مصائب كورونا عند زيدان فوائد!

تحليل – محمد العولقي

كورونا هذا الوباء القاتل الذي حول شوارع العالم إلى بقايا أطلال ورميم ، ما فتئ يضرب بقوة في كل مكان ، لا يستثني دولة عظمى و أخرى نامية ..
ظهر كورونا الفتاك كشبح يتربص بجميع سكان البسيطة ، ولم يرض من غنيمة ظهوره المباغت بضحاياه البشرية التي يرتفع خطها البياني كل جزء من الثانية ، بل راح يضرب بقوة في عمق اقتصاديات دول العالم بلا رحمة ..

هرب الجميع من شر كورونا مع فاصل من الغناء نحو المنازل والحجر الصحي ، وأوصدت الملاعب أبوابها أمام روادها ، وهجر البشر الأندية، و تجمدت الدوريات العالمية دفعة واحدة، فقد تحولت ملاعب الكرة إلى فضاء يسكنه نعيب البوم و نعيق الغربان..

الخراب يعم الأندية كبيرها وصغيرها ، فهذا الشلل الكلي الذي شل النشاط الكروي ضرب القدرات الاقتصادية في مقتل حقيقي .. أندية كبيرة أرغمها كورونا على تخفيض رواتب اللاعبين و تقليص النفقات قدر الإمكان ، و شركات راعية اضطرب مؤشر بورصتها في ظل غياب العائدات الترويجية إلى الانحدار نحو حافة الإفلاس ..

ريال مدريد النادي الذي يدار بعقلية اقتصادية بحتة في ظل عبقرية رئيسه فلورنتينو بيريز، لم يقو على مواجهة الأزمة الاقتصادية منذ أن أدخله كورونا الحجر الصحي مرغما ..
دون شك تأثر ريال مدريد ماليا من توقف المسابقات المحلية و القارية رغم أنه يستند على قاعدة اقتصادية عملاقة ..

كيف لإدارة الريال أن تفي بمختلف التزاماتها المالية في غياب الدخل والعائد المالي ..؟
من أين لإدارة بيريز توفير رواتب اللاعبين والأجهزة الفنية و الإدارية الخيالية ..؟
ماذا عن مستقبل الصفقات القادمة الصيف القادم ..؟
من أين سيمولها خصوصا وهو مجبر على إبرام ثلاث صفقات من العيار الثقيل على أقل تقدير ..؟

معجزة السماء ..

زين الدين زيدان

ريال مدريد مثله مثل غيره يعيش هالة هلع حقيقية في ظل هذا الشلل الذي يفرضه وباء كورونا ، لكن هذه المصائب المالية التي تسقط على رأس ريال مدريد كأمطار الصيف تختلف تماما عند زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد ، فظهور وباء كورونا المرعب كان ذا فائدة كبيرة لزين الدين زيدان .. كيف ..؟

كان ريال مدريد قاب قوسين أو أدنى من مغادرة دوري أبطال أوروبا، بعد خسارته القاسية على أرضه وأمام جماهيره من طرف مانشستر سيتي الإنجليزي بهدفين لواحد ..
بدا واضحا أن زين الدين زيدان بحاجة إلى معجزة من السماء تجنبه مصيره المظلم مع ريال مدريد ، المسألة بالنسبة لبيريز كانت مسألة وقت ، ففي الواقع كان بيريز يتفاوض سرا مع خليفة زيدان ، فقد كانت كل الظروف مهيأة ليتلقى ريال مدريد هزيمة كبيرة من مانشستر سيتي إيابا في ملعب الاتحاد ..

قبل أيام قليلة على موعد المباراة التي يراها بيريز فاصلة في مشوار الفرنسي زيدان مع الميرنجي هذا الموسم، تلقى زيدان هدايا كارثية رفعت نسبة التشاؤم عند المدريديين حتى بلغت الحلقوم ..
في البداية خسر جهود البلجيكي المنحوس آدين هازارد ، فقد تعرض لإصابة قاسية جدا أمام سلتا فيجو ، وتحولت إشارات الاتهام نحو زيدان الذي لم يمنح هازارد فرصة التدرج في العودة ، فقد كان تواجد هازارد العائد من الإصابة أساسيا يخالف كل الثوابت الطبية والتحفظات النفسية ..

إيدن هازارد

خضع البلجيكي بعدها لعملية جراحية وكان يعني هذا أن موسمه الأول الحالك السواد قد انتهى فعليا مع ريال مدريد ..
زيدان كان يرى في هازارد السلاح القوي و الفعال الذي سيضرب بقوة أمام السيتي، لسبب بسيط يتعلق بمؤهلات البلجيكي الذي يحفظ مانشستر سيتي عن ظهر قلب ..
و عندما تأكد غياب هازارد عن المواجهتين جفت الدماء في عروق زيدان ، كما لو أن زمام المبادرة انتقلت دفعة واحدة من يديه إلى يدي غريمه بيب جوارديولا ..

لم تكن هذه هي المصيبة الوحيدة التي سقطت على صلعة زيدان ، فهناك مفاجآتان ، واحدة مهولة ، وأخرى هينة ..
تعرض حارس ريال مدريد البلجيكي ثيو كورتوا لإصابة مفاجئة خلال المباراة التي خسرها الريال في الدوري المحلي أمام ريال سوسييداد ..
كان تشخيص الإصابة بالنسبة لزيدان صادما بحق ..


كورونا يؤجل مصير زيدان ..

زين الدين زيدان

توترت أعصاب زيدان كثيرا عندما جاء التقرير الطبي مؤلما في حق كورتوا ، فقد أكد التقرير استحالة اعتماد زيدان على كورتوا أمام مانشستر سيتي بأي حال من الأحوال ..
لم يكن البديل الفرنسي أريولا مناسبا لهكذا مباراة لا تحتمل المجازفة ، بدأ زيدان يسبح ضد التيار ، في حين راحت الخسارة امام السيتي إيابا تلوح في الأفق، رغم كل ما يقال عن كبرياء سيد أبطال أوروبا ..

لم يفق زيدان من الخسارة المزدوجة أمام ريال سوسييداد في الدوري ، حتى باغتته أخبار أخرى مزعجة قبل أيام قليلة على مواجهة السيتي .. مارسيلو الظهير الأيسر أصيب هو الآخر ، ورغم أن بديله الفرنسي ميندي أفضل حالا من البرازيلي في النزعة الدفاعية، الا أن زيدان كان يرى في مارسيلو عكس ما نراه ..
حتى الظهير الأيمن داني كارفخال كان يعاني من بعض المشاكل في ظهره ، وحالته تستدعي التريث وعدم الزج به أمام السيتي ، بالإضافة طبعا إلى غياب القائد سيرجيو راموس على خلفية طرده ذهابا في سانتياغو برنابيو ..

معنويا كان لاعبو ريال مدريد في الحضيض ، فبعد الانتعاشة التي تلقاها الفريق بالفوز على برشلونة في الكلاسيكو واستعادة صدارة لاليجا ، لم تدم الأفراح سوى أيام قليلة، فقد لقي الميرنجي حتفه أمام ريال سوسييداد ، وأهدى لاعبوه الصدارة من جديد للغريم برشلونة بفارق نقطتين وبشكل مستفز لكل الأنصار ..
لا يمكنكم تصور معاناة زيدان قبل أقل من أسبوع على مواجهة السيتي ..

بلغ التذمر الجماهيري مبلغه ، واهتزت الثقة في كتيبة زيدان ، كان زيدان يقلب أوراقه ويضرب أخماسا في أسداس ، فمن وجهة نظر بيريز كانت الخسارة إيابا أمام مانشستر سيتي تعني أن زيدان في مهب الريح ..
ربما كانت من الحالات القليلة التي فقد فيها زيدان ثقته بمواطنه كريم بنزيمة ، المهاجم الوهمي الذي كان يعول عليه زيدان كثيرا لتعويض الحس الهجومي الذي خلفه رحيل كرستيانو رونالدو، لكن الفرنسي المثير للجدل خيب الآمال في المواجهات الكبيرة ، وقطع شعرة معاوية التي كانت تربطه بمدربه زيدان ..

جوارديولا هو الآخر كان ينتظر اللقاء على أحر من الجمر ، فقد كان يعلم أنه يمتلك كل الصلاحيات ليدق المسمار الأخير في نعش ريال مدريد .. كان جوارديولا على وشك أن يصبح بطلا قوميا جديدا في كاتالونيا ، بضربة مزدوجة كان جوارديولا قريبا من إقصاء ريال مدريد و الانتقام لهزيمة فريقه برشلونة في الكلاسيكو ، لكن رياح زيدان هبت عكس مجرى ذلك، وبشكل يخالف ما تشتهيه سفن جوارديولا ..

وسط أجواء مدريدية ملبدة بالغيوم الداكنة سقطت معجزة السماء على رأس زيدان كما كان يتمنى تماما ..
في الثاني عشر من مارس ، أي قبل مواجهة السيتي بأربعة أيام تأكد إصابة تومبكينس لاعب ريال مدريد لكرة السلة بفيروس كورونا .. ساد الذعر والقلق المصحوبان بالهرج و المرج أروقة النادي، فقد كان فريقا السلة و القدم يتشاركان معا التدريب بصالة الألعاب الرياضية ..

دون تأخير قررت إدارة ريال مدريد تعليق تمارين فريق القدم، و إرسال كل اللاعبين و الجهازين الفني و الإداري والعاملين إلى الحجر الصحي لمدة 15 يوما دون قيد أو شرط ..
تطورت الأمور و تسارعت وتفشى وباء كورونا واستحال إلى جائحة تضرب عشوائيا وفي كل الجهات و تلتهم البشر والحجر و الشجر في سرعة خرافية يصعب احتواؤها ..

هجرت الأندية ملاعب كرة القدم ، وعلق الاتحاد الأوروبي مباريات بطولته الممتعة إلى أجل غير مسمى ، ودخلت كل دول القارة العجوز دائرة حظر إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ..
وسط هذا الرعب الذي يسيطر على العالم ، تنفس زين الدين زيدان الصعداء لأن جائحة كورونا جمدت مصيره مع ريال ، و منحه هذا الحظر المزيد من الوقت للتعبئة و تصحيح المسار ، و الأهم من هذا أن في وسع زيدان استعادة كل أسلحته المعطوبة مثل هازارد و كارفخال و كورتوا و أسنسيو و مارسيلو في حال تم استئناف بطولة دوري أبطال أوروبا ..

وهكذا يمكننا القول إن مصائب كورونا عند زيدان فوائد، ومع ذلك يبرز سؤال آخر وسط هالة الهلع مفاده: كيف يستغل زيدان جائحة كورونا لتنقية ثوب الريال الأبيض ليظهر أنصع بياضا الموسم القادم ..؟
سؤال تتشعب إجابته ، وسيكون محور نقاشنا في الوقفة القادمة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى