سميوني، كلوب.. الكرة القبيحة تنهي سطوة الكرة الجميلة!

تحليل – محمد العولقي

أتلتيكو مدريد دافع في الأنفيلد رود حتى النخاع الشوكي ، ثم خرج منتصرا على ليفربول بالضربة الفنية الماحقة ، هل فعلا انتصرت كرة دييغو سميوني القبيحة على كرة يورغن كلوب الجميلة ..؟
واحدة من الإشكاليات المعقدة حاليا التي تمر بها كرة القدم في العالم ، تكمن في عودة طريقة الكتناشيو إلى الواجهة، بعد أن اندثرت بفضل عقلية المدرب الهولندي الراحل رينوس ميتشلز الذي اخترع الكرة الشاملة مع بداية سبعينيات القرن الماضي ..

هل فعلا يحق لعشاق الكرة الجميلة البكاء في حضرة كرة قبيحة يقدمها أتلتيكو مدريد، ولو حملت بين الحين والآخر لمحة فنية عابرة ..؟
حسنا .. احتاجت الملاعب الأوروبية إلى وقت طويل للتخلص من تبعات الأرجنتيني سيء الصيت هيلينيو هيريرا، الذي حول إنتر ميلان الإيطالي في الستينات إلى ثكنة دفاعية لا تفرز جماليات اللعبة ..

وفي وقت تضاعفت فيه سرعة اللعب و تنوعت فيه فلسفة الشاكلات التي تحرض دوما على اللعب الهجومي ، يأتي أرحنتيني آخر من خارج مجرة الابتكار ويعيد للعالم حكاية الدفاع الأسمنتي التي ظن البعض أنها دخلت متحف الذكريات ..
شاهدت مباراة إياب دوري أبطال أوروبا بين ليفربول و أتلتيكو مدريد ، فريق يريد أن يلعب الكرة الهجومية الجميلة ، وفريق آخر يصر و يلح إلحاحا على اعتناق الكرة القبيحة بوجهها الفوسفوري الخال من أية ملامح ..

كيف يمكنك أن تسجل في مرمى يتمترس في منطقة جزائه أحد عشر لاعبا ..؟
خرج الألماني يورغن كلوب بعد إقصاء ليفربول بوجه شاحب هربت منه كل الدماء ، ومع ذلك لم يتورع عن توجيه انتقاد لاذع للأرجنتيني دييغو سميوني: ” لا أفهم كيف يلعب أتلتيكو مدريد بهذه الطريقة في ظل وجود هؤلاء اللاعبين الجيدين لديه ، بوسعهم تقديم كرة قدم جميلة ، ولكن لسبب لا أستوعبه يقفون في الخلف و يكتفون بالهجمات المرتدة”..

يضيف كلوب بمنتهى المرارة المغلفة بالروح الرياضية قائلا: ” ربما أكون خاسرا سيئا خصوصا إذا كان لاعبو الريدز قد بذلوا كل هذا المجهود للتغلب على لاعبين من الطراز العالمي يكتفون فقط بالدفاع عن طريق خطين من 4 أفراد “..

نعم يا كلوب .. خسرت الكرة الجميلة الكثير بخروج ليفربول بهذه الطريقة القاتمة، لأن فوز الاتلتيك الذي لا يلعب الكرة الجميلة سيدفع آخرين إلى الاستعانة بكرة سميوني المملة حد القرف ..

كتيبة من المشاة الأغرار..

بدأ الحارس السلوفيني العملاق يان أوبلاك سدا منيعا أمام لاعبي ليفربول طوال 120 أشغال شاقة ، ويرجع له الفضل في تحصين طريقة سميوني القبيحة ، فلكي تتخندق دفاعيا و لا تلعب كرة على طول وعرض الملعب، دون شك يلزمك حارس مرمى يكون خطا دفاعيا بأكمله ، ثم يلزمك أن يكون لخصمك حارس مرمى مهزوز مثل أدريان ..

شيء لا يصدق على الإطلاق ، فريق يدافع لتسعين دقيقة، يشتت الكرات و يعيق اللعب، ويرتكب الفاولات ، تنهمر على رأسه الركنيات كالمطر ، ومع ذلك ينجو من كل هذا الطوفان الأحمر ، والأكثر غرابة أن يخرج فائزا بثلاثة أهداف كاملة سجلها في الوقتين الإضافيين، وعلى حساب فريق هجومي احتل الملعب طولا وعرضا ..

بدأ سميوني المباراة بطريقة دفاعية بحتة قوامها 4/4/2 ، طريقة كلها تكتل في عمق الوسط دون راوقين بالمعنى التكتيكي المفهوم .. وضع سميوني كتيبة من المشاة الأغرار .. كيران تيريبير و رونان لودي على الطرفين من الداخل بمهام دفاعية قاتمة ، ثم بنى جدارا صلبا في عمق الدفاع مكونا من فيليبي و ستيفان سافيتش ..

ثم وضع في الوسط أربعة محاور في العمق كوكي القائد و ساؤول نيجيز و أدريان كوريا بالإضافة إلى المترجع دوما للخلف توماس بارتي .. ثم تقمص الماتادور دييغو كوستا دورا دفاعيا في الوسط بالغ الغرابة ، في حين كان المهاجم الآخر جواو فيليكس يركض دائما نحو الوسط الدفاعي لقتل المساحات ..

ورغم أن الأتلتيك كان يدافع طوال مجريات الشوط الأول بتسعة لاعبين، إلا أن صخب جماهير ليفربول و مرونة لاعبي ليفربول افقدتا لاعبي الأتلتيك التركيز ، ولولا يان أوبلاك لاستقبل مرمى الريخو بلانكوس ثلاثة أهداف على أقل تقدير ..

وعندما نجح فينالدوم في إعادة المباراة إلى نقطة الصفر بتسجيله هدف ليفربول مع نهاية الشوط الأول ، توقعنا أن يدخل سميوني الشوط الثاني بخطة مغايرة تسمح لفريقه التنفس هجوميا .. لكن الذي حدث أن سميوني خيب ظن الجميع ، فقد بدأ هذا الشوط بطريقة أكثر وحشية ..

وحشية سميوني..

ديجو سميوني

على غير المتوقع أخرج سميوني مهاجمه الوحيد دييغو كوستا مع بداية الشوط الثاني، وأدخل لاعب الوسط ماركوس يورينتي ، فتحولت طريقة اللعب إلى 4/5/1 .. لم يجد لاعبو ليفربول حلا أمامهم سوى إمطار منطقة جزاء أوبلاك بالكثير من العرضيات التي كان بطلها في الغالب محمد صلاح و أحيانا ماني وتشامبرلين ، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي للظهيرين روبرتسون و أرنولد، إلا أن سوء الحظ وتعملق أوبلاك حرما ليفربول من تعزيز هدفه بآخر ..

كان سميوني يجرجر لاعبي ليفربول إلى معركة فنية وبدنية ، ولقد مارس كل أساليب الاحتيال ليمدد المباراة شوطين إضافيين حملا في الواقع مشاهدا هتشكوكية لا تصلح لأصحاب القلوب الضعيفة ..

دقائق قليلة على بداية الشوط الإضافي الأول ويسجل روبرتو فيرمينيو هدف ليفربول الثاني ، وكان يمكن أن تمضي بقية الدقائق على وتيرة ليفربولية واحدة لولا خطأ الحارس أدريان الذي أهدى تمريرة خاطئة، سجل منها لورينتي هدفا صاعقا قلب المعطيات رأسا على عقب ..

مع تسجيل الأتلتيك لهدفه عاد سميوني إلى الواجهة التكتيكية مضاعفا شنق اللعب ، فقد أخرج لاعب الوسط المهاجم كوريا و دفع بمدافع إضافي هو خوسيه ماريا خيمينيز ، فانتقلت الشاكلة إلى 5/4/1 .. يا إلهي ..!

كلوب.. غلط في الحساب..

يورجن كلوب

في ظرف دقائق من هدف لورينتي، كان مطلوبا من لاعبي ليفربول أن يسجلوا هدفا ثالثا وسط الغابة الدفاعية التي تغطي كل مساحات الملعب ، وفوق هذا مطلوب منهم أن يقدموا الفرجة و الفاعلية الهجومية ، وفي مباراة كهذه تعتبر تلك المطالب من أصعب المعادلات على الإطلاق ، خصوصا عندما تواجه خصما لا يريد أن يلعب ، فقط يقاتل بكل قواه ليجعلك لا تلعب ..

لم يغير كلوب من فلسفته 4/3/3 ، وأمكن للفريق بهذه الشاكلة الهيمنة الميدانية ، لكن مشكلة ليفربول أنه لعب المباراة الصعبة بدون حارس مرمى ، ثم اصطدم بسوء حظ أمام مرمى أوبلاك، ثم إن كلوب على ما يبدو لم يكن مستعدا نفسيا لدخول مغارة الوقتين الإضافيين، في ظل عدم جاهزية أسلحته الاحتياطية بما فيه الكفاية ..

لم تكن تغييرات كلوب مثالية ، فهو لم يكد يبحث عن بدائل لاستعادة الطراوة البدنية، حتى عاد لورينتي من جديد ليسجل التعادل من كرة ميتة جلس أدريان يتفرج عليها بسذاجة ، ثم أطلق البديل ألفارو موراتا رصاصة الرحمة على ليفربول في الوقت بدل الضائع بهدف ثالث ..

لا شك أن غياب حارس ليفربول الأساسي أليسون بيكر عرى البديل أدريان ، وكشف عن أهمية أن تمتلك حارسا كبيرا في بطولة نفسها قصيرا ، فمع مسؤولية أدريان عن خروج ليفربول من البطولة أمام جماهيره وعلى ملعبه ، تعود إلى الأذهان بارحة الحارس كاريوس الذي تسبب في هزيمة الليفر قبل عامين في النهائي أمام ريال مدريد ..

عاشت جماهير ليفربول سيناريو مرعبا بحق ، ففريقها فعل كل شيء إلا تسجيل الأهداف ، فيما كان الأتلتيك يلعب على جزئيات بسيطة غابت عن كلوب وعلى اهتزاز الحارس أدريان ، فكان الثمن الإقصاء من الدور ثمن النهائي بأسوأ سيناريو ممكن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى