منظومة ميسي..!

كتب- أحمد نبيل

رأينا العديد من التصريحات والانتقادات بخصوص تلاشي منظومة برشلونة التقليدية وطريقة اللعب المعتادة، والتي تُدرس في أكاديمية لامسيا منذ الصغر، ورأينا النجوم وكبار الشخصيات يصرّحون بهذا علنا للصحف والإعلام، حيث أجمعت الآراء أن برشلونة لا يفوز بدون أسلوب لعبه المعتاد والمتبع منذ فترة طويلة، والكل أصبح يرى هذا بوضوح، وأصبح السؤال ليس “هل تتفق” بل “لماذا”؟

يرى البعض أن في حقبة بيب جوارديولا التاريخية، وصل النادي الكتالوني الذروة المثالية الكروية، بوجود مدرب قوي الشخصية خدمته الظروف بتزامنه مع لاعبين لم ولن يأت الزمان مثلهم كتشافي، أنيستا، ميسي وغيرهم، وبالفعل احتكر برشلونة أوروبا بأجمعها وحقق كل البطولات الممكنة، بما فيها السداسية التاريخية في الموسم الأول للفيلسوف بيب غوارديولا، ولكن يأتي السؤال، لماذا لم يكرر المدربون الذين أتوا بعده نفس الإنجازات التي حققها، خاصة وأنهم تزامنوا أيضاً مع نفس اللاعبين؟

بدأ أسلوب برشلونة التقليدي يتلاشي شيئا فشيئا منذ رحيل بيب، وبدأ يختفي تدريجياً مع المدربين، بداية من تيتو فيلانوفا مرورا بتاتا مارتينو، ثم انريكي الذي استطاع انتشال الفريق من الهاوية لمدة موسمين، ولكن في نهاية المطاف جاء الإنهيار مع ارنستو فالفيردي ومن بعده كيكي سيتيين، الذي لا نستطيع الحكم عليه بعد، ولكننا نستطيع أن نرى نهاية القصة قبل سماعها.

واحدة من أهم الأسباب في كل هذا هو ليونيل ميسي، اللاعب الأفضل في العالم، الذي أجبر برشلونة على اللعب بطريقته وليس بطريقة برشلونة، قد يبدو حديثي يشابه حديث بعض كارهي ميسي، ولكنه في الحقيقة عكس ذلك تماما، لأني في الحقيقة من أكبر محبي الأرجنتيني.

في العقد الأخير لميسي مع برشلونة، تمكن مدربان فقط من السيطرة على ميسي نفسيا وتكتيكيا ودمجه في منظومة الفريق وليس دمج برشلونة في منظومة ميسي وإعطاؤه الحرية المطلقة، هما بيب غوارديولا ولويس انريكي.

بيب هو من أهم الشخصيات في مسيرة ميسي الكروية والشخصية، وهذا جاء بلسان اللاعب نفسه، ليس لأنه هو من اكتشف اللاعب، بل لأنه هو من أعطاه الثقة واستطاع مساعدته ليخرج أفضل ما لديه، كالأب مع ابنه، فأصبح ميسي يثق ثقة عمياء في مدربه ويلعب وفق تعليماته وتكتيكه وخططه وضمن منظومة اللعب.

في الجانب الآخر استطاع لويس انريكي كسب ثقة الأرجنتيني بقوة شخصيته، والتي تسببت في العديد من المشاكل والاحتكاكات في بداية الأمر، كما حدث في موقعة انويتا الشهيرة، والتي كانت بداية قصة النجاح لانريكي، فالمدرب الإسباني امتاز بقوة شخصيته واحترافيته الكبيرة، وبها استطاع أن يكسب ثقة ميسي، والتي ترجمها أيضاً باندماجه في خطة وتكتيك انريكي، وكنا بالفعل نرى ميسي يدافع في بعض الأحيان ويتحرك ويضغط على الخصوم في مناطقهم اتباعا لتعليمات الطاقم الفني، عكس ما نراه حاليا.

ليونيل ميسي تزامن مع أفضل اللاعبين على مدار تاريخ النادي، رونالدينهو، تشافي، أنيستا، وغيرهم، كما تعايش مع عدد كبير من المدربين الكبار كفرانك ريكارد، بيب غوارديولا، تيتو فيلانوفا ولويس انريكي، فأصبح الأرجنتيني هو حجر الأساس في كل حقبة، وهو الثابت الوحيد في زمن المتغيرات، وأصبح لا يثق في أي لاعب أو مدرب ما لم يعطه سببا يجعله يفعل ذلك، فأصبح ميسي هو المنظومة ويجب على اللاعبين والمدربين اتباع طريقة لعبه وليس العكس..

وسبب اختفاء طريقة لعب برشلونة هو عدم وجود أسماء تستطيع كسب ثقة ميسي ليشاركهم الخطط أو الاعتماد عليهم، لا من اللاعبين ولا المدربين، بل أي مدرب يأتي يضع ميسي خارج خططه ويعطه الحرية المطلقة بدون تدخل أو تعليق أو تصحيح، وفي نهاية المطاف يعود كل هذا بالفشل، لأنك غير أنك تفقد لاعب من فريقك وتصبح تلعب بعشرة لاعبين، فإنك تحرق مجهودات أفضل لاعب في العالم بعدم توظيفه وإخراج أفضل ما عنده، فترى عدم وجود التناغم بين الفريق وميسي، وكذلك عدم ثقة ميسي في اللاعبين، الذين سيمررون الكرة له عند تعقد الأمور، في انتظار إعجازاته الفردية لإصلاح الموقف وإنقاذ الفريق، وسيقوم بهذا في معظم المباريات، ولكن ليس دائما.

يعود كل هذا في نهاية المطاف لضعف الإدارة، التي لا تستطيع إيجاد اسم قوي الشخصية يستطيع مشاركة الحِمل والمسؤولية مع ميسي، فنرى تخبطات في التعاقدات مع اللاعبين والمدربين، والتي نعلم جميعا نهايتها قبل البداية، لأن برشلونة يحتاج إدارة قوية تدرس خطواتها ولها القدرة على جلب مدرب قائد، قوي الشخصية، يناسب الفريق، وله القدرة على إخراج أفضل ما لدى اللاعبين، بما فيهم ميسي، مدرب يستطيع السيطرة على ميسي نفسيا.

فالأرجنتيني ليس بالشخص المغرور بل بالعكس هو من أكثر الشخصيات تواضعاً في كرة القدم، كما صرّح العديد من اللاعبين والمدربين الذين شاركوه غرفة الملابس، كل ما في الأمر أن ميسي يحتاج شخصيات كفيلة بالثقة بجانبه في برشلونة، وبدونها سيواصل برشلونة نفس قصص الفشل التي تكررت كثيرا، والتي أصبحت عنوان الإدارة الحالية للفريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى