فرانكي دي يونج.. جعجعة بلا طحين!

تحليل – محمد العولقي

فرانكي دي يونج جوكر أياكس أمستردام الهولندي السابق ، دفع فيه برشلونة الإسباني دم قلبه ليخلف أسطورته تشافي هيرنانديز ، صفقة ظفر بها البرشا بعد مفاوضات ماراثونية انتهت نهاية سعيدة للطرفين ..

لم يكن دي يونج متهيبا من فلسفة برشلونة ، ولا قلقا من أجواء الكرة الإسبانية ، على العكس لم يتردد دي يونج في خوض المغامرة الجديدة في ظل أوجه التشابه بين فلسفة أياكس و فلسفة برشلونة ..
هل ستفتقد الأجواء هنا في برشلونة ..؟

كان هذا السؤال هو الشغل الشاغل لعشاق برشلونة ، لكن جواب دي يونج كان مطمئنا للغاية: “تغيير طفيف يكاد لا يذكر ، أنا هنا كما كنت ، فقد انتقلت من برشلونة b إلى برشلونة a”..

فرانكي دي يونج

جاء تعاقد البرشا مع دي يونج أحياء لمنطقة اللاعب رقم 6 في وسط الميدان ، وكما كان تشافي هيرناديز ملكا في العمق مع برشلونة في أيام العز ، لم يكن دي يونج أقل منه كفاءة في نفس المنطقة مع أياكس أمستردام .. لكن المفاجأة التي لم تكن في الحسبان بعد مضي أكثر من نصف الموسم أن تأثير دي يونج على أداء برشلونة يتلاشى من مباراة إلى أخرى ..

لم يجد دي يونج نفسه مع برشلونة حتى الآن كما كان الحال مع فريقه السابق أياكس أمستردام الهولندي ..
هل ساهم مدرب برشلونة المقال آرنستو فالفيردي في أفول نجومية دي يونج ..؟
هل غياب دي يونج ذهنيا عن الفريق مشكلة اللاعب نفسه ..؟
هل يمكن أن نعزي السبب المباشر إلى منظومة برشلونة التكتيكية ..؟
تبدو الإجابات على هذه الأسئلة الطائرة والزاحفة مفتاح حل لغز مغارة دي يونج مع برشلونة .. فاربطوا الأحزمة استعدادا للتحليق في سماء مفارقات دي يونج مع برشلونة ..

ملك العمق.. لماذا؟

فرانكي دي يونج

لماذا اختلف أداء دي يونج .. بين المرتفع جدا مع أياكس ومنتخب هولندا و المنخفض جدا مع برشلونة ..؟ في تصوري أن المشكلة تكتيكية بحتة لا علاقة لها بدي يونج نفسه .. كيف ..؟

تتمركز نقطة قوة دي يونج في العمق ، فهو يمتلك مؤهلات الرؤية في السيطرة على أجواء المباريات حسب مزاجه ، كما أنه يفرض نفسه مع أياكس قائدا لكل العمليات الهجومية من العمق، لا أحد يجاريه أو يباريه في التحكم بإيقاع فريقه ، تارة يرفع النسق من العمق بحيويته وذكائه ، وتارة يخفض الرتم لغرض تكتيكي بحت ..

يبدو دي يونج مع أياكس محورا في الوسط وحوله تدور بقية النجوم ، يمسك بفيروز الفريق من العمق ، من دون أن يورط نفسه في تحركات قطرية نحو اليمين ونحو اليسار، كما يفعل الآن مع برشلونة ..

ميزة دي يونج مع أياكس أنه بمثابة حجر الزاوية التي يستقيم عليها البناء التكتيكي ككل .. بمعنى دي يونج يأتي أولا كأساس لا يمس من الناحية التكتيكية ، ثم يأتي بعده المساعدون لاستكمال بناء الأطراف ..

ولد دي يونج ليلعب في عمق الوسط كموجه و مرشد و معلم، تماما كما كان الحال مع تشافي هيرناديز .. قطعا ليس دي يونج قطعة غيار يمكن تشكليها لحل أزمة الوسط على الرواقين ، هذا خطأ تكتيكي فادح يؤدي إلى فوضى تستهلك دي يونج نفسيا ..

حماقة توظيف دي يونج..

فرانكي دي يونج

هل أخطأ آرنستو فالفيردي في توظيف اللاعب ..؟

بدون تردد أجيب نيابة عن دي يونج : نعم.. ارتكب فالفيردي المقال كارثة تكتيكية عندما لم يحسن قراءة قدرات دي يونج في العمق ..

ثم أخطأ مليون مرة عندما وظف دي يونج في الوسط الطرفي ، مرة يميل إلى اليمين ، ومرة يميل إلى اليسار، هذا التوظيف التكتيكي السيء لم يقض فقط على حيوية دي يونج في العمق ، بل قضى كليا على كل البناء التكتيكي .. كيف ..؟

عندما أقدم فالفيردي على حماقة تكتيكية تمخضت عن فلسفة إبعاد دي يونج عن العمق ، كان المدرب المقال يورط نفسه في معادلة تكتيكية ناقصة، ثم جاء خلفه كيكي سيتين ليسير في إثره. .

دائما عندما يلعب دي يونج أساسيا في غير مركزه الذي صنع نجوميته مع أياكس ، يبدو كما لو أن برشلونة يلعب بحلقة مفقودة في الوسط ، وهذا النقص التكتيكي بالطبع يقضي على كل التحولات الفنية ، كما أنه يؤدي إلى بطء شديد في إيقاع التيكي تاكا ..

ليست هناك مشكلة في شاكلة لعب برشلونة 4/3/3 التقليدية ، إنها ذات الطريقة التي يفضلها دي يونج، على أن يكون رأس مثلثها وليس ضلعا من أضلاعها ..

رحل فالفيردي في الليلة الظلماء ، وجاء المدرب العتيق مربي النحل كيكي سيتين، لكن قمر برشلونة لازال تحت رحمة سحب داكنة لا تسمح ببزوغ ضوئه الفضي ..

إذا كان برشلونة هذا الموسم يعاني من التذبذب في المستوى والنتائج ، فلأن سيتين المدرب الجديد لم يتلاف خطأ فالفيردي الوحيد حتى الآن .. لا يمكن أن تعود عجلة التيكي تاكا للدوران والإنتاج الغزير، ما لم يتم تسليم عمق الوسط للهولندي دي يونج، الذي لم ولن يجد نفسه في أدوار ثانوية لا تخدم مؤهلاته ..

كان سيتين يعتقد أن مشكلة برشلونة فقط دفاعية ، لهذا بدأ مشواره بحماقة أخرى ألغت أبهة برشلونة تماما ..
جاء ستيين بنظام 3/5/2 معتقدا أن المطلوب منه فقط حماية التيكي تاكا، وجعل لاعبي برشلونة يحتفظون بالكرة حتى الصباح ، فهم تكتيكي مغلوط لفلسفة التيكي تاكا نفسها، لأن التوزيع التكتيكي للاعبين خاطئ وقائم على المجاملات و سطوة الأسماء ..

ولأن سيتين لم يتنبه إلى حقيقة أن الحل بسيط جدا، ويتعلق بتحريك دي يونج نحو العمق فقط ، فقد جعل برشلونة أمام فالنسيا فريقا بدائيا لا يمتلك العمق على الإطلاق ، لهذا لم يهدد مرمى فالنسيا إلا في مناسبة أو مناسبتين ، ونفس الشيء صوت وصورة حدث أمام ريال مدريد في الكلاسيكو ، ولو لم يكن لبرشلونة لاعب عظيم مثل ليونيل ميسي، لربما كان الآن يقبع على مقربة من غرناطة في جدول ترتيب لاليجا ..

دي يونج.. التموضع الكارثي..

فرانكي دي يونج

السؤال الذي لم يجد له البرشلونيون جوابا مقنعا: لماذا يسير الخلف سيتين على نفس منوال السلف فالفيردي، بخصوص عدم توظيف دي يونج في العمق ..؟

أجيبكم أيضا بجرأة: السبب فني بحت وليس تكتيكيا كما تتصورون ، فليست هناك صعوبة في نقل دي يونج إلى العمق ، لكن هذا الانقلاب التكتيكي سيلزم ميسي اللعب فقط على الرواق الأيمن ، وهو دور يراه ميسي بعد أن أصبح الكل في الكل صغيرا ولا يتناسب مع سطوته داخل الفريق ..
إذن.. من هذا المنظور هل يخشى سيتين إغضاب ميسي ..؟

بالطبع يخشى ذلك ، لأن ميسي لم يعد عبقريا يصنع الربيع البرشلوني في كل مباراة فقط ، لكنه أصبح اليوم رمزا وحاكما لكل كاتالونيا ، وبالطبع لا أحد يتجرأ على المساس بالرمز أو الحاكم ، حتى لو كان هذا الواحد هو فالفيردي سابقا أو سيتين حاليا ..

يشعر ميسي براحة فنية كبيرة عندما يكون متحررا ويلعب في كل المراكز دون توجيه ، ولكي يبقى مزاجه رائقا يفضل تكتيكيا أن يكون عمق الوسط في عهدة لاعب أقل في القيمة الفنية، حتى لا يحدث ازدواج أو تضارب في المهام عندما يتحول ميسي نحو الوسط الهجومي ..

هنا وبحسب هذه الفلسفة التي يضعها المدربون لحماية ميسي أولا، ثم تكريس سطوته اللامركزية ثانيا ، يفضل ميسي لاعبا مثل سيرجي بوكسيتس في محور الوسط، وليس دي يونج الفنان الذي يمتلك كاريزما القيادة من العمق ..

حتى لا نتوه في متاهة هذه الفلسفة ، تذكروا أن أدوار ليونيل ميسي كانت تتمركز في اليمين أغلب الأحيان أو عمق الهجوم في حالات نادرة ، هذا أيام كان فيها تشافي هيرنانديز هو سلطان عمق الوسط ، والموجه الذي يكيف كل المعادلات التكتيكية على حسب وعيه ..


جعجعة بلا طحين..

فرانكي دي يونج

بعد خسارتي برشلونة القاسية في ملعب الماستايا و سانتياغو برنابيو ، اكتشف سيتين بعد خراب مالطا أن التيكي تاكا بدون العمق تساوي صفرا على الشمال .. اضطر مرغما والبداية أمام ليجانيس في الكوبادريه إلى العودة مجددا إلى نمطية 4/3/3 المتحركة ، العمق هنا كان من نصيب سيرجي بوكسيتس دفاعيا، و ليونيل ميسي هجوميا ..

كالعادة قضى دي يونج أوقات عصيبة جدا بحثا عن الذات في يمين الوسط ويساره ، هذا التموضع القاتل لحيوية دي يونج جعله أمام لاعبي برشلونة مثل الغراب الذي حاول جاهدا تقليد مشية الحمام فنسي فيما بعد مشيته مع أياكس ..

لست وحدي من يستغرب هذا التوظيف الخاطئ الذي يضر بدي يونج و برشلونة معا ، فحتى اللاعب الهولندي الكبير رود خوليت يستغرب بطريقته النقدية قائلا: “أعتقد أن لدى دي يونج مستوى أفضل من هذا ، عندما يستلم الكرة حاليا يذهب نحو اليمين أو اليسار فقط ، لا شيء آخر يحدث ، أريد أن أمنح دي يونج الثقة لأنه من الرائع مشاهدته عندما يمتلك الكرة ، ولكنني أنظر للنتيجة ، إذا كانت تمريراته واسعة في الملعب فلا فائدة ، هناك أوقات كثيرة يكرر فيها دي يونج ذلك”..

جزء من تشخيص خوليت صحيح والجزء الآخر غامض إلى حد ما .. عندما يجنح دي يونج يمينا و يسارا، فلأن تموضعه مع برشلونة مشوش إلى أبعد حد ، فهو لا يستطيع فرض شخصيته في العمق لأن سيرجيو بوسكيتس هو محور العمق ..

هذا أولا .. أما ثانيا فدي يونج لا يجد مركزا ثابتا في الوسط حتى مع المدرب الجديد كيكي سيتين .. النظرة الدونية لدي يونج تجعل منه لاعب كومبارس أو كمالة عدد في محيط شاكلة لا تستوعب صانع ألعاب آخر، لأن تواجد دي يونج في العمق يعرقل هيمنة ميسي على القيام بدور الكل في الكل ..

دي يونج قد يجد نفسه معارا في أحسن الأحوال أو احتياطيا في أسوأ الأحوال ، طالما بقي هكذا يترنح على الواجهات بعيدا عن العمق الذي صنع نجوميته مع أياكس أمستردام، ففي الواقع نسمع جعجعة دي يونج مع برشلونة و لا نرى طحينها ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى