توقف كرة القدم.. ربما يعطي المدربين الوقت الكافي للإلهام!

تقرير – محمد يوسف

“ماذا فعلت أثناء الحرب، سيد بوكوفي؟ لقد اخترعت مركز المهاجم الوهمي (False 9)، ماذا عنك؟”.

لم يكن هذا كل ما فعله المدرب المجري “مارتون بوكوفي” خلال الحرب العالمية الثانية، والذي ربما يكون أعظم عقل تكتيكي عرفته كرة القدم، حيث وجد نفسه في مدينة زغرب الكرواتية، يدرب فريق جرانسكي، عندما بدأ الصراع العالمي.

وعندما استولت حركة “الأوستاشي”، وهي حركة ثورية كرواتية، على السلطة أصبح منصبه في خطر، ولكنه أكمل مسيرته في النادي، بل وساعد أيضاً في حماية البستاني المسؤول عن أرضية الملعب، وهو لاجئ يهودي، يُدعى ماكس ريسفيلد، فرّ من فيينا النازية. وكان بوكوفي يحضر الطعام والمساعدات له ولعائلته، بينما اختبأوا تحت إحدى مظلات الملعب لمدة أربع سنوات في أمان.

كان بوكوفي شجاعاً ورجلاً ذو مبادئ راسخة، لكنه كان صعب المراس أيضاً؛ حيث كانت له عاداته الخاصة، والتي نادراً ما فكر في تغييرها؛ كان يحب السينما ويذهب ليشاهد الأفلام كل يوم بعد التدريب، لكنه كان يكره أن يُشتت تركيزه، لذا كان يسأل في شباك التذاكر هل زوجته تشاهد الفيلم، وإن كانت تشاهده، يذهب لسينما مختلفة غيرها.

كان بوكوفي دقيقاً للغاية، صارماً ومثابراً، وكان يطالب دائماً بالنظام والانضباط. لا يهم من هو اللاعب الذي يتعامل معه، كان دائماً يخبره برأيه فيه، وربما لهذا لم يحبه الكثيرون. كان يعلق على كل شيء ويجد الأخطاء دائماً. كانت نيته حسنة، لكنه لم يفهم بأنه يجب أن يفرق في تعامله بين الناس، لقد كان يقول ما يريد قوله فحسب.

المدرب المجري مارتون بوكوفي

ولكن برغم كل هذا، كان بوكوفي عبقرياً، وربما يُسمح للعباقرة ببعض الحرية الاجتماعية. عندما انتهت الحرب في يوغوسلافيا وسيطر عليها الشيوعيون، تم حل النوادي التي لعبت في الدوريات الفاشية، وفي كثير من الحالات تم تدمير أرشيفها. وتحول نادي جرانسكي إلى نادي دينامو زغرب، وأقنعوا بوكوفي ليصبح مديراً فنياً للنادي الجديد.

التوقف المؤقت بسبب الحرب أعطاه الوقت اللازم للتفكير؛ حيث كان قد أشرف بالفعل على انتقال جرانسكي من خطة 2-3-5 إلى تشكيل (W-M)، وهو رسم خططي 3-2-2-3 يكون فيه توزيع اللاعبين على شكل حرفي (W-M)، ولكنه تساءل: ماذا لو تمادى وذهب أبعد من ذلك؟

ماذا لو قام بسحب المهاجم الصريح من الأمام إلى الخلف ليصبح تقريباً لاعب خط وسط، ويعطى المهاجمين الداخليين الفرصة للتقدم إلى الأمام، ويسحب واحد من الأجنحة إلى العمق أكثر ليتحول إلى مدافع وسط ثاني، ليتغير شكل 3-2-2-3 (W-M) إلى شكل شبيه للغاية بخطة 4-2-4؟

الانتقال من خطة 3-2-2-3 إلى خطة 4-2-4

وهكذا، في عام 1946، في المباراة ضد لوكوموتيفا، والتي ستحدد الفائز ببطولة زغرب، وضع بوكوفي نظريته حيّز التنفيذ. فاز جرانسكي بالبطولة، ونجحت خطة بوكوفي، ولكنه لم يكن سعيداً للغاية، حيث ذكر: “لعب دراجوتين هريبكو هذا الدور، لقد لعبه بشكل أقرب للجيد، لكنه بعيد عن المثالية. كلاعب كرة قدم، لم يتمتع أبداً بكفاءة عالية، لكني كنت أتحدث عنه دائماً عندما يسألني أحدهم عن مهاجم ينسحب إلى الخلف، لقد كان فأر التجارب. يمكنني أن أتذكر بوضوح كيف لم يتمكن لاعبي لوكوموتيفا من معرفة كيف يتعاملون معه”.

أخذ بوكوفي هذا النظام معه عندما عاد إلى بودابست، وبحلول عام 1952 كانت منتخب المجر يستخدمه للفوز بالميدالية الذهبية في الأولمبياد، والذي كان جزءاً من سجل استمر أربع سنوات بدون هزائم، وأثناء ذلك هزموا منتخب إنجلترا مرتين بنتائج كبيرة، وانتهت الفترة مع هزيمة من ألمانيا الغربية في نهائي كأس العالم عام 1954.

https://twitter.com/FootballArchive/status/1141811766541848577

بيب جوارديولا ويورجن كلوب

هذه الأيام، نادراً ما يحصل المدربين على الوقت الكافي للتفكير؛ حيث إن خوض المباريات المتتالية، وروتين التدريبات المستمر، والتعامل اليومي مع اللاعبين، هي كلها أمور تضغط عليهم أكثر من اللازم. ولكن الآن، خلال فترة التوقف الإجبارية، التي سوف تستمر على الأقل على مدار شهرين، ربما يملكون الوقت الكافي للتفكير.

كرة القدم أصبحت لعبة ناضجة الآن؛ لذا فإن التغيرات التطورية الضخمة مثل ابتكارات بوكوفي لن تحدث على الأرجح، كل شيء يحدث الآن من خلال إضافات جديدة. ولكن ما هو الممكن، ماذا يمكن لمدير فني مُبتكر أن يفعل بعد أن مُنح هذه الفترة الطويلة دون ضغط المباريات المستمر؟

تمضي كرة القدم الآن من خلال إيجاد الحلول؛ حين ينجح فريق ما في اللعب بأسلوب معين، لذا يجب إيجاد وسيلة لمواجهة ذلك الأسلوب. على سبيل المثال، تم التغلب على أسلوب بيب جوارديولا، الذي اعتمد على الاستحواذ كثيراً، من خلال أسلوب الضغط العالي المركز واللياقة البدنية المرتفعة والتحولات السريعة الذي لعبه يورجن كلوب، إلى الحد الذي بدأ فيه جوارديولا في التغير.

وكان هذا منطقياً: الوسيلة المُتاحة لمواجهة أسلوب الاستحواذ هو العمل من أجل تعطيل أنماط التمرير المتكررة، ومحاولة استعادة الكرة بشكل أفضل. إذا ما التالي؟ كيف يمكن تعطيل أسلوب لعب يعتمد على الضغط العالي؟

إحدى الطرق تعتمد ببساطة على تمرير الكرة بشكل أفضل، بأنماط تمرير أقل توقعاً. ربما إذا تواجد فريق برشلونة جوارديولا، بين عامي 2008-2011، حتى الآن، بنفس ذروة أدائه، وبنفس قدرات المراوغة الهائلة من ليونيل ميسي، لكان هذا الحل ممكناً. ولكن بالنظر إلى أن الأمر ليس كذلك، فكيف يمكن مواجهة كرة القدم التي تعتمد على الضغط العالي بهذا الشكل القوي؟

خافي مارتينيز

واحدة من الطرق الواضحة، والتي أعتمد عليها جوارديولا لفترة قصيرة ضد بوروسيا دورتموند كلوب في مباراة كأس ألمانيا، هي تجاوز هذا الضغط. حيث استخدم جوارديولا لاعبه خافي مارتينيز في مركز أقرب إلى رقم 10 كلاسيكي في الأمام خلف المهاجم ماريو مانزوكيتش، وهذا يعني أن بإمكان بايرن لعب الكرات المباشرة في اتجاه لاعبين خطيرين في الكرات العالية، متجاوزاً بذلك ضغط دورتموند، ويحرمهم من الاستحواذ على الكرة في المناطق الخطرة. وبمجرد أن يملك بايرن السيطرة، وينجو من موجة دورتموند المبكرة المعتادة من الضغط، يتحول مارتينيز إلى دوره المعتاد كلاعب خط وسط محوري.

فكيف يمكنك تجاوز خط ضغط ينتشر بصورة منظمة سوى بلعب كرات طويلة مباشرة للأمام، وهل هناك طريقة أفضل لزعزعة اثنين من مدافعي الوسط، سوى بجعلهم يدافعون أمام اثنين من اللاعبين؟

أو ربما لا يصلح كل هذا، المهم أنه في هذا الوقت من التوقف الإجباري، ربما يتساءل المدربون: ماذا كان سيفعل مارتون بوكوفي في هذه الحالة؟

 

تقرير مترجم لـ جوناثان ويلسون في صحيفة الجارديان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى