تضامن حضرموت.. العشق معنى وفن!

كتب- محمد العولقي

بين بحر المكلا وفريق التضامن عشرة عمر طويلة صاخبة مليئة بكل حوريات الجمال والعشق، لأن تضامن حضرموت مثل البحر عطاء بلا حدود، وعندما يرمي بحر المكلا على شطآنه بعضا من الفيروز واللؤلؤ، يكشف التضامن هو الآخر عن غيض من فيض كنوزه الكروية المتلألئة على شطآن مائها كالزلال ..

اختار تضامن حضرموت اللون الأزرق ليحاكي به غموض وأسرار وعطاء بحر المكلا، كتب التضامن على موجه الهادر كثيرا من قصائده الحضرمية بلغة القدم، في كل بطولة تجد التضامن هنا يتموج وينقل مده وجزره إلى كل مكان، لأندية ساحل حضرموت نكهة خاصة، لكن نكهة التضامن الكروية غير، مع كل بطولة كروية تشرق شمس التضامن على رقعة حضرموت الجغرافية، عرف وعطر تاريخه الطويل يفوح في كل جبل وواد..

لم يسبق لنادي التضامن أن خلق أزمة من العدم، لم يسبق أن نشر غسيله الأزرق كما يفعل بعض هواة تصدير الكوارث والمشاكل إلى بيوتنا، التضامن مثل بحر المكلا تماما، يلفظ الجيف، لا يحتفظ في أعمق أعماقه سوى بالخير الوفير الذي يمكث في الأرض، وينفع الناس، خسر التضامن الكثير من البطولات في الأمتار الأخيرة، لكنه لم يشتك من حكم أو يتظلم أو يتذمر أو يصب جام غضبه على شماعة المال، في عام 1985 كان التضامن قريبا جدا من بلوغ نهائي دوري جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لملاقاة فريق الشرطة، لكنه تعرض لسوء تقدير من الحكم الدولي عبدالله هادي بهيان، حين خالف قرار حكم الساحة رفيق عوض (الله يرحمه) بإصراره على عدم احتساب هدف التعادل في مرمى الميناء ..

الحكاية تبدأ هكذا: في الشوط الثاني، وبينما كان الميناء متقدما بهدف وليد إسماعيل، سدد لاعب التضامن كرة قوية جدا انسابت في نعومة من بين يدي حارس الميناء الرائع عبدالجبار عباس، فبدا لحكم الساحة رفيق عوض الذي كان بعيدا بعض الشيء عن اللعبة أنها تخطت خط المرمى بكامل محيطها، وهنا استدار عبدالجبار عباس والتف في حركة مدهشة بارعة بردة فعل قل نظيرها قبل أن يسيطر على الكرة في لحظة فارقة حبست أنفاس جماهير ملعب الشهيد الحبيشي، صرخ لاعبو التضامن في فرحة عارمة (جووووول)، وهنا اتجه حكم الساحة رفيق عوض إلى منتصف الملعب محتسبا الهدف، وسط موجة احتجاجات من لاعبي الميناء، وأولهم بالطبع الحارس عبدالجبار عباس، وكان لابد مما ليس منه بد، ذهب حكم الساحة رفيق عوض لاستشارة رجل الخط (هذا مصطلح كان يعمل به أيام زمان) الحكم الدولي عبدالله هادي بهيان بعد أن ساوره الشك، وكانت المفاجأة التي هزت ثوابت المباراة أن بهيان رفض مشروعية الهدف، وأكد أن عبدالجبار عباس سيطر على الكرة قبل أن تتجاوز الكرة خط المرمى بكامل محيطها، وتم إلغاء الهدف الدراماتيكي ..

يومها توجه المسجدي إلى الحكم بهيان قائلا: سننال حقنا منك يوم الحساب، ثم تجمع لاعبو التضامن حول بهيان في محاولة لإثنائه عن قراره، لكنه رفض الإصغاء للاعبي التضامن، مؤكدا أنه يطبق العدالة فحسب، يومها لملم لاعبو التضامن حقائبهم وغادروا مسرح الأحداث ليلا، لأن الاحتجاج الذي تقدمت به إدارة التضامن لاتحاد الكرة لم يجد آذانا مصغية، لم يعاقب اتحاد الكرة التضامن على خلفية انسحابه المفاجئ، لأن الاتحاد كان يعلم تماما أن بهيان ربما أخطأ في تقديره، وظلم التضامن من حيث لا يدري..

المهم أن التضامن رحل من عدن، ولم يلعب مباراته الأخيرة أمام الجيش، بحكم أن معنويات لاعبيه كانت في الحضيض، ولشعورهم أن الظلم الذي وقع عليهم أكبر من أن يستوعبوه ويهضموه، بالطبع الميناء فاز على الجيش وتأهل للنهائي بعد ذلك، ثم خسر أمام الشرطة تحت نظر رئيس الجمهورية علي ناصر محمد، كان جيل حسن مسجدي وناصر باوحش والحضرمي والكلدي وأسماء أخرى نسيتها سهوا، جيل مبدع لا يقل روعة عن لاعبي الشعب والأهلي وسمعون والمكلا، بقيت تلك الحادثة التي حرمت التضامن من مجد كروي كبير عالقة في أذهان ذلك الجيل، ولا أعتقد أن أحدا منهم سيسقطها من الذاكرة، ربما رواها أحدهم لهذا الجيل الذي يمتطي صهوة الإبداع بحثا عن ألقاب طال انتظارها..

ربما وجد ذلك الجيل الذهبي بعض العزاء في فوز التضامن مؤخرا ببطولة الهبة الحضرمية على حساب منحوس حضرمي آخر هو سمعون، ربما داوت هذه البطولة قليلا من جرح التضامن النازف منذ موقعة الميناء على ملعب الشهيد الحبيشي قبل 35 عاما، لكن ذلك القرار الذي اختلط فيه حابل المغفور له بإذنه تعالى رفيق عوض بنابل رجل الخط أطال الله في عمره عبدالله هادي بهيان، سيبقى إلى الأبد غصة في حلق كل لاعب من التضامن عاش تفاصيل ذلك الكابوس، فذلك القرار مس كرامة لاعبي التضامن من الأعماق، وحرمهم من تحقيق إنجاز تاريخي لحضرموت ضل طريقه طويلا عن أندية حضرموت في ذلك الزمن، طمرت السنون تلك الذكريات بحلوها ومرها وذهبت أدراج الرياح في زمن ساد ثم باد، ولم تسقط تلك حكاية التضامن من الذاكرة أبدا، لكن لاعبا موهوبا قدمه التضامن بعد هذه الحادثة المؤسفة شغل الناس وملأ ملاعبنا فنا وتألقا،عرفتموه طبعا، إنه حسين غزي ساحر الوسط وقطعة الغيار التي نقلت التضامن من حال إلى حال..

لم أر لاعبا يتحكم في الكرة ويغازلها بشاعرية مثلما كان يفعل حسين غزي، لاعب وسط ميدان معجون بسحر خاص جدا، لكن هذا الموهوب لم ينل حقه في المنتخبات الوطنية الجنوبية، لأنه ببساطة لم يكن سلعة من منتوجات مصنعي التلال والوحدة، أرغمني لاعبو تضامن الوقت الراهن على اجترار تلك الذكريات الرائعة على خلفية فوزهم ببطولة الهبة الحضرمية لكرة القدم على بساط الجدارة والاستحقاق، متمنيا ألا أكون قد نكأت جرحا قديما لم يندمل أصلا، إنجاز الأزرق الحضرمي الذي انتزعه على إيقاع الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل أسعدني كثيرا، ومنحني أملا في أن أشاهد يوما ما نسخة أخرى لزملاء المسجدي وحسين غزي، تحرك في داخلي مشاعر ذلك العشق الأزرق الساكن تحت مسمات جلدي ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى