل لا يصدق. التدريبات تتكرر كل يوم، عمل جاد بشكل متواصل، أمام الصغار والكبار لا اختلاف. بيب لا يترك أي صغيرة بالنسبة لفريقه وللخصم وحتى لبقية المنافسين”.

تورينت، مساعد جوارديولا في بايرن وبرشلونة ومان سيتي، يقول أيضاً أن السيتي على سبيل المثال خرج أمام توتنهام بالموسم الماضي، لعدة أسباب، كضياع ضربة جزاء من أجويرو في الذهاب، هدف ستيرلينج الملغي، خطأ لابورت، قوة السبيرز، وليس فقط لأن جوارديولا قام بوضع جاندوجان بجوار فرناندينيو في المباراة الأولى، مما جعل الفريق يخسر بسبب التفكير الزائد في اللقاء، أو ما يعرف بالـ “أوفر ثينكينج”.

مايكل ريشكه، المدير التقني السابق في بايرن والذي عمل مع جوارديولا أيضاً، يؤكد بأن تفاصيل صغيرة قد تجعل الفريق ناجحاً أو فاشلاً في بطولة مثل الشامبيونز. على سبيل المثال قدم بايرن واحدة من أفضل مبارياته أمام أتليتكو في 2016، لكنه خرج في النهاية، هل يمكن القول وقتها بأن تفكير جوارديولا الزائد هو السبب؟ بالطبع لا، والحديث لريشكه.

تفاصيل طويلة في التقرير كان آخرها سؤال صريح بعنوان: “هل جوارديولا يفكر كثيراً في مباريات الشامبيونزليج لدرجة الشك والتعقيد؟” إجابة ريشكه كانت أكثر وضوحاً، حيث قال بالنص: “لا، بالتأكيد لا. كل مباراة يفكر فيها جوارديولا باهتمام شديد، لكن الناس تنتظر حين يخسر حتى تقول مثل هذا الكلام، والدليل أنه عندما قام بتغيير مركز ميسي في 2009، ليتواجد كمهاجم وهمي بدلاً من الجناح الأيمن، تألق الأرجنتيني وفاز البارسا بالستة، هل يمكن وقتها القول بأن التفكير المبالغ فيه هو السبب في هذا الانتصار التاريخي!؟”

الرهان على رسم 4-4-2

لم يتوقع الكثيرون أن زيدان سيلعب بنظام الضغط العالي أمام مانشستر سيتي، لكن اختار الفرنسي رهاناً شجاعاً مثل شخصيته، بوضع أكبر عدد من لاعبيه في نصف ملعب السيتي، وحرمان الإنجليز من البناء المنظم للكرة، لدرجة أن الاستحواذ كان لصالح الملكي بنسبة تصل إلى 70 % في أول 20 دقيقة.

“كروس لا يعاني من أي مشاكل بدنية، لقد كان قرار عدم البدء به فنياً فقط”، هكذا قال زيدان بعد المباراة مباشرة. تصريح يلخص إستراتيجية الفرنسي في المباراة، حيث أنه أراد الضغط القوي، الافتكاك السريع، خنق السيتي في نصف ملعبه، لذلك اختار فالفيردي، كاسيميرو، ومودريتش لهذه المهمة، لأنهم أقوى بدنياً من المايسترو الألماني.

جوارديولا يحسب له في المقابل توقعه طريقة لعب زيدان وجرأته، لذلك اختار الإسباني رسماً بعيد كل البعد عن 4-3-3، برهانه على خطه 4-4-2، بتواجد خيسوس بدلاً من أجويرو، ليلعب البرازيلي كجناح أيسر لا مهاجم، وفي الجهة الأخرى محرز، بينما بدأ دي بروين كمهاجم وهمي، وخلفه برناردو سيلفا كلاعب وسط ثالث رفقة جاندوجان ورودري.

لم يهاجم السيتي بضراوة في الشوط الأول، كذلك افتقد الفريق لسرعة دي بروين في المرتدات، لكنه أيضاً قلل كثيراً من ضغط الريال، ومنع أصحاب الأرض من صناعة الفرص، باستثناء رأسية بنزيما، مقابل فرصتين مؤكدتين للتسجيل من جانب الضيوف، بعد التعاون المشترك بين دي بروين وخيسوس في أكثر من مناسبة. جنباً لجنب مع أداء دفاعي منظم، بسبب ميل إيدرسون إلى لعب الكرات الطولية عند الضغط، وثبات الظهيرين ميندي ووالكر في الحالة الدفاعية، مما جعل شكل الفريق متحداً دون مساحات وفراغات كبيرة كالسابق.

خيسوس

جوارديولا توقع ضغط زيدان، رغم أن الجميع أكد بأن الفرنسي سيلعب بنظام المرتدات فقط، لذلك كان وجود أجويرو لا فائدة منه، لأنه ضعيف بدنيا، لا يضغط، ولا يدافع، وبطيء عند اللعب على الأطراف، بالتالي كانت إستراتيجية السيتي في الشوط الأول، امتصاص ضغط الريال، إيقاف انطلاقات أظهرته، تقليل سلاحه الأهم وهو العرضيات القصيرة والطولية، لذلك تواجد خيسوس أكثر كجناح أيسر لا مهاجم، ونجح باقتدار في إيقاف انطلاقات كارفخال، وأجبر فالفيردي على العودة باستمرار للتغطية.

وجود خيسوس أيضا على الطرف في الحالة الدفاعية أدى إلى تحرير دي بروين تماما، البلجيكي لعب كنصف مهاجم أكثر منه لاعب وسط، لا يدافع ولا يركض كثيرا، ويلعب بأريحية تامة، لذلك ظهر في الشوط الثاني وكأنه لاعب بديل شارك في آخر نصف ساعة فقط، بأقدام جاهزة أو كما يقال Fresh legs.

آخر نصف ساعة بعد دخول ستيرلينج، وتواجده على اليسار، تحول دي بروين للوسط للقيام بمهامه الرئيسية دون تعب، ودخل خيسوس في العمق كمهاجم، ليس فقط من أجل التسجيل ولكن للقيام بنفس دور دي بروين في الشوط الأول، كلاعب وسط رابع إضافي، يضغط ويتمركز بين وسط الريال وقلبي دفاعه، كلقطة طرد راموس.

لعبة التفاصيل

أضاع جيسوس هدف مؤكد، تصدى راموس وكاسيميرو لكرة من على الخط، تفنن محرز في خسارة الفرص ببداية الشوط الثاني، وسجل إيسكو الهدف الأول بعد خطأ ساذج من والكر وأوتاميندي. كل ذلك حدث خلال أول 60 دقيقة، ماذا لو انتهت المباراة بهدف نظيف للريال؟ أو حتى أضافوا هدف ثان بمرتدة أو كرة ثابتة؟ وأضاع خيسوس الضربة الرأسية؟ وسدد دي بروين ضربة الجزاء في السماء؟

هل وقتها كان يمكن القول بأن “أوفرثينكينج” جوارديولا أو تفكيره المبالغ فيه هو السبب؟ مثل ما حدث ضد توتنهام بالموسم الماضي أو أتليتكو عام 2016 مع بايرن؟ الحقيقة أن كرة القدم لعبة التفاصيل، والنجوم في مثل ذات الوقت، خاصة في مثل هذه المباريات التي تلعب بين ثنائي تدريبي من العيار الثقيل.

استفاد جوارديولا أخيراً من بعض التوفيق الذي خسره زيدان، خاصة في سوء تغطية راموس ونجاح خيسوس في تسجيل التعادل بوقت مميز، ليتحول اللقاء في إتجاه آخر تماماً، جنباً لجنب بالتأكيد مع تغييرات بيب المثالية، خاصة بدخول ستيرلينج واستغلال مشاكل كارفخال دفاعياً، يقابله أيضاً سوء تقدير زيزو بإخراج فينسيوس ودخول بيل، الذي تواجد على اليسار لا اليمين، ليترك كارفخال وحيداً أمام هجمات مانشستر سيتي المتتالية.

نجح جوارديولا في خططه، كذلك وفق في تبديلاته، لكن في المقابل وقف التوفيق بجواره في بعض الدقائق، والأهم من كل ذلك أن لاعبيه أنصفوه ولم يخذلوه في الأوقات الصعبة عكس ما كان يحدث سابقاً، لكن كل ذلك لا يحسم شيء على الإطلاق، لأن مواجهة الإياب ستكون نارية، مع إمكانية حدوث كل السيناريوهات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى